رفح – وكالة قدس نت للأنباء
استحضرت نساء الماضي اللواتي عاصرن "النكبة" الفلسطينيية قبل 64 عامًا، ماضيهن والأيام الجميلة التي عايشنها بكافة حذافيرها وجوانبها، بحضرة نساء الحاضر والمُستقبل، اللواتي بدورهن تبادلن الحديث مع نظيراتهن، بكافة الأمور الحياتية، لتزداد معرفتهن بماضيهن وما حدث قبل وخلال وبعد الهجرة.
وبدأت نساء الماضي التي يتجاوز عمر بعضهن العقد الثامن، بعدما اجتمعن بجمعية "حواء المستقبل" في محافظة رفح جنوب قطاع غزة، تحت مظلة "كي لا ننسى" بالتعاونِ مع وزارة الشباب والرياضة – دائرة شئون المرأة، بالمحاورة والرد على استفسارات النسوة الحاضرات، والتي لا يتعدى عمرهن العقد الرابع.
في الذاكرة...
ولم تنسى المُسنة أم خليل أبو سليمة، بلدتها الجورة رُغم مرور 64 عامًا على تهجيرهم قصرًا منها، فاستحضرت قائلة "فلسطين هي الحب وهي دمي ولحمي وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، لنّ أنسى الأيام التي قضيتها ببلدتنا وحصاد القمح والشعير، والمشمش والبرتقال والخوخ .. وشاطئها وسمكها، والأيام الجميلة التي عشناها بها".
وتضيف أبو سليمة _التي ارتدت الثوب الفلسطيني وحملت بيدها مفتاح العودة_ "لم أنسى جميع القرى، المجدل اللد، الرملة، المجدل، أسدود، حيفا، عكا، القدس، يافا، حمامة، بيت دراس، جولس، يبنا، بيت طيمة، سمسم، المسمية، عاقر..، فروحي وأرواح أولادي فداها".
وتشدد على أنّنا لا نقبل بدولة دون القدس، فإذا أردنا تحرير القدس وفلسطين ما علينا سوى أنّ نتوحد، فالوحدة هي خلاصنا، قائلة "لن تقوم لنا قائمة ما دمنا كذلك، ولن تحرر أرضنا ونستعيد قوتنا على أعدائنا إلا بالوحدة وإنهاء الانقسام، لأن الوحدة بها البركة".
التهجير...
وعادت أبو سليمة بذاكرتها لتستذكر اللحظات التي هُجروا بها، فتقول "قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف البلدة فقتل الكثير من أبنائها، وهرب من تبقوا بما فيهم أنا وأهلي لبلدة أسدود المجاورة، والتي تعرضت هي الأخرى للقصف، فهربنا بعدها للمجدل، ووجدنا نفس الحال بها، وبالنسبة لعسقلان التي تعرضت لقصف إضافي من البحر، فهربنا لغزة سيرًا على الأقدام من طريق البحر."
وتابعت_بعدما بكت قليلاً وخفق صوتها وشحب _ "وصلنا لبلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وكان عمري حوالي ثمانية سنوات، وما أذكره ولم أنساه قط حينما كنت بالقرب من منزلنا وبدأت الطائرات بالقصف والمدفعية كذلك، فكنت أركض بسرعةٍ كبيرة وخوف من القصف بين الشوارع الترابية الضيقة، التي يحدها نبتة الصبر، حتى وصلت بيتنا".
وبّينت أنهم لم يتأقلموا كثيرًا مع حياة المخيم شمال القطاع، وسرعان ما نزحوا لمخيم رفح جنوب القطاع، وكنا نعتقد بأننا عائدون لبلدنا ولن تطول المحنة كثيرًا، وستنسحب إسرائيل وسينتصر الجيش العربي، لكن للأسف حدث عكس ذلك، وأغمضوا أعيننا بعدما جاءت المنظمات الدولية "وكالة الغوث"ن ووزعت المساعدات علينا.
أفراح الماضي والحاضر...
وقاطعت أحد النسوة المُسنة أبو سليمة لتسألها عن الأفراح الفلسطينية القديمة، فتقول "كان والد العريش وأهله يأتون ليطلبوا يد العروسة، دون أن يسمح لهم أو للعريس برؤيتها، فإذا كان للعروس ابن عم فهو أبدى بالعروس، وإن لم يكن، يتفق والد العروس والعريس ويقرأن الفاتحة، بعد أخذ مشورة العروسة التي تحترم رأي أهلها ولا ترفض قط".
وتضيف "لا يرى العريس العروس لأنها تكون من حاشيته ومن بنات قريته، فيعجب بها ويطلبها بمجرد رؤيتها بالشارع أو بالقرب من بيتها، وقبل يوم الزفاف بعمل حفل يعرف بالسامر لمدة أسبوع ودبكة شعبية، والنساء حفل مماثل لوحدهن".
وتستطرد "وبيوم الفرح نجلب ما تعرف بـ المشاطة الكوافير اليوم، لتجهز العروس ونضع تاج من الذهب على رأسها وعقد من زهر الليمون، ومن ثم تخرج بلباس الزفاف - الثوب الفلسطيني- مغطاة بثوب والدها، وتصعد للفرس، ويقوده العريس ووالدها من يمينه وإخوانها من اليسار، والأقرباء من خلفهم، وتذبح الذبائح بيوم الفرح ويجتمع كافة أهل القرية".
وتواصل أبو سليمة _التي غّص وجهها بتجاعيد الكبر_"توزع الحلوى والمكسرات، من فستق ولوز وغيره على الحاضرين، كما يذهب ذوو العروس لبيتها بعد أسبوع لزيارتها وأخذ ما يلزمها، ويوزعون الحلوى"، لكن اليوم اختلفت تمامًا الأفراح، فالبنت تشترط الفرح بصالة، كما أنها تتزوج عن طريق الحب وهذا ما يخالف عاداتنا وتقاليدنا..".
تسمك بالأرض...
وتشدد "لو أعطوني مال وذهب الدنيا مقابل حفنة من تراب بلادي لنّ أقبل بالذهب والمال، فسأتمسك بوطني وبلدي، وهذا ما أجمعت عليه نسوة الماضي والحاضر بما فيهم المُسنة وضحه عوض الله بالعقد السابع من عمرها، من بلدة يبنا وسكان مخيم يبنا حاليًا برفح، والتي نشطت ذاكرة الحاضرين بما حدث ببلدهم بالهجرة".
وتقول "والله ما بننسى التوت والخوخ والتين والبرتقال والزيتون والعنب والتفاح، ولا الأيام الجميلة التي قضيناها سويتًا بجوار بعضنا البعض، إلا أن الاحتلال هجرنا منها، ولم يكتفي بتهجيرنا بل إقتلع الشجر والحجر وقتل أبنائنا، ورّمل نسائنا وأطفالنا..".
وتشير إلى أنّ غالبية القرى والبلدات نزحت لبلدتنا، خصوصًا من قرية بشيت التي حدث بها معارك، فحاول ثوار البلدة الاستعانة بمصر لجلب السلاح، لكن لم تعطهم، فنزحنا جميعًا تحت وطأة الخوف والقصف المكثف لبلدة أسدود، ومكثنا شهرين، وكان القصف متواصل، ونزحنا للمجدل ولحق بنا القصف، إلى أن هربنا لغزة.
وتوضح عوض الله _التي انهمرت دموعها وهي تتحدث بصوتٍ عال_إلى أنها "سكنت مخيم جباليا ومن ثم النصيرات ومن ثم رفح، وخلال تلك الفترة تجرعنا الأمرين والجوع والعطش والخوف والملاحقة من قبل المحتل، عدا عن برد الشتاء وحر الصيف لأننا كنا نقطن بخيام".
تثقيف وتوعية...
بدورها، أشادت الشابة هبة أبو عرمانة"24عامًا" من قرية وادي حنين في مقابلة مع وكالة قدس نت للأنباء، بحديث نسوة الماضي لما حملته من معاني ومعلومات كثيرة، "أحيت بداخلنا ووجداننا الماضي، وأحيت حب الوطن بداخلنا، وعرفتنا على عاداتنا وتقاليدنا، وما فعله الاحتلال بأرضنا من قتل وتخريب، عدا عن تعرفنا على طبيعة حياة أجدادنا وطبيعة العلاقة بين الناس."
وتؤكد أبو عرمانة أنّ "جيلنا ينقصه الكثير من المعلومات التي تحدثت بها كبيرات السن، لأن اهتمامات شباب اليوم بأشياء ثانوية، وبالتالي يفترض على جميع الجهات والمؤسسات تفعيل مثل هذه اللقاءات، وجمع شباب اليوم والماضي بلقاءات موحدة لتبادل المعلومات، وأشارت إلى أن العادات القديمة أفضل بكثير من الحالية.
من جانبها، تقول مديرة دائرة شئون المرأة بوزارة الشباب والرياضة خولة أبو ريدة "لم ننسى بيوتنا ولا قُرانا ولا مدننا رغم مرور 64عامًا، ولا حتى الأيام الجميلة التي عشناها وعاشها أجدادنا وآبائنا، وشددت "مهما طال الزمان ومرت السنين فلن ننسى وطننا، فمسيرة النضال والعودة مستمرة حتى التحرير".
وتضيف "صحيح أن حق العودة لربما لنّ يتحقق سريعًا، لكننا على ثقة بالله عز وجل سنعود حتى لو في زمان أولادنا"، منوهة إلى أنّ هذه الفعالية تأتي ضمن سلسة فعاليات وندوات تُقيمها دائرة المرأة بمحافظات قطاع غزة لإحياء ذكرى النكبة الـ 64 التي تصادف اليوم 15مايو/ أيار.
عدسة: عبد الرحيم الخطيب