يتمثل السبب العائق الذي سيبقى كالنار تحت الرماد، إن لم تحسم أمر المصالحة الوطنية الفلسطينية بين كبرى الفصائل "فتح وحماس" والتي يختلفون عليها كل حسب تصوراته ووجهات نظره.
عانت الجماهير الفلسطينية ربما اكثر من غيرها ودفعت ضريبة باهضة جراء غياب لغة الحوار والتفاهم، وهيمنة منطق القهر والقوة والإستبداد والإقصاء والتهميش لعدة عقود من الزمن. فالحوار الهاديء والبناء، يعد أحد ابرز الوسائل العملية والواقعية الحضارية لمعالجة وحل مشاكلنا وأزماتنا الوطنية للوصول بقضيتنا السامية إلى بر الأمان.
إنّ الجماهير الفلسطينية بقواها الفكرية والسياسية والأكاديمية والتي عبرت وتعبر بإستمرار سرا وعلناً عن حالة الرفض والإدانة لإستمرار مسلسل التسقيط السياسي ومنهج الهروب إلى الأمام الذي إنتهجته بعض القوى والتكتلات، كما رفضت منهج صناعة وتصدير الأزمات، فهي في نفس الوقت تعول كثيراً على اللقاءات الوطنية الذي يراد لها إنهاء حالة الأزمة الحالية المتمثلة بالإنقسام بين رحي الشعب، وتأمل أن تشارك جميع الفصائل بفاعلية، فلا لغة تعلو على لغة الحوار كأساس لكل الحلّول.
إن عقد المصالحة الوطنية في الظرف الحالي هو أمر ملح ومهم، فالمصادمات بين هذا وذاك وإلقاء التهم كل على الأخر هو إعلان حرب، وهي ليست من مصلحة أي طرف لأنها تؤدي بالتالي إلى إتساع رقعت الخلافات، وإلى أحداث شرخ كبير في الجسد الفلسطيني الذي مازال ينزف دماء من جراء التناحرات والإحتدامات والصراعات بين الأطراف السياسية الفلسطينية.
إن إستمرار هذه الصراعات، تقود الوطن إلى دخول أطرافا سياسية وإجتماعية في متاهات الإنتقام، والأخذ بالثأر أشبه بما يحدث عندما يأكل القوي الضعيف لكن هنا تختلف هذه الأمور، فتارة تعلو أصوات الحزب الواحد وتارة أخرى تعلو التعصبية والفكرية والمذهبية فوق كل الإعتبارات، فليدرك الجميع بأن هذا السلوك يؤدي بالتالي إلى إستباحة الكرامة والحرية الإنسانية .
لذلك من الأجدر بجميع ألوان الطيف السياسي الفلسطيني مد جسور الثقة والتعاون والتفاعل مع بعضها البعض ومع كافة المكونات الإجتماعية والمدنية وإجراء العمل الوطني المشترك معهم، وعدم هضم حقوقهم الشرعية والطبيعية، لأن عزل أو تهميش أو إقصاء أي طرف من العملية السياسية في المشهد السياسي الفلسطيني وهو دون شك قنبلة موقوتة وقد تنفجر ولا يحمد عقباها، فعلى الأطراف التي تعشعش في أذهانهم الروح التعصبية التحزبية، أن يقفوا مع الشعب الذي إعطاه ثقتهم وإختارهم ويلتزم بالمبادئ الوطنية ويحافظ على كيان الوطن والمواطنة فليتذكر القول المأثور (ما طار طير وإرتفع إلا وكما طار وقع)، ولتتذكروا جيدا إن من أهم الأسباب لتحقيق النصر والإزدهار والتطور والرقي للشعب والأرض والقضية يكمن في
الإيمان المطلق بعدالة قضيتكم. والثقة التامة بالقيادة العليا الفلسطينية وبقراراتها وبرامجها. وإلتفاف الجماهير الفلسطينية حول نفسها ومساندة قادتها وحمايه مؤسساتها من التخريب والإشاعات والفتن. وإعتبار القضية الوطنية الفلسطينية المحطة المركزية الأولى في أجندة كل فرد من أفراد المجتمع.
وإنطلاقا من هذه الأسباب فلابد من توفر أسباب أخرى لتدعيمها والثقة بها كإعادة النظر دوما في الهيكل الحكومي والتنظيمي والمؤسساتي الفلسطيني. ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. والإصلاح الإداري المستمر في البنية الداخلية والخارجية (وخصوصا السفارات والدوائر الدبلوماسية ومؤسسات العمل الأهلي والوزرات التي تتعامل مباشرة مع المواطنيين). وترسيخ مفهوم العدالة النسبية. والمحاسبة المستمرة وملاحقة الفاسدين والمرتشين والأفاقين المنافقين. وإشاعة مفهوم العمل المشترك. وصياغة القوانين وتطبيقها بالعدل. ووضع كافة القوى والمؤسسات والدوائر وكذلك الأفراد تحت السيطرة.
ومما لا شك فيه أن مدى ما يمسك به من إستحقاقات في الأرض والإستقلال، في تحرير الإنسان والأرض والبحر والفضاء، هو الأساس لميزان القوة المضافة إلى قوة الروح الفلسطينية.
ومما لا شك فيه أيضا أن الجانب الآخر لميزان القوة الفلسطينية هو مدى ما يرتب ويشحن فيه عناصر القوة الذاتية، فإن تنظيم وإستنهاض القوى الذاتية هو أمر في غاية الأهمية لكي ينطبق الذاتي مع الموضوعي في لحظة واحدة ويتحقق حينها النصر المبين، في بناء وتطوير ونماء مجتمع محلى وإقامة دولة مستقلة حديثة.
وهذا النجاح بحد ذاته هو جزء من عناصر وعوامل المعركة مع الجانب الإسرائيلي الغاشم من أجل الحرية والإستقلال، حيث إن كل مقدار من الحرية يغذي قوة المباراه الحضارية لدي الجماهير، وكذلك فإن كل مقدار من النجاح الحضاري يغذي قوة معركة الحرية.
اذا في حال تطبيق الأسس والمبادئ آنفا الذكر والعمل بها، فلن تجدوا خللا في الهياكل والبنية الوطنية والتنظيمة، بل ستجدوا مدا وتطورا ونماءا وقوة مهما كانت تحطيم إراداتكم أو القضاء على قضيتكم الوطنية، وستجدون أنفسكم أمام حقائق صنعتوها بإرادتكم وبإيمانكم، وكذلك بعملكم المتواصل الدؤوب والمستمر.
ناشط ومفوض سياسي
كاتب صحفي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت