لا أزال أذكر عبارة الاستخفاف والاستهزاء السمجة تلك التي خرجت من فم "اللامبارك حسني" حين سؤل عما يجري في مصر إبان أيام انتفاضة شباب مصر حيث قال بابتسامة صفراء "سيبوهم يتسلوا"!!، فكانت النتيجة الطبيعية المنطقية أن "تسلى" شباب الثورة الغـُرّ الميامين بطاغية مصر ومفسدها الأكبر، و"لعبوا فيه الكورة" وحققوا أكبر أهدافهم في شباكه المتهرئة، وها هو الفرعون كما رأيناه مسجى على فراش المرض "اللهم لا شماتة!!" مثخن الجراح ملقى خلف القضبان تأكله الندامة والحسرة، يئن من تداعيات تلك الثورة العظيمة التي حسبها "تسلية!!" فكانت ثورة عظيمة ستغير وجه مصر وتعيد لها شبابها ونضارتها وعنفوانها، فيما سيكون مصيره الطبيعي في مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه!!.
هكذا إذن كان منطق طاغية وفرعون مصر واستخفافه بمشاعر أبناء مصر العظيمة، الذين طفح الكيل بهم وفاض جراء استخفافه بمشاعرهم وفساد نظامه الذي جثم على صدورهم لثلاث عقود متواصلة، انكمشت خلالها مصر مرغمة مجبرة على نفسها وفقدت وزنها وهيبتها ودورها الطليعي – عربياً وأفريقياً وإسلاميا ودوليا- ، ليخرج الشعب المصري الأبي عن بكرة أبيه بقيادة شبابه الناهض رافضا ذاك التقوقع والانكماش غير آبه بسطوته وجبروته وشراسة أدوات قمعه وبلطجية نظامه، واضعاً نصب عينيه هدف إعادة هيبة مصر وعزوتها وعنفوانها ومجدها، فأزاح فرعون مصر عن طريقه، وانطلق واثق الخطوة ثابت الجنان راسخ الإيمان يبني نظاماً سياسياً شفافا وفق أسس دستورية برلمانية ديمقراطية على أنقاض نظام فاسد متهالك تبعيّ للغرب "لا مبارك"!!.
لا أخفي عليكم حجم سعادتي الغامرة وعظم انشراح صدري وأنا أرى بأم عيني وأتابع بشغف من خلال شاشات الفضائية العربية والمصرية تلك المناظرات والندوات واللقاءات الخاصة بمرشحي الرئاسة المصرية، الذين مثلوا مختلف التوجهات السياسية، فهذا مرشح قومي ناصري، وذاك مرشح ليبرالي، وآخر إسلامي، إلى آخر قائمة التوجهات السياسية المصرية، يجمعهم قاسم مشترك وعنوان كبير هو حب مصر ورغبة شديدة في خدمتها وإعادة الشباب إليها، فيما راحوا جميعا يتوددون بمحبة وخشوع لأبناء شعبهم، فيما ستكون كلمة الشعب المصري كلمة الفصل في أختيار أحدهم ليكون رئيساً مؤتمناً مختاراً عليهم!!.
ها هي مصر الكنانة تنتقي وتختار رئيسها القادم بمحض إرادتها، فراحت تحاوره، تناقشه، تحرجه، تسبر أغواره وتغوص في أعماقه بحثاً عن الأفضل والأجود، في السياسة الخارجية والداخلية والأمن القومي، في مجال التعليم والصحة ومعالجة العشوائيات، والزراعة والاقتصاد والسياحة، كل ذلك يجري من خلال وسائل إعلام مصرية رسمية وغير رسمية، لعل أبرزها تلك المناظرة التاريخية التي جمعت بين المرشح الإسلامي المعتدل الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح ومنافسه السياسي المخضرم – ابن النظام المصري السابق- الدكتور عمرو موسى، في ظاهرة لم نعهدها نحن أبناء العروبة من قبل، يوم كنا تـُفـْرَضُ علينا أنظمة حكم بعينها، ويكون همها الأكبر كتم أنفاس جماهيرها وتهميش دورها وتحجيم طاقاتها، إرضاءً الغرب وخدمة لمصالحه!!.
سأترك كل ما يجري، جانباً وأتحدث عن أروع تداعيات ما يجري في المشهد المصري، تلك المتمثلة بحالة الهلع والفزع والارتباك الصهيوني إزاء ما يجري هناك، سواء تلك التي أبداها والساسة والمحللون الصهاينة في أوائل أيام ثورة 25 يناير المباركة أو تلك التي أظهروها بانزعاج وخوف هذه الأيام تحديداً أثناء سباق الرئاسة المصرية وسماع برامج المرشحين الانتخابية:
أولاً ... ففي أول أيام الثورة المصرية المباركة، صرّح "ألوف بن" المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس" العبرية عن مخاوفه من تصاعد الثورة المصرية وأبدى تخوفه وانزعاجه من احتمال تهاوي نظام مبارك وزواله قائلاً وأقتبس نصاً "انهيار حكم الرئيس المصري حسني مبارك يترك "إسرائيل" في أزمة إستراتيجية، حيث ستصبح الآن بدون حلفاء ولا أصدقاء في منطقة الشرق الأوسط."... انتهى الاقتباس!!.
ثانياً... وها هي اليوم صحيفة "معاريف" الصهيونية العبرية تكشف النقاب عن مخاوف وهلع وزير خارجية الكيان الصهيوني "أفيغدور ليبرمان" من خطر مصري قادم على ضوء ما عرضه المرشحون للرئاسة من وجهات نظر وبرامج انتخابية، حيث أشارت تلك الصحيفة بأن "أفيغدور ليبرمان" قد وجّه رسالة تحذير لرئيس حكومة تل أبيب اعتبر فيها أن "الأوضاع الداخلية في مصر!!!!" تشكل مصدر خطر استراتيجي على إسرائيل أكثر من الملف الإيراني، منطلقا بتحذيره وتوجسه ذاك من حقيقة أن مصر هي أكبر دولة عربية، وأن لها أطول حدود مع الكيان الصهيوني تمتد على مئات الكيلومترات، ناهيك عن اتفاقية سلام لأكثر من 39 عاما، كل ذلك جرى ويجري، ومصر في أول طريق قيامها وتعافيها من كبوتها، ومازالت في حراك اختيار رئيس لها!!!.
الله أكبر كبيرا، والحمدلله بكرة وأصيلا، ما أروع ما يكون حين تنتاب عدوك التاريخي هواجس الخوف والهلع، وأتساءل مع نفسي بفخر وزهو وحالة انتشاء:
1. كيف لا تصاب حكومة يهود في تل أبيب بالرعب والذهول، وتتحسب لقادمات الأيام، في ظل ما لحقها من خسارة جسيمة بفقدانها حليفها وسندها "اللامبارك حسني"، الذي خدم الغرب والكيان الصهيوني الدخيل بما مارسه من سياسة الاستخفاف بمشاعر ومطالب أبناء شعبه المتمثلة بالحرية والكرامة والعيش الكريم، وسام شعبه ظلماً وحيفاً، وزاد من جوعه وعريه وبطالته، فأبعده كثيراً عن حلم بناء ذاته ومستقبل أجياله، فيما العدو الصهيوني يتسع ويتمدد وتقوى جذوره!!؟.
2. كيف لا يطيش صواب الكيان الصهيوني ويفقد توازنه، إذا ما تناهى لأسماعه برامج وطنية وقومية خلاقة لمرشحي الرئاسة المصرية، من وزن وقامة الناصري القومي حمدين صباحي والإسلامي المعتدل الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والمفكر الإسلامي المفوه الدكتور محمد سليم العوا، ودعواتهم الحثيثة وإصرارهم على ضرورة استرداد سيناء لعافيتها من خلال استثمارها واستنهاضها، بعدما تجاهل ذاك النظام الفاسد أرض سيناء المعطاء المحررة وجردها من كل مقومات الحياة وأهملها وأفرغها من كل معاني السيادة الوطنية المصرية الحقـّة كي يحمي أمن وحدود الكيان الغاصب!؟.
3. وكيف لا يدخل الرعب قلوب حكومة وساسة تل أبيب، بعدما نقلت إليهم القنوات الفضائية عن نية الرئيس المصري القادم عتق مصر من قمقم تقزمها الذي وضعت فيه سنين عجاف وإعادتها من جديد لتتبوأ مكانتها الطبيعية لتمارس دورها الريادي والفاعل والمؤثر على الساحة العربية والأفريقية والدولية!!.
4. وكيف لا يصاب الكيان الصهيوني بخيبة أمل مريرة وقاسية بعد خسارته لصفقة مشبوهة تمثلت بإمداده بالغاز الطبيعي والتي كان قد منحها له النظام السابق بصفقة أسعار متدنية مشبوهة لا مثيل لها تسببت بخسائر مالية مصرية، ولقي قرار إلغاء تلك الصفقة المشبوهة تأييد وترحيب وموافقة المرشحين المصريين للرئاسة!!.
5. وكيف لا يفت في عضد الكيان الصهيوني وهو يستمع لحمدين صباحي أو عبدالمنعم ابو الفتوح او محمد سليم العوا وهم يتحدثون باشمئزاز عن عار حصار غزة ومساهمة نظام اللامبارك بتشديد القبضة على أبناء غزة من خلال الجدار الفولاذي بين مصر وغزة، وعرقلته دخول قوافل المساعدات الإنسانية لها، وترك ذاك النظام البائد الحبل على الغارب للكيان الصهيوني كي يعبث بأمن مصر القومي وأمام ناظري مصر من خلال التغلغل الصهيوني في قارة أفريقيا حتى تفتت السودان إلى دولتين كان للكيان الصهيوني القدح المعلى لدى دولة السودان الجنوبية المستحدثة!!.
الله أكبر كبيرا، والحمدلله بكرة وأصيلا، فهنيئاً لمصر وشبابها حين أسقطوا حليف "إسرائيل" وحامي ظهرها وسندها والمدافع عن استقرارها أمنياً واقتصادياً!!، بشهادة ما كانت صحيفة "هآرتس" العبرية قد نشرته على لسان محللها السياسي ألوف بن حيث قال وأقتبس "إن السلام مع مصر كان عبارة عن كنز استراتيجي لإسرائيل، حيث حمى مبارك ظهر إسرائيل طوال السنوات الماضية، واستغلت هي ذلك لتركيز عملها في الضفة الغربية وغزة."... انتهى الاقتباس!!.
الله أكبر كبيرا، والحمدلله بكرة وأصيلا، فبورك بأبناء مصر الغيارى أولاً، وببعض مرشحيها للرئاسة ثانياً، حين أجبروا ليبرمان كي يخرج عن صمته فيعلن عن خشيته حين طالب حكومته بضرورة اتخاذ قرار سياسي شجاع ( في ظل التطورات المصرية) بإعادة بناء قيادة للمنطقة الجنوبية عبر إعادة تشكيل سلاح قوات الجنوب التي تم حلها بعد اتفاقية السلام، على أن يشمل هذا الفيلق، ثلاثة أو أربعة قطاعات أو فرق محددة للجنوب، ورصد الميزانيات اللازمة وتجهيز رد صهيوني لسيناريوهات مستقبلية محتملة!!.
هنيئا لمصر بمرشحي الرئاسة، ممن سمعتهم ورأيتهم فملأوا صدري نشوة وابتهاجاً، وزادوني إيماناً ويقيناً بقرب خلاص مصر الكنانة من كبوة جوادها، من أمثال المرشح القومي الناصري السيد حمدين صباحي أو المرشح الإسلامي المعتدل الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح أو المرشح المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد سليم عوا، وهم يطرحون برامجهم الانتخابية، وما احتوته تلك البرامج من همّ مصري أرق لهم جفونهم، فسعوا صادقين لخدمة أبناء مصر وإعادة الكرامة لهم من خلال تحقيق نهضة حقيقية لمصر الكنانة لتعود بعدها قوية عزيزة قائدة للأمة العربية وذات سيادة على كامل أراضيها بعيدا عن الهيمنة والاشتراطات الأمريكية الصهيونية!!.
مرحى لمن سينأى بمصر عن الهيمنة الأمريكية والأوربية ومفهوم الشرق الأوسط الكبير، ليعود بها من جديد لحاضنتها الطبيعية – جغرافيا وتاريخيا- العربية والإسلامية والأفريقية، والتي من خلالها ستستطيع مصر من تأدية دورها الطليعي ولتأخذ حجمها الطبيعي، فتحقق مصالحها وتحفظ كرامة شعبها وأمتها.
مرحى لمن سيسعى لأن تكون مصر قوية، تتعاطى بندية وشرف وكرامة وكبرياء مع الدوائر الغربية والأمريكية!!.
عمار يا مصر ... عمار يا أم الدنيا!!.
ورحم الله شهداءك على مر العصور.
سماك العبوشي
14 أيار 2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت