ربما كان احد الأسباب الرئيسية لاندلاع الثورات العربية فيما يعرف بالربيع العربي بالإضافة إلى أسباب الاستبداد والظلم الذي صاحبت الفقر والجوع والجهل والمرض ، هو غياب لغة الحوار فترة طويلة من الزمن ، لغة غاب عنها احترام الرأي والرأي الآخر لتحل محلها سياسات القمع وتكميم الأفواه وقيود الحريات ، وانتشرت مصطلحات كالعملاء والخونة على كل معارض أو مناهض لسياسات النظام القائم ، وأمتلات السجون والمعتقلات بالعديد من الذين حاولوا إبداء أرائهم ومطالبهم في تغيير الأحوال في بلدانهم من اجل حياة أفضل ، لتتشكل ديكتاتوريات العصر في بلداننا العربية ، ديكتاتوريات نادت ووعدت بنشر الديمقراطية والحرية بين شعوبها ، وإذا بها ديمقراطية وحرية مفصلة على مقاس نظام الحكم ، واستمرت فترة طويلة غاب فيها تداول السلطة وتشكلت طبقات جديدة في المجتمع من السياسيين ورجال الحكم وما حولهم من عسكريين بالإضافة إلى أصحاب رؤوس الأموال والاقتصاديين التي تركزت في أيدهم الثروة ، وغالبا ما يكون هؤلاء قلة أما باقي أفراد المجتمع فيعيش حياة بين المتوسطة والفقر، وهكذا انتشر الفساد بكل أشكاله ، مع غلبة الفقر في كثير من الأحيان ، الأمر الذي جعل حالة من الاحتقان القابل للانفجار متى سنحت الفرصة ، وانفجرت الشعوب عندما أتيحت لها شيئا من الحرية وهي ليست إتاحة بقدر ما هو تطور طبيعي لآليات التواصل وتبادل المعلومات عندما اقتحمت البيوت والمؤسسات شبكة المعلومات الدولية الانترنت ، وأدوات التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والتوتير وغيرها ، ناهيك عن انتشار الفضائيات ، الأمر الذي أصبح معه العديد من المواطنين باستطاعتهم الاطلاع وتداول معلومات كانت من قبل من المحرمات .
في خضم هذه الثورات نجد مشاركة مختلف الاتجاهات والتيارات في هذه الثورات ، مقاومة ومناهضة للظلم ، فالظلم واحد وهو واقع على الجميع ، والجميع يريد التخلص من هذا الظلم ، ومع ذلك فإن ثقافة انعدام الحريات ، وعدم احترام الرأي والرأي الآخر ، نجدها هي السائدة حتى بين هؤلاء المشاركون في هذه الثورات من القاعدة إلى قمة الهرم ، وبعني آخر فإن فكرة من هو ليس معنا فهو ضدنا هي التي نراها ، وهي في نظرنا خطيرة جدا ، سوف تعيد الشعوب إلى مربعها الأول ، لأنه لا بد من الاستماع واحترام الرأي الآخر ، فمن ليس معك أو من يخالفك الرأي ليس بالضرورة هو عدو لك ، أو ضدك ، بل هي أراء يمكن أن تصيب ويمكن أن تخطيء ، وإن أصابت أو اخطات ، فهي آراء تأتي في ظروف معينه ومتغيرة ، وليس بالضرورة تمسك صاحب الرأي براية فترة طويلة من الزمن أو تمسكه بصورة أبدية .
أن ترسيخ هذه الأفكار سيكون أمراً خطيراً من شانه أن يعمل على تفتيت المجتمع ، لان ما يترتب على ذلك فيما بعد، قيام الفريق الفائز في عملية التغير التي حدثت بأعمال الإقصاء والإبعاد والاحتكار الخ من مظاهر التسلط لباقي فئات المجتمع التي شاركته النضال والكفاح والثورة بدعوي الخلاف في الرأي ، ويتحول المجتمع إلى حالة يمكن التعبير عنها بالمثل الشعبي "كأنك يا أبو زيد ما غزيت " .
هنا يأتي دور المثقفين في المجتمع ، هؤلاء يقع عليهم مسئولية ترسيخ وتعزيز لغة الحوار ، الحوار الجاد والبناء القائم على احترام الرأي والرأي الآخر ، يدعمهم في ذلك القانون والدستور ، اللذان ينصان على حرية الرأي والتعبير ، ونقصد بالمثقفين هنا شريحة الكتاب والأدباء ورجال الصحافة والإعلام والناشطين الاجتماعيين والأطباء والمهندسين والمحامين والطلاب ، عليهم ترسيخ مبدأ الحوار و حرية الرأي، ولكن بضوابط وهي أن لا وجود في مجتمع لحرية مطلقة، فالحرية المطلقة تعني الفوضى ، تعنى انتشار سياسة الغاب القوي يأكل الضعيف ، بل الحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين ، وضابط آخر للحوار هو احترام القانون ، فالقانون ساري على الجميع .
إن هذا الدور المنوط بالمثقفين يجب الأخذ به ، كل في مكانه وبيئته ، لابد من ترسيخ هذه اللغة التي ستنشر التسامح والسلم في المجتمع عبر تنظيم الندوات الحوارية وورش العمل ، عبر شاشات الفضائيات وصفحات الصحف ، عبر شبكات الانترنت والفيس بوك ، لتستخدم وسائل التقنية الحديثة التي دخلت كل منزل لنشر التفاهم بين أبناء المجتمع الواحد ، فالوطن للجميع والهدف واحد ، يجب العمل على تجنب النقد الجارح لبعضنا البعض باستخدام الألفاظ الغير ملائمة، والتي لا تنم عن أخلاقنا وديننا ، يجب العمل على تجنب تصيد الأخطاء فكل ابن آدم خطاء ، الجميع يخطئ ولا احد معصوماً من الخطأ .
إن شريحة المثقفين في أي مجتمع تشكل النخبة ، لذلك يقع على عاتقهم المساهمة في بناء وتطور المجتمع بحمايته عن طريق مقاومة كل الأفكار الهدامة التي قد تأتي إلينا عبر هذا الفضاء الفسيح ، والتصدي لها بأقلامكم وكتاباتكم وإرشاداتكم وتوجيهاتكم ، والعمل على حماية مجتمعكم وأجيالكم منها .
أكرم أبو عمرو
غزة- فلسطين
5/5/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت