الكاذبون.. في معمعة اضراب السجون..!!

بقلم: توفيق الحاج


أحجمت منذ فترة طويلة عن الكتابة في ظاهرة السجن والسجان ،وصراع الزند والقضبان..،ليس جحودا أو سهوا.. ،وإنما بعدا عن تكرار ما يفعل سحرة الكلام من باطل في حق..يعصى على النسيان..!!
لكنني انحني إجلالا أمام اشرف لحظات الصدق والتضحية ،تلك التي يقوم بها الآن شهداؤنا الاحياء في سجون الاحتلال .. الوقوف جوعا.. امام سجان قذر..!!
الموت ببطء ، وبإرادة لا تقهر في وحشة العزل الانفرادي ،وعتمة التوقيف الاداري..!!
الصراخ الإنساني من الزنازين وسط صمت مطبق من المحيط الى الخليج!
فالرفاق حائرون.. يفكرون .. يتساءلون
الخلافة لمن تكون..؟!!
يا الهي...
اقشعر بدني ،وأنا اقرأ يوميات اسير سابق عن إضراب الجوع ..!!
في اليوم الأول جوع وخجل..!! في اليوم الثاني جوع ودوخة.. في اليوم الثالت دوار .. في اليوم الرابع تقيوء.. في الخامس سطوع حاسة الشم.. في اليوم السادس حتى التاسع نوم ثقيل.. في اليوم العاشر سقوط الشعر.. في اليوم الحادي عشر... تبدأ الخطى ثابتة نحو الموت..!!
لحظات تحد مشرفة .. مؤلمة.. تجسد ملحمة صارخة من دم ولحم.. تسخر من الجلاد ،و ضمير العالم المغيب .. ،ولاتمل من الدق بالأمعاء الذابلة على جدار الخزان..!!
ومع ذلك فان للملحمة على صدقها.. من يتاجر بها ، ويستغل ويكذب...!!

الكاذ بون ..اؤلئك الذين يتباكون على الاسرى ،وهم من مزقوا أحلامنا وأحلامهم عمدا بسكاكين الانقسام ..!!
الكاذبون ..اؤلئك الذين يتحاكون عن وجع الجوع ،وهم من اثروا ونهبوا فتات المسحوقين ،وتكرشوا بالملايين ..!!
الكاذبون.. اؤلئك الذين يتغنون ..كل صباح بوحدة البلاد ،وهم من اغتالوا المصالحة جهارا نهارا.. ،ونعقوا كالغربان على قبرها ..بتعاويذهم الفارغة..!!
الكاذبون اؤلئك المفاوضون بالسر والعلن ..المطبعون المتاجرون بالوطن الذين يكتبون عن معاناة السجين وجوعه.. وهم من يكرعون المكابي.. ويتلذذ ون بطعم تنوفا.. ويسهرون حتى الصباح على انغام (شنا توفا) مع اسرائيليين ..!!
الكاذبون.. اولئك الذين يقاومون ببسالة على الورق .. ،ويناضلون تحت المكيفات وفي الاستديوهات،ويتفانون في إطلاق نارالتصريحات..ثم عند اللزوم وحسب البعد الاستراتيجي الموزون نراهم باسم الله يكبرون ..يتكتكون..يهدئون..!!
الكاذبون.. أولئك الذين يكممون الأفواه ،ويلطمون الجباه ،ولا يريدون منا ونحن تحت جبروتهم أن يسمعوا حتى آه آه..!!
الكاذبون.. أولئك الذين يمتطون سياراتهم الفارهة في طريقهم الى خيام الاعتصام طلبا لسحر عيون الكاميرات ،ومغازلة الفضائيات الفاتنات.. والسلام عليكم ورحمة الله..
الكاذبون.. أولئك الذين أذلونا فيما بينهم، بانقطاع الماء والكهرباء ،وتجارة السولار والبنزين.. وبدوا وكانهم من دمنا أبرياء..!!
(تذكرت ما قالته لي معمرة ذات يوم :اننا يا بني تحت سكينة ملوخية)..وهي سكينة بمقبضين والحدق يفهم ..!!

الكاذبون .. أولئك الذين نكسوا راية الوطن ،ورفعوا راية الفصيل .. تحسبهم يدا واحدة ،وقلوبهم شتى مابين مغيب وعميل..!!
يا الله أولئك هم القتلة والوطن هو القتيل..
..عم تتساءلون ..؟!!
لم لا يرفع رب السماء عنا ،وعن اسرانا البلاء.. ومنا الدعاة والقضاة والحماة والاباة الاولياء..؟!!
والجواب ... لان بيننا أيضا البغاة والطغاة والجباة والعتاة.. ولايكفي الدعاء..!!
لم.. لم يغير الله ما بنا...؟!! ونحن الصابرين.. المؤمنين..!!
والجواب
لأننا نصمت ، ونجبن على الكذب المهين..!!
،و بيننا نخبة المنافقين ..البائعين.. الخاضعين.. ا لساجدين الراكعين الرافعين لكل ظلام لعين..
الاسرى.. يجدفون وحدهم.. يعانون وحدهم ومن خلفهم بكاء الأهل والاحباب..
صفوة القوم يحرصون –رعاهم الله-على أن تبدو الأمور رائعة بما يليق بالمناسبة.. يخطبون.. يصفقون.. يهللون..يعاهدون ،ثم ينسون .. وهكذا من عام إلى عام وانتم طيبون..!!
الأسرى .. يقلعون الان شوكهم بايديهم ..!! ،وقد يئسوا من كل دجل وتسكين .. نخر العظام ..،فبانت الأوهام على مر السنين.. !! ليدركوا أخيرا أن الحرية ربما بالموت تأتي.. لا باجتهاد المفلسين..!!
الاسرى وحدهم.. جربوا ونجحوا ..!! تذوقوا فاكهة الحرية في طريق الجوع...ولا طريق أمامهم سواه..!!
وأخيرا أقول لمن يتباكون ....
احقنوا الدمع السخين.. ،وقدموا أولا الى عوائلهم ،وأهليهم ما يحفظ عليهم أدميتهم ،وكرامتهم .. قليلا قليلا مما تسرفون.. قليلا قليلا مما تسرقون .. !!
اما الغلابا من بني وطني فلا إثم عليهم ،ولاهم يحزنون

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت