بدأت مكونات النظام الفلسطيني القديم تتشكل بانطلاق الثورة الفلسطينية المنظمة بعد النكبة في منتصف الستينيات من القرن الماضي بتنظيماتها وأحزابها القومية والوطنية واليسارية، وبعد عشرين عاما اكتملت تلك المكونات بمشاركة الأحزاب والتنظيمات الإسلامية ليصبح النظام الفلسطيني شاملا لكل شرائح المجتمع الفلسطيني.
كانت بنية هذا النظام الفلسطيني الذي تقادم الآن بشموليته قائمة على قاعدتين هما التعبئة والتنظيم (سياسي) والكفاح المسلح والمقاومة (عسكري)، واستمر هذا النظام بنفس المكونات والصفات حتى أُخضع لاختبار حقيقي على الأرض الفلسطينية باتفاق أوسلو، وافق من وافق، أو، رفض من رفض، وكلاهما الرافض والموافق هم صلب هذه المكونات للنظام أصلا، بغض النظر عن الاجتهاد والموقف، وهنا أتحدث عن الملامح والصفات المشتركة كأحزاب وفصائل منطلقة لنفس الهدف، وعلى نفس الأرض، ولنفس القضية، وهذا النظام بشموليته الوطنية والإسلامية يحمل نفس صفات شعب واحد، نقي العرق والطائفة والجذور، ومتوحد حتى في الكروموزومات، والمناخ، والبيئة، والعادات، والظروف الاقتصادية والمجتمعية، ووصولا حتى لمتشابهات البنية الجسدية التي تغلب عليها القامة المربعانية.
في الاختبار فشل الفلسطينيون أم أفشلوا، فالنتيجة واحدة، وهي أن هذا النظام الفلسطيني بمجموعه الوطني والإسلامي لم يمتلك المطلوب من مقومات النجاح إذا اعتبرناه فاشلاً، أو، لم يمتلك قوة الحماية والتصدي لمن تمكن من إفشاله إذا اعتبرناه مفشلاً.
لم تتمكن فتح ومناصري أوسلو من الاختراق، ولم تتمكن حماس ومناوئو أوسلو من فتح أفق جديد للشعب الفلسطيني، فوقفوا جميعا فاشلين من منتصف الطريق، وهم الآن يشكلون عقبة في طريق الشعب الفلسطيني المأزوم من فشلهم، ولأن النظام الفلسطيني بكل مكوناته وصل لنقطة النهاية، فقد بدأت تتهاوى عناصر التماسك في هذا النظام، ولعل ما يؤكد متشابهات التهاوي لجزئيات هذا النظام هو مسلكيات ونهج تنظيم مثل "حماس" كان رافضا لمسيرة تنظيم مثل "فتح" في إدارة الصراع وإدارة شؤون الناس، فإذا به ينحى نفس المنحى في برنامجه السياسي وتراجعه لحدود سبعة وستين وتوقف المقاومة، وانكشاف إدارته وفسادها وعلى نفس قاعدة المكاسب وتآكل عناصر القطيعة مع الغرب ويحاول تكرار مسيرة فتح، وهنا تأكيد على متشابهات النظام القديم بإسلامه ووطنيته.
فتح قاتلت وجربت طريق المفاوضات وحماس قاتلت وتحاول تجريب طريق المفاوضات لو أتيحت لها الفرصة بالتأكيد والظواهر واضحة ، بمعنى أن المسار لهذا النظام واحدة، ومتشابهات النظام واحدة، ولكن لماذا التجريب والحزبان بنفس الصفات وبنفس المحاولة، ونفس المآل ، مما يدل على أن هذا النظام كله أصبح فاشلا، وقديما، ومتآكلا، أمام الواقع، وهذا ما نعاني منه كشعب فلسطيني يراقب انهيار هذا النظام بمجمله، هذا النظام الذي قد كسرت أرجله بفشل مكوناته في المقاومة والمفاوضات، وهنا لا دخل بصحة الأداتين النضاليتين، ولكن كليهما يكابران بقوة الحديد والنار لمنع شعبنا من إزاحتهم، وهذا النظام الفلسطيني المتقادم بوطنيته وإسلامه في الطريق للانهيار مثله مثل أي نظام فشل في مسيرته، وسيقاوم أي تغيير، حتى تتبلور الحالة الفلسطينية الجديدة التي تأخذ طريقها لنهوض فلسطيني جديد يفتح آفاقا جديدة، تمكنه من تحقيق هدفه.
ورغم الصورة الضبابية للفوضى العربية،فليس شرطا وحتما أن يقود الإسلاميين كل شعوب الأمة العربية كما يتصور البعض، وخاصة المجتمع الفلسطيني الفريد الخصوصية في مرحلته التحررية، فالإسلاميون في بلادنا منذ عقدين هم مشاركون بقوة في النظام الفلسطيني الذي ينهار، وجربوا وفشلوا مع النظام القديم، هذا هو الذي يجب أن يعرفه الحاضر والغائب، ولسنا مصر ولا تونس، فالإسلاميون في فلسطين يسقطوا مع النظام الفلسطيني القديم، لأنهم جربوا، وآلت مسيرتهم إلى الفشل، ولن يكونوا حكاما في المستقبل في فلسطين رغم تصورهم بأن التجارب الأخرى قد تهيئ لهم ظروفا أفضل، وهذه ليست أمنية فقط، بل هذا هو واقع الانكشاف والسقوط الحالي لكل مكونات النظام الفلسطيني القديم بما فيهم الإسلاميين.
هنا نقول إن التغيير في العالم العربي، وبغض النظر عن تباين وجهات النظر للكثيرين، فهو حادث لا محالة، وسيعم أرجاء العرب كلهم في سعيهم نحو أفق جديد من الطموحات في عصر الحرية، تنهار معه كل الأنظمة، وتأتي منظومات عمل، وأحزاب جديدة، ولكل بلد ظروفه وبيئته رغم محاولات البعض انتهاز الحالة، وهي بالمناسبة ليست الحالة النهائية للتغيير المنظور، ولكن بالمؤكد سيظل التفاعل العربي، والفلسطيني، متواصلا حتى تصبح مكونات كل شعب قادرة على نقل مجتمعها لمستقبل أفضل، فالأمس لن يعود ولم يعد يتناسب مع العصر، والقادم المطلوب قد يمر في مراحل صعبة لتوليده، ولكنه، بالتأكيد سيأتي، فالعالم يتغير، وسيتغير العرب حتما وللأفضل، وحتما لن يقود المستقبل في فلسطين هذه التراكيب الفاشلة من النظام القديم الذي يتهاوى وينهار.
3/5/2012م
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت