أم فلسطينية تتمني رؤية جثمان ابنها قبل وفاتها

بيت لاهيا – وكالة قدس نت للأنباء
تتمني والدة الشهيد الفلسطيني محمود سالم رؤية جثمان ابنها الذي تحتجزه إسرائيل في واحدة من "مقابر الأرقام" كسياسة عقاب تفرضها على أهالي الشهداء، وانتهاك واضح لكافة الأعراف والقوانين والشرائع الدينية التي تكفل حقوق الإنسان.

ففي الرابع عشر من مارس/آذار 2004 نفذ "الاستشهاديين" من غزة، نبيل مسعود التابع لكتائب الأقصى ومحمود سالم التابع لكتائب القسام، عملية فدائية الأولى من نوعها منذ انتفاضة الأقصى، داخل ميناء أسدود الإسرائيلي، وأسفرت عن مقتل أحد عشر إسرائيلي وإصابة العشرات.

وتوضح أم محمود لمراسلة وكالة قدس نت للأنباء مياس أبو الجبين "أنها كانت تدرك أن محمود يحب العمل الجهادي وكان دائما كتوماً لا يتحدث عن عمله بالمقاومة، مبينةً أنها لم تتوقع بأن محمود الذي لم يتجاوز الثامنة عشر ربيعاً من عمره، سينفذ هو ورفيقه نبيل مسعود عملية فريدة من نوعها، تربك الاحتلال وتحدث حالة من الرعب في صفوف الاسرائيليين".

إرجاع جثمانه...
وتؤكد والدة الشهيد أنها تسعى دائما للحصول على طرق من شأنها إرجاع جثمان ابنها في اقرب وقت قائلة " لم اترك مؤسسات حقوق الإنسان، ولا حتى الصليب الأحمر إلا وذهبت لأطرق أبوابهم، وأصبح حلمي الوحيد بأن أرى جثمانه أو حتى أعرف مكان قبره".

درس الشهيد محمود الابتدائية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ودخل المرحلة الثانوية ليدرس في مدرسة أبو عبيدة بن الجراح الثانوية " أ " للبنين الفرع الأدبي، حيث كان من الطلاب المتفوقين في دراسته ، بل يعتبر من المتفوقين في كل شيء ، إلى حين أن "اصطفاه الله شهيداً" وهو في الثانوية العامة، كما تقول والدته.

وتصف أم محمود خبر استشهاد ابنها قائلة "جاء زوجي ووضع يده على رأسي وهو يقول "احتسبيه عند الله شهيدا "، وما أن سمعت تلك الكلمات قالت "الحمد لله الذي جعلتني أم لشهيد أتفاخر به"، مؤكدة أنها كغيرها من أمهات الشهداء الفلسطينيين صابرة وراضية لما كتبه الله لها" .

تلقينا بلاغ ....
وتتابع الحديث" في صباح ثاني يوم من استشهاد محمود، تلقينا بلاغ من لجنة الصليب الأحمر الدولية يطلب منا إخلاء منزلنا الكائن في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة, وذلك بناء على طلب تلقته اللجنة الدولية من إسرائيل، لأن إسرائيل تنوي قصف المنزل بالكامل"، وتضيف "وتشتت افراد العائلة لمدة تتجاوز عن أربعة شهور، مكثوا فيها عند أقربائهم وهم لا يعلمون عن مصيرهم،ولا عن مصير ابنهم أي معلومات".

وتقول والدة الشهيد إن " المحكمة العليا الإسرائيلية رفضت في 15/9/2004 أي بعد استشهاد محمود بستة شهور، تسليم العائلة جثمان محمود أو حتى اعلامنا بمكانه، مشيرة الى أنها شاهدت خبر عبر وسائل الاعلام في شهر 7 من عام 2011 ، يفيد بأن جثمان ابنها سيسلم ضمن صفقة تبادل ، ولكن ما أن مرت عدة أيام إلا وتبين بأنه تم إلغاء اسم محمود من القائمة.

كصفة لا تفارقه ...
ووجهت أم محمود مناشدة عاجلة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيس وزراء حكومة غزة وإسماعيل هنية، وإلى كافة قيادات الشعب الفلسطيني بأن "يتناولوا قضية جثامين الشهداء التي تحتجزها إسرائيل في كافة المحافل الدولية، والسعي الدائم لإعادتهم إلى ذويهم ليدفنوا في أرضهم ."


وتقول إن" ابنها الشهيد كان ذو أخلاق إسلامية وتميز بحبه للمسجد، كان صادقاً في عمله، وامتاز بخطه الجميل وكتابة الشعر، فكثيراً ما عمل لتزيين لوحات مسجده ، كان دائماً يكثر من ممازحة الشباب، إلى جانب تميزه ، بالسرية والكتمان كصفة لا تفارقه".

ويرى المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان صلاح عبد العاطي أن منهج إسرائيل القائم على احتجاز جثامين الشهداء في "مقابر الأرقام" هو عقاب للأهالي وإمعان في معاناتهم وزيادتها ،كذلك انتهاك لكل المبادئ الإنسانية والأخلاقية، بالإضافة إلى امتهان لكرامة الإنسان حتى في وفاته .

ويلفت عبد العاطي إلى أن إسرائيل صعدت من احتجاز جثامين الشهداء خاصة بعد الانتفاضة الثانية، معتبراً ذلك انتهاكاً للقواعد الإنسانية والدينية، وقال "مقابر الأرقام" التي فرضتها إسرائيل منذ سنوات طويلة هي وصمة عار في جبين الإنسانية.

ويضيف إن "هذه المقابر عبارة عن مناطق عسكرية مغلقة يمنع المواطنين والصحفيين من الوصول إليها ،حيث تعتبر إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تخرق دوما المنظومة والمواثيق الدولية، والتي تخترق حتى على جثث الموتى" .

ويشير عبد العاطي إلى أن المقابر السرية هي عبارة عن مدافن محاطة بحجارة دون شواهد مثبة على القبور، ويحمل كل قبر لوحة معدنية تحمل رقما معينا، لذلك سميت بمقابر الأرقام حيث أنها تتخذ دليلا لأسماء الشهداء .

ويوضح أن "هناك مصادر أجنبية وإسرائيلية كشفت في السنوات الأخيرة عن وجود أربع مقابر إسرائيلية ،أولها مقبرة الأرقام المجاورة لجسر بنات يعقوب الواقعة في منطقة عسكرية عند ملتقى الحدود الإسرائيلية السورية واللبنانية، حيث تفيد بعض المصادر عن وجود قرابة 500 قبر لشهداء فلسطينيين ولبنانيين سقطوا في حرب عام 19982م .

ويضيف الناشط الحقوقي عبد العاطي "أما المقبرة الثانية هي مقبرة الأرقام الواقعة في منطقة أريحا قرب غور الأردن ، وهي محاطة بجدار وفيها بوابة حديدية معلق فوقها لافتة كبيرة مكتوب عليها بالعبرية " مقبرة لضحايا العدو " وهي تحتوي على أكثر من 100 قبر" .

ويسترسل في القول " أما المقابر الأخرى هي مقبرة الرافدين والتي تقع في غور الأردن ،كذلك مقبرة شحيطة الواقعة في وادي حمامة، وهذا ما كشف حتى الآن ،وغالبية الجثامين المحتجزة هي من معارك منطقة الغور التي حدثت في عام 1975م " .

ويطالب عبد العاطي المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الاسرائيلي لضمان استعادة الجثامين وتمكين ذويهم من رؤيتهم من جديد، معتبراً أن ما تفعله إسرائيل هو إهانة للإنسان في حياته ومماته، وأن هذا ينافى تماماً مع كرامة الإنسان وما أنزله الله غزو جل في الكتب السماوية، موجها ً دعوة لكل المدافعين عن حقوق الإنسان لضمان الإفراج عن الجثامين، وفضح وما تقترفه إسرائيل بحق الفلسطينيين من جرائم .