لن تقوم دولة غزة أبدا

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي


هل هناك فلسطيني عاقل يمكن أن يفكر في إمكانية قيام دولة في غزة لوحدها ؟ ولو فكر هذا الفلسطيني المجنون هل يمكن أن تقام الدولة لمجرد رغبة هذا الشخص أو ذاك الحزب ؟ وهل تمتلك غزة مقومات الدولة ؟ وهل قطاع غزة خال من السكان حتى يستسلم بسهولة لإرادة هذا الشخص أو ذاك الفصيل لو أراد ذلك ؟ وفي المقابل هل يمكن أن تقام دولة في الضفة الغربية لو أراد البعض ذلك ؟ وهل بالفعل هناك قطيعة شعبية بين أهلنا في الضفة الغربية وأهلنا في قطاع غزة كما يشاع عند البعض في بعض الأوساط وكأننا نتحدث عن شعبين غير متجانسين ؟ ولماذا يثير البعض التخوف من قيام دولة غزة ولا تثار هذه الشبهة على الضفة الغربية هل بسبب وجود الاحتلال الإسرائيلي المباشر هناك وعدم وجوده بشكل مباشر على أرض غزة ؟ أم هو التشكيك في نوايا الحزب الحاكم في قطاع غزة أم هي إحدى مظاهر الانقسام في كيل كل طرف الاتهامات جزافا للطرف الآخر لتسجيل مواقف فقط لا غير ؟

في الحقيقة لم نسمع من أي مسئول فلسطيني بشكل رسمي مباشر أو غير مباشر سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية بوجود أي مخطط لمثل هذه الأفكار السوداء التي يفترضها البعض ويثيرها في وسائل الإعلام وكأنه يتمنى حدوثها أو تثبيتها من خلال إشاعة خبرها حتى لو تضمن الخبر رفضه لها والإدعاء بالحرص الوطني ووحدة الوطن ، لا يجوز بأي حال من الأحوال تثبيت مثل هذه الأفكار وتداولها وكأنها أمرا واقعا ، ولكن طالما استمر الانقسام على أرض الواقع فإن ممارسات تجري بحكم ضغط الواقع الأسود لا يمكن تجاوزها مثل ممارسة السلطة على الأرض بشكل منفرد في كل من قطاع غزة والضفة الغربية دونما مسائط مشتركة أو سياسة موحدة وبروز مسميات وأجسام تشبه بإسمائها مؤسسات دولة أو كيان مثل مجلس وزراء ومجلس تشريعي وقضاء ومحاكم وهيئات رسمية وغير ذلك من أشكال الحكم ، ولكنها في حقيقة الأمر برزت بشكل إجباري وليس اختياري بحكم الانقسام الأسود ، وكل الأطراف أكدت أنه فور الانتهاء من هذا الانقسام وتوابعه سيتم إعادة الأمور الى نصابها وهذا قد يستغرق بعض الوقت ويحتاج الى جهد كبير ولكن لا يختلف عاقلان على ضرورة حدوثه وأنه الحل الوحيد المطروح على طاولة الحوار ، وأن المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية سيذهب الى الانتخابات القادمة لاختيار ممثليه وقيادته القادمة .

لاشك أن الكيان الإسرائيلي يحلم منذ سنوات في تفتيت الشعب الفلسطيني من خلال دعمه بكل السبل لتعزيز الانقسام الفلسطيني في محاولة منه لتشويه صوة الدولة الفلسطينية وتمرير مخططاته في فرض الحل النهائي القائم على أساس موافقة الطرف الفلسطيني عن التخلي عن أكبر حجم ممكن من الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية مقابل توسيع قطاع غزة بمساحات واسعة تساوي الأرض المصادرة في الضفة الغربية ، والعمل على دفع قطاع غزة بعيدا عن الكيان الإسرائيلي في كافة المجالات باتجاه مصر ليصبح لديه مقومات الكيان المستقل وهذا المخطط ليس سريا بل تحدثت به أوساط إسرائيلية بشكل رسمي باعتبار ذلك إحدى السيناريوهات الموضوعة للحل النهائي مع الفلسطينيين ، ولكن هل يوجد فلسطيني يستطيع التعاطي مع هكذا سياسة بشكل مباشر وعلني ؟ لا أعتقد ذلك لأن من يحاول أن ينكر وجود الشعب الفلسطيني القادر على إفشال هذه المخططات فهو من يسوق لمثل تلك الحلول سواء كان يدري أو لا يدري .

نحن الصامدون في قطاع غزة ندرك أكثر من غيرنا حقيقة ما يجري على الأرض ونحن الحكم وليس غيرنا ، ومن خصائص سكان قطاع غزة أنهم يصبرون طويلا ولكنهم إذا انفجروا لا يهدأون إلا بتغيير واقعهم والتاريخ مليء بالعبر والعظات ، لا يمكن لأي طرف أن يخدعنا وليس من السهل قيادتنا ونحترم عقولنا ، ولا يمكن للفضائيات ومن يمتلك وسائل الإعلام أن ينجح في تغييير حقيقتنا مهما حاول لأن الواقع سيكذب كل ما يقال ، قطاع غزة جزء أصيل من دولة فلسطين ولن يكون منفصلا عنها وما يحدث اليوم على أرض الواقع هو فعل استثنائي ولن يكون أصيلا لأنه الى زوال بكل تأكيد ، وعيوننا هنا في قطاع غزة شاخصة دائما نحو كل ما يحدث في القدس وما يحدث مع أهلنا في الضفة الغربية ونراقب الممارسات الصهيونية ضد أرضنا هناك ، كما نشعر دائما بأن أهلنا في الضفة الغربية يشعروا بأزماتنا وما يمر به قطاع غزة من حصار وضغط ، ومن هنا فإن الهم الوطني واحد والشعب الفلسطيني واحد مهما اختلفت راياته ومهما اختلف أبناؤه وهذا هو الأصل وما دون ذلك هو الاستثناء رغم حقد بعض الحاقدين الكارهين لوحدة شعبنا والمستفيدين من خلافاتنا .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت