مزارعو الحدود .. يزرعون القمح والشعير ويحصدون الرصاص!

خان يونس – وكالة قدس نت للأنباء
يجلّس الشاب الثلاثيني نهاد قديح بجوار والدته وعدد من أقربائه، يعمل بحذرٍ شديد داخل أرضهم الزراعية المزروعة بالقمح والشعير شرق بلدة خزاعة بمحافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، والتي لا تبعُد أكثر من "500متر" عن الحدود مع الأراضي المُحتلة 48، بعدما تمكنوا من زراعته بمُخاطرةٍ كبيرة بمثل هذا الموسم من العام، عدا أنهم يحصدونه بأرواحهم.

ويقوم قديح بالعمل بين والدته وعدد من النسوة التي يقربنّ له، كي يستأنسنّ به خشية من تعرضهن لإطلاق النار كالعادة من قبل الأبراج والجيبات الإسرائيلية التي تأبي في كل صباح إلا أنّ تأتي وتنتظرهم، مُقابل المناطق التي يعملون بها، وتُصيب بعضهم وتدفع البعض الأخر لترك العمل والهروب.

خوف وحذر
وما إنّ تهدأ الأمور قليلاً في المنطقة وتعود الجيبات التي تتمركز أمامهم لسويعات داخل مواقعها، حتى يُسارع ومن معه بالعمل بشكلٍ سريع لإنجاز أكبر كمٍ من حصاد الأرض وتجميعه بمكان واحد، لكنه وعلى الرغم من ذلك لم يّغب عن باله مشهد الموت الحقيقي الذي يعيش بداخله وهو يجلس وجهًا لوجه مع جنود الاحتلال.

ويقول قديح لـ مراسل "وكالة قدس نت للأنباء": "نأتي كل عند حوالي الساعة السابعة للعمل بهذه الأرض وأنا وأقربائي، وما إنّ نُباشر بالعمل حتى تأتي دورية إسرائيلية وتقوم بإطلاق النار تجاهنا بشكل مُكثف وعشوائي، مما أدى لإصابة أحد قريباتي ريناد قديح27عامًا برصاصة في طرف رأسها".

ويُخرج قديح ونحن نتحدث له عدد من الرصاصات عيار 250ملم من حيبه، عثر عليها بالزرع أثناء عمله بالحصاد، أطلقتها جنود الاحتلال أثناء عدم تواجدهم بالأرض، لافتًا إلى أنّ هذه الرصاصات لو أطلقت نحوهم وهم متواجدين لقتلت وأصابت واحدٍ منهم، وعندما يعثرون على الرصاصات، يتخيلون الجيب يقف أمامهم ويُطلقها تجاههم!".

ملاحقة لقمة العيش
ويضيف "عند حدوث عملية إطلاق نار من قبل الاحتلال نحونا، لا نجد واقيًا وحاميًا بعد الله عز وجل سوى الأرض نفترشها وسط الزرع النابت بينه النباتات الشوكيه الصيفية، لأن المنطقة التي نعمل بها لا توجد بها لا شجر ولا حجر، بعدما دمرها الاحتلال عشرات المرات، وجعلها أثرًا بعدي عين".

ويشير إلى أنهم يعملون وهم جالسين على الأرض غالبية وقتهم، ولا يمشون كثيرًا بين الزرع طوال ساعات العمل التي لا تمتد لأكثر من ساعتين أو ثلاثة، لا يقوم الجنود بإطلاق النار تجاههم عندما يشاهدهم يتنقلون وبحرية بين المزروعات بشكلٍ طبيعي.

ويعبر قديح عن استغرابه من ملاحقة الاحتلال لهم حتى في الأيام القلائل التي يتمكنون فيها من الوصول لأراضيهم المدمرة ويزرعونها بالقمح والشعير الموسمي، وتحت حماية الأجانب الذين أتاحوا لهم زراعتها قبل أشهر، وحصادها بمثل هذه الأيام، وكأن الاحتلال لم يكتفي بما قام به، بعدما اقتلع الشجر والحجر والبشر.

تدمير وحرمان
وعلى بُعد أمتار جلّس المُسن أحمد النجار في العقد الثامن من عمره وهو وزوجته المُسنة، وزوجات أبنائه يحصدون الشعير المزروع داخل أرضه التي تٌقدر مساحتها بحوالي "ثمانية دونمات"، وعلى بُعد حوالي 400 من الشريط الحدود، بعدما دمر الاحتلال أرضه عدة مرات، وجعلها أثرًا بعد عين، حتى حرمه من الوصل إليها.

ويقول النجار وهو جالس بجوار كومة من قش الشعير والعدس لـ "قدس نت" : "كانت هنا على هذه الأرض عدد من الدفيئات الزراعية، ومزارع تربية الطيور، ودمرتها الجرافات الإسرائيلية، وبعدها قمت بزراعتها بالزيتون والعديد من أشجار الحمضيات، وأتت عليها الجرافات من جديد ودمرتها، ولم يسمحوا لنا رغم ذلك من وصولها، إلا في موسم القمح والشعير وبمخاطرة كبيرة، وبحماية المتضامنين الأجانب".

ويتابع النجار "نأتي كل صباح عند الساعة السابعة، ونعمل بالأرض كالحرام الواحد منا _بدون أدنى تشبيه_ لأننا نعمل وبسرعة وبخوف شديد وكأننا نسرق شيء ومن ثم نهرب، هذا هو الحال بالضبط لدى المزارعين القريبين من الحدود، لذلك لن نستطيع أن نطول بالعمل لأكثر من ساعة أحيانًا، لإطلاق النار علينا من الاحتلال".

ويُشير إلى أنهم يأتون كل صباح بخوفٍ وحذر شديد، ويفاجئون بتمركز ما لا يقل عن جيب عسكري واحد على أحد التلال داخل الشريط الحدودي، ويترجل منه عدد من الجنود يقومون بإطلاق النار علينا وبشكلٍ مباشر، فمنا من يهرب لمنطقة أمنة، ومنا من يفترش الأرض، حتى أنهم لم يحترموا الأجانب الذين قدموا لحمايتنا، ويطلقون النار تجاهنا وتجاههم.

ويلفت النجار إلى أنّ الثماني دونمات يفترض حصدها بستة أيام، لكن نتيجة إطلاق النار والخطر الشديد نمكث بها ما يزيد عن عشرة أيام، عدا أننا قمنا بالحصاد مُبكرًا هذا العام لاستغلال الهدوء النسبي على الحدود عل خلاف كل عام.

وينوه إلى أن الوقود هي الأخرى تهدد زرعهم، لعدم توفره بكميات كافية تُشّغِل "التراكتور" الذي يقوم بحصاد المحاصيل، وإنّ توفر له الوقود يتهافت عليه المزارعون لحجز ميعاد، وبثمن مرتفع يصل لأكثر من 100 شيقل بالساعة، بعدما كان لا يتعدى الـ 60 أو 80شيقل.

انتظر المتضامنين الأجانب
وعلى بُعد مئات الأمتار انشغل المواطن محمد النجار بالعقد الرابع من عمره، في إعادة جمع ما تبقى من منزله الذي دمره له الاحتلال إبان حرب غزة عامي 2008، والذي لا يبعُد سوى حوالي 500متر عن الحدود مع الأراضي المُحتلة عام 48، ومحاولة إعادة بناء ما أمكن منه.

وعلى بُعد أمتار من منزله تمكن النجار من زراعة أرضه البالغ مساحتها خمسة دونمات بالقمح والشعير، بعدما دُمرت هي الأخرى خلال وقبل وبعد الحرب، ورُغم تواجده بالقرب منها لكنه لم يستطيع دخولها أو العمل بها، خشية تعرضه لإطلاق نار من قبل الأبراج والجيبات العسكرية، كما يحدث مع المزارعين كل يوم.

ويّبين إلى أنه ينتظر قدوم المتضامنين الأجانب حتى يتمكن من الوصول له كما قام بزراعتها برفقتهم، مُتمنيًا بأن يمر الموسم على خير دون حدوث أي مكروه لأي من المزارعين بالمنطقة الحدودية، كما حدث مع بعضهم قبل أسابيع، بعدما أصيب أثنين منهم بالرصاص الحي.