:: لله يا محسنين :: هذا المفهوم الذي بات غريباً على الشارع الغزي بانتشاره بكثافة في متفرقات الطرقات وهنا وهناك، ربما أن خارطة غزة بدأت تتماوج ما بين الحقيقة والسراب، ما بين الإدراك والإشاعة وبين النعم واللا، أوليس هو القائل " والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم "، أم يصدق الله في قوله حينما ذكر في كتابه هذا الحق الشرعي وثبت على أنه اختبارا من الله، فقد ضاعف الله هذه الصدقات والتبرعات بسبع أمثالها، أم الإيمان لم يعد موجوداً في مجتمعاتنا وبدء يتناقص رويداً رويدا.
سيدة هنا وطفل هناك وبالجانب الآخر شيخاً في الطرقات، براءة تفقد مغناطيسيتها وآهات تتكاثل، لأن الحياة الكريمة قد باتت منهكة في تلك العائلة الغزية هناك، غابت الابتسامة وأصبح الطفل رجلاً بغير أوانه، فقد تحمل اليوم أعباء ما في الدنيا من هموم وأعباء الحياة وما فيها، شرائح كثيرة ولعلي لا أعطيها حقها بالحديث عبر بضع هذه الكلمات أو حتى الكثير من العبارات، ولكن سأخص بالذكر شريحة الأطفال من هذه المأساة التي أسلط الضوء عليها في مقالي هذا.
مع حلول صباح كل يوم غزي تكاد تتداخل أشعة الشمس الذهبية هنا وهناك في كل بقعة من بقاع غزة، ولكن ما يثير فضولي دائماً أنه لا يكاد يخلو مفترق أو قارعة طريق من أطفال يحملون شتى أنواع البسكويت وغيرها من المنتوجات التي تباع بين الأيادي الصغيرة تلك، هل اعتزل الآباء ليحل مكانهم الأبناء الصغار في توفير لقمة العيش البسيطة لآبائهم، وأعتذر لهذا اللفظ بأن التشرد الذي يعتبر جزءاً كبيراً من الخلل الاجتماعي الموجود بحكم وجود الفقر المفرط أصبح الملجأ الوحيد للأطفال أو أن عائلاتهم على قارعة الطريق يتسولون من هذا وذاك .
كسرة من الخبز اليابسة التي أصبحت تأخذ حيزاً من تفكير الكثير، والكثير من الأطفال الذين يبحثون في داخل النفايات بشوارع غزة، فهذه وجبة غذاء فاسدة (لا يهم)، وذلك البنطال الممزق وتلك القطعة البلاستيكية (سوف أبيعها بثمل ضئيل)، المناظر هذه كلها غريبة عن الشارع غزي التي بدأنا نعهدها هذه الفترة تحديداً.
الطفل محمد الذي يفترش الشوارع ليلاً كل يوم وأنا أترقبه لأكثر من مره يقول أنه ترك الدراسة بهدف الحصول على الكسب المعيشي وإطعام عائلته بعدما فقد والده في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يتنقل في الطرقات هنا وهناك ليبيع ما لديه من علب العلكة ويستهدف طلبة الجامعات الذين ينتهون من الدراسة ومن ثم الانتقال إلى منطقة الرمال المعروفة بغزة ليكمل بيعه حسب ما يقول، ليكمل حديثه قائلاً هناك حركة نشطة أنا سعيد لأني أبيع يومياً وأدخل مصروفاً على أهلي بقدر عشرة شواقل .
بعدما انتهت مقابلتي مع محمد بدأت بمقابلة جديدة مع فتاة رفضت ذكر سمها وأنا أحادثها ولكن كل ما أجملت أنها بعواصف خارجة عن إرادتها قطع الفقر أمعاء والديها وأصبحت تعاني من إهمال شديد من عائلتها بسبب ذلك، والدها قام ببيع منزلهم بسبب حاجته للمال وفقدوا المكان الذي يأويهم وأصبحت زوايا الطرقات هي المكان الوحيد الذي يرحب بهم، وهذا أمر طبيعي على حد قولها وخاصة إن كان في قطاع غزة، اندهشت من كلمات تلك الفتاة التي لم الحادي عشرة عاماً .
من المتعارف عليه حقوقياً واجتماعياً أن تأخذ هذه القضية الجوهرية أو الكارثة الكبيرة إن صح التعبير، الحيز الأكبر من الاهتمام وما يبشراً أن المخاطر الصحية والاجتماعية والنفسية التي يتعرض لها هذه الشريحة من الأطفال للكثير من الأمراض والوقوع في الإسقاط وسوق عمالة الأطفال والكثير من التبعيات في هذه البقعة التي بدأت تتسع سريعاً، إلا انه قد يطول الحديث في ذلك ولكن المعادلة السابقة تحدد قوة الحياة وقسوتها الواقعة على هؤلاء الأطفال من انتهاك لملامح طفولتهم وإنسانيتهم الذي أصبح المحرك الرئيسي الذي يجبرهم على حياة القمع والإهانة التي تجعل العدوانية تطغوا على سلوكه من أجل تأمين نفسه ضد أي هجمات، وقد تجعل منه ذلك الإنسان المتنازل عن أبسط حقوقه في الحياة والمنساق لأي تجاه يتعرض له.
سأختم ما كتبت بعدد من التساؤلات التي تتمحور حول حق الطفولة في ممارسة حقوقهم وما هي دور الحكومة في غزة ورام الله تجاه هذه القضية التي بدأنا نعاني منها كثيراً، وأين دور مؤسسات حقوق الإنسان وحقوق الطفل تحديداً أم أنه مجرد توزيع للأدوار وترويج لدعايات لا يوجد لها أي أساس من الصحة ؟
دقت الساعة الثالثة ليبدأ موعد الدوام ..
صدقوني خرجت مسرعاً وعيناي نيام ..
جوع وإرهاق وقد اتبعه الكثير من الآلام ..
بحثاً عن قوت أهلي ألم أخبركم أن اسمي سام ..
استعدت وعيـي وبدأ يظهر عليا الكثير من الإلهام ..
أفتح ذلك الكيس وهناك الآخر لآكل شيئاً هناك ..
لم أعرف أن المرض من تلك الأفعال نهاية الهلاك ..
المسئولون عني كتبوا يافطات أننا بعد ذلك لا ننساك ..
مشرداً أنا طوال الليل ولم أخبر التشرد أنني قد أهواك ..
استيقظوا يا أهل غزة فأنا أبحث عنكم هنا وهناك ..
طفولتي تلاشت بفضلكم وأنا لا أسمع إلا صوت صداك ..
أعتذر لهجومي بالحديث ولكن يجب أن يكون منكم حراك ..
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت