ولأن المشيخ من حسن الختام، ولا دخل للإنسان في وقت حلوله، فقد حمل والد العريس الطاعن في السن، يمشي الهوينى في يوم عاصف، ورقة "مزبطة" على كفيه المفرودتين خوفا من اختلاط حبر الختم كما أوصاه المختار بعد أن ختمها وقبض المعلوم، ليصل الطاعن في السن إلى جمع من أقاربه المنتظرين في البيت لبدء إجراءات الزواج ويداه مفرودتان فارغتان دون أن ينتبه وهو يقدم يداه الفارغتان قائلا : تفضلوا هذه هي الورقة مختومة من المختار، في مشهد مريع للحاضرين تختلط فيه المأساة بالملهاة، حيث طارت الورقة بفعل الريح وهو لا يدري، فيرتبك الطاعن في السن عندما انتبه ليديه وليس عليها المزبطة، فعاد مسرعا بحثا عن الورقة في الطريق، ولكن هيهات فقد طارت الورقة مع الريح العاصفة ولم تعد في متناوله.
ولأن الثورة/ الفلسطينية/ أي ثورة، ليست من توابع حسن الختام بل هي من تدبير الذكاء الإنساني الأرقى، تتجدد ولا تشيخ، ويلعب فيها الرائي والمنظار والنظار والثوار دور المنقذين للشعب / والأرض/ ، فقد تعرضت الثورة /الفلسطينية/ للغدر من سياسييها ومثقفيها وكتابها ومدعين الفكر فيها، حين تحولوا إلى سلطة بيروقراطية مطلقة، واستشرست المكاتب المخملية، واستوحش المثقف المزيف، وددولر الكتاب التجار في جرائدها، وانكشف اللا فكر في قنواتها إلى ما يشبه الإعلام، ونصب أنصاف الصحفيين وأرباع الإعلاميين أنفسهم /قضاة/ طبالين لترقيص الشعب، ورقص الثوار الجهلة على رواتبها انسحابا للخلف الوطني، فغدروا بالثورة السياسية شر الغدر، وعندما اشتبكت المصالح غير الوطنية، انقض جهابذة الدراويش ومجاهديها على الثورة، فحرقوا المعبد بمن فيه، واستولوا على ركامها في يوم عاصف فتطايرت الأوراق، كما مزبطة الطاعن في السن، ولم تعد أوراق قوتنا في متناول أحد منهم/الجميع.
ولأن الطابق أصبح مكشوفا، فأين طارت أوراقنا الثقيلة الوزن الضاربة أطنابها في صخور الأرض، الوطن، الشعب، الجغرافيا والتاريخ بما كان يسمى الحق الذي لا تنازل عنه والسابق التجذر قبل مجيء ثوار الغباء التجاري، تلك الأوراق التي لا تطير بعواصف الرياح كيف طارت؟
القدس طارت كما طارت ورقة الطاعن في السن من عاصفة الريح دون أن يدري، ولكنكم دريتم، وكنتم تدرون أن القدس ستصبح إسرائيلية، كَبُرَ صراخنا، أو، علت شخراتنا، تنافخنا شرفا، أو، أعلينا ضجيج حنجرة مزيفة، قال "تميم"، من في القدس، أم، لم يقل، اعترفنا أم لم نعترف، فالماء يكذب الغطاس، وهل طهارة الماء تنقذ غطاسا لا يعرف العوم؟!!
الحدود: طارت كما طارت ورقة الطاعن في السن دون أن يدري، ولكنكم رأيتم الجدار يسير ولم توقفوه بل أقمتم له زفة الوداع بإعلامكم المنهوك وانفض السامر بأعلام ويافطات الدونرز وغطرات المتضامنين وكاميرات التزوير الطفولي، ألم يكن يحتاج الجدار القادم على رؤوس أشهادكم إلى نصف مليون شهيد لمنعه، هناك أيها الدجالين فرق بين فعل الشاهد والشهيد، أليس كذلك؟!!
المستوطنات: طارت كما طارت ورقة الطاعن في السن، ولكنها هذه المرة كانت تطير في أراضينا فماذا فعلتم؟ واصلتم غباء التفاوض عشرين عاما ولم تغادروا المسرح ؟ لا أدري هو خجلا أم طفاسةً.
المياه: ولأن المياه خلقت لتزحف وغير قادرة على الطيران، فقد شفطت من نخاعنا في رحلة مخدر الجهل النضالي دون أن يلتفت لها متنفذوا الفهلوة لفعل المطلوب.
الدولة، فهل من عاقل في شعبنا ينكر أنها كانت شعارا كاذبا لأن من يريد الدولة حقا كان عليه أن يتمسك بالقيم العليا للنضال من أجل الاستقلال ، لا أن يبني قصورا في الهواء، لم تفعلوا أيها المناضلون والمجاهدون إلا عبثا يسخر منه التاريخ الذي لم يسجل لكم إلا السذاجة في فهم ماهية طريق الاستقلال المؤسس على قوة إرادة هذا الشعب الذي أفسدتموه ومزقتموه إربا في قطعان من الجيوش التوابع لكل من هب ودب لكل قائد يحمل كيسا من المال غير المتيقن المصدر والأجندة، وراية جديدة، ومجموعة عاطلة عن العمل والمعرفة في رحلة كسب المغانم وفرصة في سهو العلم وتراجعه أمام بنادق الزعران في بلادنا وما أكثرهم، إنه جهل السياسة واستحكام الخرافة، وتطاول الرقاب القصيرة الشأن نحو استحواذ الاجرام في بلاد هي الوحيدة التي لا يعاقب فيها مجرمي السياسة ولا يتبدلون.
العودة ، ولكي لا تطير العودة كما طارت أوراقنا، نقول هنا وبالفم الملآن، كفا لهذه الحقبة وهؤلاء المهزومين ، حق العودة لا يكون بهؤلاء الذين لم يعرفوا طوال عشرين عام من المفاوضات أن الطريق للعودة لا يكون بهكذا تفكير وهكذا تحضير ونقول لصاحب الصاروخ مادامت هناك طائرة تستطيع إنهاء عمله ومفعوله بأنك خططت خطأ لتحقيق الانجاز ، ويجب أن يكون لديك ما يهزم الطائرة قبل أن تستخدم الصاروخ .. لا نريد وسيلة نعرف مسبقا بأن هناك ما يهزمها وإلا فعدم استخدام الصاروخ أفضل ، ومن لا يعرف الخطوة الثانية عليه ألا يبدأ الخطوة الأولى... فهل تعلمنا أم مازال من يزايد على هذا الشعب؟
التراجعات الكثيرة والكبيرة دون ثمن، تعني غباءَ مدقعا، فهل جميعنا مدقعي الغباء النضالي لنرجع بخفي حنين في كل ما فعلناه حتى لم نستطع قبض ثمن تنازلاتنا في المسيرة لنقدمه للشعب وليس للحسابات الشخصية أو الفئوية الساذجة.
ماذا جنينا من كل ما فعلتم يا مطيري أوراق قضيتنا .. أم مازلتم صامدون والقضية أصبحت في خبر كان.
هل مازال الثوار والمناضلين والمجاهدين الأشاوس مختلفون في انقسام الوطن على من أولاً، البيضة أم عرف الديك .. ديك اللي ما يخلي واحد فيكو ( ... ).
3/5/2012م
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت