حروب الجزيرة

بقلم: أكرم أبو عمرو


وعودة إلى حديث الحرب ، حيث تشهد منطقتنا العربية حروبا وصراعات على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وربما يقف الصراع العربي الفلسطيني مع إسرائيل على رأس هذه الصراعات والحروب ، حيث الاعتداءات الإسرائيلية العسكرية المتواصلة على شعبنا وما يرافقها من نهب وسلب للأراضي وتوسيع الاستيطان من جهة وغارات المستوطنين والحواجز والحصار من جهة أخرى ، أما في باقي الوطن العربي فحدث ولا حرج حيث شهدت العديد من البلاد العربية صراعات داخلية في سوريا ومصر وليبيا واليمن وتونس والبحرين ، صراعات ما زال البعض منها دائرا ، والهدف إحداث تغييرا جوهريا في حياة شعوب هذه الدول ، وفوق كل هذه الصراعات هناك تهديدات واحتمالات بنشوب حروب طاحنة لا يعرف مداها إلا الله سبحانه وتعالى .

ومع كل هذه الصراعات والحروب نجد أنفسنا أما حرب من نوع آخر ، إنها حرب الإعلام التي لم تهدأ منذ فترة ، حرب تقودها قناة الجزيرة القطرية ، هذه القناة التي رحب بها الملايين من أبناء الأمة العربية منذ الأسبوع الأول من بثها ، لأنها رأت فيها كسرا للحصار الإعلامي الحكومي العربي واحتكاراته ، كان انطلاق قناة الجزيرة إيذانا بانبلاج فجر جديد لحرية الكلمة وحرية الرأي في وقت بدأت فيه الآفاق بالانفتاح ، وأصبحت الأنظمة غير قادرة على حجب هذا الكم الهائل من المعلومات الذي يتدفق في كل بيت قادما من الفضاء ، كان الذي يشاهد قناة الجزيرة يتنقل من برنامج إلى برنامج من الأخبار إلى التحليل إلى الأفلام الوثائقية ، والنقل المباشر للأحداث من كل مكان ، بل أصبحت قناة الجزيرة مرجعا ومصدرا لكل خبر من الأخبار .

في الفترة الأخيرة ربما منذ بضع سنوات بدأت قناة الجزيرة بالانعطاف عن مسارها الذي عرفناه ، وبدت لنا أنها تنتهج نهجا جديدا وسياسة جديدة ، وبدت وكأنها تكيل الكيل بمكيالين لان لها موازينها الخاصة ، واذكر هنا مثالا فقط ، عندما تناولت القناة مسالة تأجيل تصويت المجلس العالمي لحقوق الإنسان على تقرير جولدستون أقامت الجزيرة الدنيا ولم تقعدها بسبب ما اعتبرته خطأ فادحا في حق فلسطين وقضيتها ، وبعد أسابيع وبعد أن تم التصويت عل التقرير ، مرت عليه مرورا سريعا وكأنه خبرا عاديا لا يستحق أكثر من بضع سطور وينتهي ، بعد ذلك بدأت في شن حرب الويكيليكس على السلطة الفلسطينية والقيادات الفلسطينية ، ونحمد الله أن هذه الحرب انتهت بسرعة بسبب فتح جبهات جديدة لحروب جديدة وجدت الجزيرة فيها بحرا كبيرا يمكن السباحة فيه ، وترحيبي بانتهاء حرب الويكيليكس هذه ليس رغبة في البعد عن الأخطاء والفضائح فمعرفة الحقائق مهمة لنا جميعا ويكفينا من سنوات التضليل ، ولكن فلسطينيا ما أحوجنا في هذه الظروف إلى وضع المشاكل جانبا ، لأننا ما زلنا تحت الاحتلال ، وما زلنا بحاجة إلى التماسك والتوحد لمواجهة عدونا بعيدا عن المناكفة أيا كان نوعها ومصدرها .

أنهت قناة الجزيرة حربها هذه لتتفرغ لنقل أخبار الربيع العربي الذي بدأت رياحه تهب من الغرب من تونس لتنتقل إلى مصر ثم ليبيا واليمن ، وما زالت مستمرة في سوريا .

عندما تشاهد قناة الجزيرة هذه الأيام تجد شغلها الشاغل الأوضاع السورية حيث المساحات الطويلة من ساعات برامجها مخصصة لهذا الموضوع وقلما تجد خبرا يتصل بمنطقة عربية وما أكثرها من أخبار ، في فلسطين ، في السودان ، حتى في ليبيا واليمن ، لم نعد نستمع أو نشاهد ما يجري في هذه البلدان على قناة الجزيرة ، والغريب إن اهتمامها الكبير بالشأن السوري ليس اهتماما متوازنا بل هو اهتماما متحيزا بكل وضوح لطرف دون آخر بما يتنافي والإعلام الصحيح .

نحن لا نتدخل في شئون قناة الجزيرة ، فلها سياستها ومنهجها ولكننا كمواطنين عرب من مختلف المستويات ومن مبدأ حرية الرأي والتعبير التي كفلته كل القوانين والدساتير في العالم ، نتطلع إلى منبر إعلامي عربي حقيقي يحمل هموم الوطن والمواطن العربي في كل مكان ، لا إعلام اقل ما يقال عنه انه إعلام تحريضي سياسي ، إعلام هادم لا يسعى إلى استقرار الشعوب وأمنها ، كلنا أمل في عودة الجزيرة إلى سابق عهدها في إعلام عربي ينافس ويتحدى الإعلام الغربي المعادي لامتنا ، إعلام يعمل على ترابط شعوبنا وتقاربها ، ما أحوجنا إلى إعلام صادق ومتوازن ، إعلام يخدم قضايانا السياسية المركزية ، وقضايا التنمية في عالمنا العربي ، إعلام بعيد عن المصالح الفئوية والإقليمية ، إعلام يسهم في تحييد النفط والدولار في تقرير مصائرنا .

كم نتمنى من قناة الجزيرة إنهاء حروبها التي جعلت من الجزيرة صحراء قاحلة ، لكي تتحول إلى واحة عربية خضراء تنشر الأمل والسلام في ربوع الأوطان .

أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
21/5/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت