وراء كل نكبة ناكبٌ، ولكل نكبة منكوبٌ، وبين الناكب والمنكوب علاقة ثأرية لا يمكن تجاوزها، وبينهما تصفية حساب لا تنتهي، فإذا كان الناكب قد مارس أقسى أنواع القتل والذبح والتشريد بحق المنكوب، فإنه بذلك يكون قد استوفى مقومات الاستنهاض التي لم تبق للمنكوب طريقاً إلا أن يقاوم الناكب عسكرياً إن استطاع لذلك سبيلاً، وإن لم يستطع، فعلية أن يبصق في وجه الناكب، فإن لم يستطع، فعلية أن يلعن الناكب صباح مساء، ويكظم غيظه حتى تأتيه اللحظة المواتية كي يتخلص من الناكب، ويمحق آثار النكبة.
ما رأيكم؟ هل هنالك شكل آخر للتعامل بين الناكب والمنكوب؟ هل يصح أن يصافح المنكوب يد الناكب، أو أن يتلقى المنكوب المساعدة من الناكب؟ هل يصح أن يمسح الناكب سكينه التي تشر دماً في كوفية المنكوب؟
اسألوا قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله، اسألوهم: ماذا تسمون الاغتصاب الإسرائيلي للأرض الفلسطينية سنة 1948؟ هل تسمونه نكبة؟ وإذا صح ذلك، وكان جوابكم: نعم؛ إنها نكبة، وقد أحييتم ذكري النكبة قبل أيام؟ فإن السؤال التالي: طالما كانت نكبة، فما معنى اعترافكم بإسرائيل، وأنتم تعرفون أن إزالة آثار النكبة لا يتحقق إلا إذا تمت إزالة إسرائيل عن الوجود، وتم محقها عن الخريطة السياسية! فكيف يصير إحياءكم لذكرى النكبة في الوقت نفسه الذي تعترفون بإسرائيل، وتتبادلون مع قيادتها الرسائل، وتحلمون بالمفاوضات معها، وتتبادلون مع أجهزة مخابراتها أركان التنسيق الأمني الأربعة.
ربما يتساءل القارئ: ما علاقة كل ما سبق بعنوان المقال: لا تقلقوا على الرواتب؟!
لقد أجاب الدكتور نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح على السؤال، حين تحدث عن الأزمة المالية التي تعصف بالسلطة الفلسطينية، فقال لوكالة معا: لا أرى أنها خطيرة لأن الإدارة الأمريكية تستغل الأزمة المالية ككرباج ضدنا، ولتخويفنا، ورغم ذلك فإنها ستدفع لنا في النهاية الأموال!.
من كلام المسئول الفلسطيني ندرك عمق الرابط بين النكبة والراتب، وهذه حقيقة يعيها المسئولون الفلسطينيون؛ الذين يثقون أن الرواتب لن تتأخر إلا قليلاً، والأزمة المالية مفتعلة، تستغلها أمريكا وإسرائيل للضغط على الأسر الفقيرة التي تنتظر راتب آخر الشهر، بعد أن نجحت السلطة في ربط معاشهم الشهري بالقضية السياسية، حتى صار تنفيذ السلطة لكل الأوامر الصادرة من الناكب واجباً وطنياً، طالما صار صرف الرواتب مقروناً بهدوء المنكوب، وتقبله ممارسات الناكب القبيحة دون رفسٍ أو رفثٍ أو رفض.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت