جدلية الخطوة الأولى
لم يجد جان بول سارتر صاحب الفلسفة الوجودية لزاماً عليه أن يجيب على السؤال الجدلي أيهما جاء أولاً البيضة أم الدجاجة؟، لا أعرف السبب الحقيقي الذي بات من خلفه هذا السؤال حاضراً عند الحديث عن المصالحة الفلسطينية، فكلما اقتربت المصالحة خطوة إلى الأمام تعطلت عند حاجز أي من الخطوات نبدأ بها أولاً، حتى صياغة التزامن في الخطوات المختلفة ومفهوم "الباكيج الواحد" لم يفلح في تجاوز جدلية الخطوة الأولى، وحقيقة الأمر أن التوقف عند الخطوة الأولى لا يرجع لأهميتها بل كي يبقينا ضمن دائرة الجدل البيزنطي.
لعل الجمود في عملية المصالحة بعد التوقيع على اتفاق الدوحة يفضح هذه الفلسفة، فحركة حماس تدعو إلى تشكيل الحكومة الفلسطينية دون النظر إلى تعطيلها لعمل لجنة الانتخابات المركزية، وذهبت أحيانا لتبرير ذلك بحاجتها إلى مجموعة من الضمانات التي تمتلك السلطة الوطنية توفير بعضها، فيما البعض الآخر هو خارج التغطية بالنسبة للسلطة الفلسطينية، وبالتالي هي ترى بأن الحكومة الفلسطينية يجب أن تأتي أولاً، فيما الانتخابات فهي في علم الغيب وترتبط بجملة من الاشتراطات قد تطول إلى أجل غير مسمى، وبالتالي لا داعي لأن تباشر لجنة الانتخابات المركزية عملها حتى وإن أخذ جانب تحديث السجل الانتخابي.
فيما حركة فتح ترى بأن مباشرة لجنة الانتخابات المركزية لعملها في قطاع غزة يجب أن يسبق تشكيل الحكومة، لتوفير المصداقية المطلوبة حول جدية الانتخابات، وهي الأخرى تعي جيداً أن مباشرة لجنة الانتخابات المركزية لعملها في قطاع غزة لا يعني بالمطلق تنظيم الانتخابات ضمن سقف زمني محدد، فالأمر لا يتعلق فقط بالتحضيرات المطلوبة من لجنة الانتخابات المركزية، بل أن ظروفاً سياسية قد تحول دون تنظيمها، يقف على رأسها مشاركة القدس فيها، فالجميع متفق على أن لا انتخابات دون مشاركة القدس فيها.
ولعل البعض يرى أن تعطيل عمل لجنة الانتخابات المركزية في قطاع غزة قد ينسلخ أيضاً على عمل الحكومة الفلسطينية القادمة، وما هي الضمانات التي ستقدمها الأطراف المختلفة للحكومة القادمة كي تمارس مهامها في الضفة الغربية وقطاع غزة دون عراقيل أو معوقات؟، ولعل هذا يدفعنا لوضع سيناريو آخر تقوم من خلاله حركة حماس بالسماح للجنة الانتخابات المركزية بمباشرة أعمالها في قطاع غزة ومن ثم الطلب من الرئيس تشكيل الحكومة المتفق عليها، وبعد أن ترى الحكومة النور وتحت سبب ما تجمد حركة حماس عمل لجنة الانتخابات المركزية في قطاع غزة، فهل هذا يعني حل الحكومة أو تجميد عملها لحين عودة لجنة الانتخابات المركزية لمزاولة مهامها في قطاع غزة؟.
لعل ذلك يدفعنا للقول بأن الجمود الذي يخيم على عملية المصالحة لا يرتبط بالخطوة التي يجب أن تسبق الأخرى، تشكيل الحكومة أم مباشرة لجنة الانتخابات المركزية لعملها في قطاع غزة، بل أن الإصرار على الخطوة الأولى يهدف لإبقاء المصالحة في دوامة الجدل الغير مجدي، ويخطئ من يعتقد أن معالجة الانقسام وتداعياته يمكن أن يأتي رزمة واحدة وبجرة قلم، فنحن أمام انقسام ضرب أطنابه في مناحي الحياة المختلفة، والمؤكد أن الانتخابات لوحدها ليست كفيلة بمداواة الجروح في الجسد الفلسطيني التي خلفها الانقسام، والانتخابات هي ذاتها بحاجة إلى بيئة سليمة كي نوفر الحد الأدنى من الاشتراطات المطلوبة لميلاد جنين معافى قادر على النمو، وبالتالي قد يكون من المهم لاختراق جدار الصمت والمراوغة في المصالحة أن نباشر بخطوة عملية تضعنا على بداية الطريق الصحيح، آخذين بعين الاعتبار أن المصالحة بحاجة إلى جهد ووقت كي نصل بها إلى بر الأمان الذي ينشده شعبنا، ولعله بات من الضروري التخلي عن فلسفة اللقاءات الشخصية المتباعدة، وكسر الجمود عبر تشكيل لجنتين تكون مهمتهما متابعة تنفيذ بنود المصالحة بشكل يومي، لأن المحطة التي نتواجد فيها اليوم تطرح السؤال الجدلي بصيغة مغايرة، أيهما جاء أولاً البيضة أم الديك؟.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت