قنبلة الإئتلاف الإسرائيلي الجديد في حسابات الربح والخسارة

بقلم: ثابت السباخي


من جديد يبهر بنيامين نتنياهو بدهائه مجمل مركبات المجتمع الإسرائيلي بما في ذلك أعتى رجالات الصحافة والتحليل السياسي في دولة إسرائيل إضافة إلى نظرائهم خارج دولة إسرائيل. نتنياهو يثبت مرة أخرى وعلى الملأ أنه رمز الدولة والقائد الإسطوري الحديث بدون أي منازع، في نفس اليوم الذي خرج منه نتنياهو بخطاب مهزوز وهائج إرتفعت فيه أصوات المعارضة والمنافسين له في مؤتمر حزب الليكود وخاصة من المتطرف فيقلين والذي نجح منذ سنوات في التغلغل إلى صفوف حزب الليكود ويتصدر أعضاء الليكود المنافسين لنتنياهو، هذا المؤتمر الذي جاء به الحزب ليؤكد من خلاله نتنياهو عن نيته الذهاب إلى إنتخابات مبكرة،

جاءت مقاطعته بالهتافات المعارضة والشديدة المصحوبة بألفاظ مسيئة من معارضيه ولم يصفح له حداده على وفاة والده في نفس الأسبوع، وقف هناك وكأنه يخفي سراً ولم يخطر ببال أحد منهم حينها أن هناك قنبلة في عشية نفس اليوم يمسك بأطرافها إثنان من أقرب المقربين لنتنياهو وموفاز واللذين إستطاعا خلال ساعة ونصف نزع فتيل هذه القنبلة، في اليوم التالي كان التأهب من جميع أعضاء الكنيست الإسرائيلي من جميع التكتلات البرلمانية وقد تفرغوا من أعمالهم وإرتباطاتهم اليومية منهم المعارض ومنهم المساند لإنعقاد جلسة الكنيست للقراءة الأولى على إقتراح حجب الثقة والذهاب للإنتخابات المبكرة في الرابع من سبتمبر 2012 ما يقارب عام كامل من موعد الإنتخابات الرسمي في إسرائيل.

في الثانية فجراً من يوم الإثنين 2012/5/7 أيقظت الهواتف النقالة كل الأطياف والقيادات السياسية في إسرائيل لتضع الجميع من معارض ومؤيد في حالة من الذهول والصدمة وكأن الأمر يتعلق بكذبة الأول من نيسان. مع مرور الساعات وإنتشار الأمر وطرح الأسباب والدوافع والإتفاقات وراء هذا الإتفاق بين الرجلين، تهافتت الصحافة الإسرائيلية في التوجه إلى ذوي الشأن من القيادات الحزبية الإسرائيلية وحتى وهم في منازلهم لأخذ ردودهم الأولية عما حدث. هذا الإئتلاف يعني الأكبر في تاريخ دولة إسرائيل قد يصل إلى أربعة وتسعين عنصراً في حال بقاء الثمانية أعضاء من كاديما من أنصار تسيبي ليفني في الإئتلاف الجديد، ويبقى ستة وعشرون عضواً على سدة المعارضة بمعنى أن هذه الكنيست تستطيع أن تقر وتشرع أي قانون وهناك عن بالغ في الأمر كما جاء على لسان رئيسة حزب ميرتس زهافا جال عون في لقاء إذاعي في ذاك الصباح أن في إستطاعة هذا الإئتلاف أن يقرر بأن الشمس تخرج صباحاً من الغرب في دولة الكيان، هذا الإئتلاف إن صمد في البقاء حتى أكتوبر 2013 موعد الإنتخابات القادمة فإنه سيضع حد كبير لإبتزازات الأحزاب الصغيرة والمتدينة في إسرائيل لا وبل ربما تكون هناك مفاجئات أخرى من أبرزها التصديق على قانون" طال " للتجنيد أو التصويت على تغيير نموذج الحكم في إسرائيل وقتها ستخرج جميع الأحزاب المتدينة والمتطرفة من هذا الإئتلاف. بالرجوع إلى تأثيرات ونتائج هذا الحدث فإن هناك من هم الرابحون ومن هم الخاسرون وبقوة على الساحة السياسية الإسرائيلية. *

الرابحون هم: - بنيامين نتنياهو: فقد حصل على سنة ونصف إضافية كرئيس للحكومة مع إئتلاف وهو الأوسع في تاريخ دولة إسرائيل، تصبح لديه القدرة في طرح المواضيع الحساسة لإسرائيل، يشعر بالتحرر من إبتزازات اليمين المتطرف من الأحزاب الدينية وحتى من أمثالهم في حزب الليكود نفسه، سبب آخر لابد من ذكره وهو الإقتراب من تحقيق هدفه الإستراتيجي في تفكيك حزب كاديما والذي يمكن له أن ينافس الليكود في الإنتخابات الرسمية من عام 2013 إبقاء أبرز القيادات العسكرية تحت جناحيه في المرحلة القادمة وهم" باراك وموفاز ويعلون " يستند عليهم إن جد جديد في الموضوع الإيراني. - شاؤول موفاز: يجمع المهتمون بالشأن السياسي في إسرائيل أنه أراد بكل ثمن الحفاظ على إنتصاره التاريخي على منافسته في حزب كاديما تسيبي ليفني وإيقاف التدهور الشديد لحزب كاديما في إستطلاعات الرأي في إسرائيل والذي كان سيصل الى اثنى عشر مقعداً حال إجراء الإنتخابات المبكرة، بالأمس جلس على مقعد رئيس المعارضة في الكنيست وكان ذلك أقصر فترة لرئيس معارضة في تاريخ الكنيست الإسرائيلي، بالأمس القريب أعلن عن منصة الإنتصار في حزب كاديما أنه لن يدخل قطعاً في حكومة يرأسها نتنياهو وأنه هو البديل القادم لقيادةإسرائيل وأنه سيعمل على رص الصفوف للإطاحة بنتنياهو وأنه لن ينظر إلى مصلحته الشخصية بل إلى المصلحة العامة وتبع ذلك خطاباً له من على منبر الكنيست تهافت به بالشتائم والألفاظ البذيئة ضد نتنياهو ووصفه بالكاذب والمغرور والدكتاتور وعديم المبادئ وأخذ العهد على نفسه بالإطاحة به محافظاً لنفسه على النقاهة والنزاهة والقدرة القيادية لدولة إسرائيل والبديل الوحيد لنتنياهو وأنه صاحب مبادئ عسكرية قيادية ولكن سرعان ما تبدل هذا الخطاب. - إيهود باراك: خطط للذهاب بقائمة المستقبل إلى الإنتخابات المبكرة وهو على حافة نسبة الحسم في الإستطلاعات العامة في إسرائيل والآن حصل على القيادة في وزارة الدفاع عام ونصف إضافي يمكن له أخذ الأنفاس والإستعداد من جديد. - إيلي إيشاي: رئيس حزب شاص والذي سيبقى في أمان طالما بقي الحاخام عوفاديا يوسف قائداً للحزب وهو رابح بالفعل لأنه لا يرغب بتقديم موعد الإنتخابات والهروب من شبح قدوم آريه درعي إلى الساحة السياسية وتأجيل قدومه لعامٍ ونصف وحتى إن خرجت حركة شاص من الإئتلاف الحكومي بسبب قانون" طال " فإن في مقدورها الذهاب إلى جماهيرها بصفة المحارب. -هناك رابحون مجهولون وهم بالعشرات من أعضاء الكنيست وخاصة من حزب كاديما والذين كانوا سيشطبون من قائمة أعضاء الكنيست في حال إجراء الإنتخابات المبكرة ويفقدون أماكنهم. *

الخاسرون هم: - شيلي يحيموفيتش: إستطلاعات الرأي في إسرائيل تنبأت لها بنسبة عشرين مقعداً" حزب العمل " لتبنيها المناحي الإجتماعية، الأن ستضطر الوقوف بمرافقة قوافل الحماية والدفاع كرئيسة المعارضة في الكنيست مستندة على ثمانية أعضاء كنيست فقط من حزب العمل. - يائير لبيد: صعقة شخصية حقيقية لمن كان البارق الأكبر وفرس النهر في الطريق إلى الإنتصار والبروز في الإنتخابات المبكرة، وسيقضي فترة عام ونصف أخرى حتى الإنتخابات القادمة وستكون بالنسبة له فترة جفاف وركود وخصوصاً إن تم طرح وتمرير قانون" طال " فلن يكون له ما يقدم من جديد في هذا العراك. - تسيبي ليفني: إنسحبت من الكنيست وفقدت رئاسة حزب كاديما إلى موفاز وبقيت خارج اللعبة السياسية في المقابل كان بإستطاعتها منذ البداية المشاركة في حكومة نتنياهو ولكنها رفضت وبشدة وفضلت البقاء خارجاً لتنتظر الفرصة ربما تعود من واقعها الجديد. - آريه درعي: سيقضي فترة عام ونصف تحت الضغوطات والتأثيرات من الحاخامات والجماهير الدينية في محاولة منهم لضمه من جديد في حزب شاص والتراجع عن الخوض في حزب منفردو قد يعمل الوقت على إنكماشه وإنخراطه في شاص من جديد وليس بالضرورة بمنصب رئيساً للحزب.

في المقابل جاءت الإنتقادات والتهم والألفاظ القاسية من كل صوبٍ ضد شخوص الإئتلاف " نتنياهو وموفاز " حيث جاء على لسان النائب العربي في الكنيست أحمد الطيبي قائلاً: إن موفاز قد سجل رقماً قياسياً في سلم جينيس فهذه كانت الفترة الأقصر له كرئيس معارضة في تاريخ البرلمانات العالمية، حزب كاديما أصبح عربة جر تابعة وراء نتنياهو والليكود. زعيمة حزب العمل شيلي يحيموفيتش وجهت الإنتقادات الشديدة واللاذعة للعبة وقالت أن المقصود إئتلاف الجبناء وخداع ردئ وهزيل إلى أدنى الدرجات على مدار تاريخ إسرائيل السياسي، هذا التحالف لن ينساه أحد، للأسف هذا الأمر سيؤدي إلى المساس بثقة الجماهير بالسياسيين وبذلك جاءت مراسيم الدفن النهائية لحزب كاديما وأعطت الفرصة الذهبية والنادرة لحزب العمل لقيادة المعارضة وسيقف حزب العمل والمعارضة بكامل الطاقات والأمانة فى وجه إقرار ميزانية 2013 من نتنياهو وتواطؤ حزب كاديما معه وهذه ستكون الميزانية الأسوأ والأصعب على مواطني إسرائيل وسنقاومها بشدة. رئيسة حزب كاديما السابقة تسيبي ليفني والتي استقالت من الكنيست في الأسبوع المنصرم كتبت على صفحتها في الفيس بوك أريد أن أقول لكم في هذا الصباح جملة واحدة:أعرف بالضبط أية مشاعر تغمركم بعدما حدث في هذه اللعبة لكن تذكرو أن هناك سياسة أخرى بديلة وسننتصر. عضو الكنيست إسحق (بوجي) هرتسوق إنضم لمنتقدي اللعبة قائلاً: سنقود المعارضة لإسقاط إئتلاف الجبناء وقال الوضع الجديد يعطي فرصة ذهبية لحزب العمل أخيراً لقيادة الشعب، إن لم يكن ذلك اليوم فسيكون في عام 2013 إلى طريق جديد في وجه الطريق المخادعة من نتنياهو وموفاز. وقالت رئيسة حزب ميرتس زهافا جال عون: إن الحكومة الجديدة تبث رائحة كريهة من رئيس حكومة أراد الإمتناع والهرب من الإنتخابات ورئيس معارضة يائس وقلق من التحطم، فهذا إبتزاز للبرلمان الإسرائيلي وإشارة خطيرة ومخيفة للشعب الذي فقد كل الثقة في زعامات الدولة.

أما الخاسر الأكبر يائير لبيد فقد كتب فى ذات الصباح على صفحته في الفيس بوك مخاطباً الجماهير الإسرائيلة قائلاً: ما رأيتم اليوم هي السياسة القديمة بالضبط القذرة والقبيحة والتي حان الوقت لدحرها من حياتنا، سياسة مقاعد بدلاً من مبادئ، سياسة مناصب بدلاً من مصلحة الجماهير، مصالح مجموعة بدلاً من مصالح الدولة بكاملها، يعتقدون أنهم سيستمرون لفترة ونحن ننسى ذلك لكنهم مخطئون، هذا التحالف المشين سيدفن تحته كل مشاركيه. نذكر هنا أن آخر الإستطلاعات للرأي في إسرائيل والتي جاءت في أعقاب الإعلان عن اللعبة أن 63% من الشعب الإسرائيلي يقول أن نتنياهو وموفاز تصرفا من دوافع شخصية وليس من دوافع مصلحة الدولة. وأخيراً لابد أن نقارن الحدث بما تم في 17 يناير عام 2011م حيث كانت العناوين مشابهة في الصحافة، كان من الصعب إيجاد شخص ما لم يوجه أشد الإنتقادات ضد إيهود باراك عن خطوته ولعبته القبيحة والقذرة كما جاء في الإنتقادات ضده في أعقاب إنسحابه من حزب العمل وإنشاء حزب الإستقلال.

إقامة حزب الإستقلال وقتها كان الرد من باراك مع نتنياهو للتهديدات المتكررة من وزراء حزب العمل لترك الإئتلاف الحكومي إن لم تبادر الحكومة بالتقدم بالعملية السلمية، باراك وبمشاركة أربعة من أعضاء الكنيست من حزب العمل وهم" شالوم سمحون، متان فلنائي، أوريت نوكيد وعينات وولف " أنشأوا حزب الإستقلال وقد جاء على بقاء باراك على مقعد وزير الدفاع وتقوية اللقب له" سيد الأمن " (الدفاع) إلى جانب شق الطريق لفترة ولاية أخرى لنتنياهو، اليوم وحسب الإستطلاعات فإن حزب الإستقلال لا يكاد يتجاوز نسبة الحسم إن تمت الإنتخابات. النتيجة أن هذه الأغلبية وهذا الإئتلاف هو الأخطر على الديمقراطية الإسرائلية لأن البرلمان أو الكنيست هو بمثابة الجهة التشريعية والرقابية للحكومة لكن هذا الحد من الإئتلاف والذي يصل إلى أربعة وتسعون عضو إئتلاف مقابل ستة وعشرون عضو معارضة لا يمكن لهم تقديم أو تمرير أو إعتراض أي إجراء أو قانون يشرع في الدولة إلى درجة أن العدد 26 من المعارضة لن يكون بوسعه إستدعاء رئيس الحكومة لتقديم إيضاحات أو إستفسارات بشأن أي إجراء أو حدث يطرأ في الحياة السياسية والعامة الإسرائيلية، من هنا فإن هذه الأغلبية تدفن في طياتها نهج الدكتاتورية والإنفراد بالقرار والسلطة إلى درجة الملكية.

بقلم/ ثابت السباخي "أبو السعيد "

باحث في الشؤون الإسرائيلية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت