"البُرْش" ، والعزل ، والخيمة ...

بقلم: مازن صافي


اليوم ( 24 )من معركة الأسرى .
و أنا في خيمة التضامن مع الأسرى ومتنقلا بين المضربين عن الطعام ، لاحظت شحوب وجه ذاك الشاب المهذب والذي وجدته حزينا جدا وصامتا وقلقا .. اقتربت منه وسألته كيف حالك أخي عبد الهادي ، أجابني وهو ينظر إلى عمق الخيمة .. الحمد لله دكتور .. ربنا يطمنا عليهم .. انه الأخ الأسير المحرر عبد الهادي غنيم .. لقد سمعته يكرر كلمة "البُرْش" ، وفي الحقيقة هذه الكلمة سمعتها أكثر من مرة في خيمة التضامن بالجندي المجهول .. بحثت عن معنى الكلمة فوجدتها " ارتباط الأسير بالذاكرة " .. إنها تعني ( السرير ) .. هنا علينا أن نتأمل بعمق ماذا يحمل الأسير في ذاكرته وكيف يتشكل فيه التفكير والقرار .. إنهم في عالم مختلف عن عالمنا ، هم لم يتلوثوا بمفردات حياتنا المملوءة بالانقسام وتداعياته .. وربما يستغربون من أي حادثة خلال أو تباين تحدث أمامهم .. أسرانا المحررين وكل اسري الحرية وأنا بالقرب منهم شعرت بأنهم جميعا مشحونين بفظاعة ما ارتكب بحقهم ، وما يرتكب الآن بزملاء لهم ورفاق عاشوا معهم سنوات طويلة وربما تقاسموا ساعات النوم فوق " البُرش الواحد " .. هم متألمون جدا لما يجري بحق شعبهم من استباحة هي إلى ممارسة التطهير العرقي أقرب، وبالممارسات الفاشية أشبه،

وحين قرروا الدخول في الإضراب عن الطعام تضامنا مع زملائهم في المعتقلات الإسرائيلية ، فإنهم يثبتون أنهم لازالوا في خندق الدفاع الأول عن كرامة الأمة وقضيتها .
أسرانا في المعتقلات الإسرائيلية وهم الآن يدخلون في يومهم الرابع والعشرين يبرهنون بالفعل الحقيقي وبالأمعاء الخاوية وبالإرادة الفولاذية وبالإيمان المطلق بحتمية الانتصار أنهم جديرين بأن يكونوا طلائع مسيرة الحرية الفلسطينية ..معركة الأمعاء الخاوية هي الخطوة الإرادية الجبارة التي اختارها أسرانا بعد أن فشلت كل محاولاتهم في استعادة حقوقهم البسيطة جدا بحجم ما نحن فيه من حياة وبرغم الحصار وضيق العيش ومشاكلنا الحياتية .. أسرانا في إضرابهم أرادوا وبكل قوة أن يقول للأديب الفلسطيني غسان كنفاني : " ها نحن نقرع جدران الخزان " .. " ولن نموت قبل أن نكون ندا " ..

في هذه اللحظات المصيرية وذاك المصير المجهول الخطر الذي يواجهه أسرانا في المعتقلات الاحتلالية نتذكر كلمات الشاعر الفلسطيني محمود درويش وهم يقول (سقط القناع عن القناع .. عن .. القناع سقط القناع .. قد أخسر الدنيا "نعم " .. لكني أقول الآن " لا " .. هي آخر الطلقات" لا " .. هي ما تبقى من هواء الأرض " لا " .. ما تبقى من حطام الروح " لا " .. حاصر حصارك لا مفر.. اضرب عدوك لا مفر.. سقطت ذراعك فالتقطها .. وسقطت قربك فالتقطني .. واضرب عدوك بي .. فأنت الآن حرٌ وحرٌ وحرٌ (
يا أسرانا الأحرار في سجون الطواغيت والفاشية والظلم والعنجهية : انتم الآن تصنعون لنا كرامة وقرار .. تصنعون لنا مجدا وحياة .. انتم استثنائيون بكل ما تحمل الكلمة من معنى، انتم صانعو حرية الإرادة ، برغم أنكم مقيدون في الزنازين وفي المعتقلات ومحرومون من ابسط مقومات الحياة .. انتم الآن في ساحات المجد قادة .. تصنعون الحياة بالمواجهة .. تقاومون المحتل في معركة الأمعاء الخاوية .. ونحن هنا في عالم ما وراء السجن .. نتشارك التضامن مع زملائكم من الأسرى المحررين الكبار منهم والشباب .. هنا الشيخ روحي مشتهي والقائد تيسير البرديني والأديب الصامد عبدالهادي غنيم وكثيرون
اليوم نرسل باسمكم وباسم الشعب الفلسطيني رسالة إلى الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ونصرخ في وجوههم .. أين أنتم يا من تدعون الدفاع عن حقوق الإنسان .. أين لجانكم التي يفترض أنها تنقل حالة أسرانا وتجبر المحتل على الانصياع لمقرراتكم واتفاقياتكم وعهودكم .. أين حقوق المعتقلين تحت الاحتلال .. أين كل هذا يا دعاة الديمقراطية والسلام .. يموت السلام اليوم خلف ابواب الزنازين وفي قلب المعتقلات .. فلا صوت إلا صوت الأسرى .. لا صوت إلا صوت الخيمة .. لا صوت إلا صوت فلسطين الدولة والقرار والحياة الكريمة .. لن ننسى يا مدَّعي حقوق الإنسان أن ثلاثة أرباع مليون أسير فلسطيني على مدار ثلاثة عقود ونيِّف، عانوا من إجراءات التنكيل والقمعٍ، ولازالت الذكرى حبلى بالتفاصيل المرعبة .. واليوم أنتم نجدكم صامتين إزاء ما يتعرض له آلاف من الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام .. هل تنتظرون المجزرة واستشهاد العشرات من أبطال معركة الحرية ..
أيها العرب أين الجامعة العربية .. بالأمس سمعنا عن لجنة أصدقاء .. السنا إخوتكم وفي الصف الأول لمواجهة الاحتلال .. فلماذا لا تعلنون اليوم عن تشكيل " لجنة أصدقاء الأسير الفلسطيني " .. لماذا لا تعقدون قمة عربية عاجلة وطارئة باسم " قمة الأسير الفلسطيني " .

برغم كل هذا وذاك وأيضا برغم استمرار الانقسام الفلسطيني وانشائيات تحقيق المصالحة ، نقول أن الأسرى في سجون الاحتلال منحونا أياما من الوحدة والمحبة و الكلمات الصادقة والمشاعر التي اعتقدنا أنها ذهبت مع الانقسام .. أسرانا رمز حرية هذا الشعب، وشعبنا رمزا لإرادة الشعوب .. أسرانا اليوم يسطرون أكثر صفحات سفر نضاله الوطني المديد إشراقاً .. أسرانا ولليوم الـ24 على التوالي يخوضون المعركة البطولية "نعم لآلام الجوع....ولا لآلام الركوع" .. سينتصر الحق الفلسطيني على الجلاد الإسرائيلي ، ولن يطيل سواد الليل ولا ظلم السجان .. فالسجان لن يخلد والسجن لن يدوم وفجر الحرية سوف يبزغ لا محالة ودولتنا قادمة والاحتلال إلى زوال إن شاء الله .
وأخيرا نقول أنه في اليوم الـ 24 لمعركة اسرانا البطولية لازال 19 من الأسرى معزولين في العزل الانفرادي بشكل دائم ، وهم أبطالنا الأسرى : حسن سلامة ، عاهد أبو غلمة ، أحمد سعدات ، محمود عيسى ، عباس السيد ، محمد عرمان ، جمال ابوالهيجا ، عبد الله البرغوثي ، أحمد المغربي ، محمود العارضة ، رزق رجوب ، صابر أبو ذياب ، ابراهيم حامد ، وليد خالد ، باجس نخلة ، ضرار السيسي ، منذر الجعبة ، رائد ابو ظاهر ،و الأسير معتز حجازي .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت