رب سائل كريم يسأل، ما سر اهتمامي الكبير بمصر، وطناً وشعباً، وبانتخاباتها الرئاسية 2012، فأجيبه بأن اهتمامي بمصر وشعبها إنما يكمن من منطلق إيماني القومي العروبي، ذاك أولاً، أما ثانياً، فليقيني الراسخ أن مصر كانت قد غـُيـِّبـَت قسراً ولسنوات طوال رغم إرادة ورغبة وطموحات شعبها، فكان أن ضاع خلالها بريق عطائها القومي وخَفـَتَ دورها الإقليمي وتقلص كثيرا لينحصر تحديداً بجهود وساطة مصرية لدى الجانب الصهيوني للسماح بإمرار مساعدات إنسانية عبر معبر رفح (المصري!!) تارة، وتارة أخرى بجهود وساطة لرأب الصدع الفلسطيني كانت تميل أيام مبارك لجهة فلسطينية دون أخرى، ولأن مصر المحروسة إذا ما تعافت بإذن الله تعالى، فإن في عافيتها لعمري نفع كبير للمصريين خاصة وللعرب ودعم قضاياهم المصيرية عموما، ولكي تتعافى مصر من جديد وتنهض من كبوتها - داخلياً وعربيا وأفريقيا ودوليا- وتستفيق من سباتها القسري الذي طال كثيرا، فإنه لزام أن يقودها للمرحلة القادمة رئيس ذو تاريخ نضالي مشرف يحمل الهمّ الوطني المصري جنباً إلى جنب مع الهَمِّ القومي العربي، وإنني والله وتالله وبالله لا أرى بالسيد عمرو موسى مواصفات من ذكرت آنفاً!!... والله على ما أقول شهيد!!.
لقد استفاق السيد عمرو موسى فجأة من سباته الطويل، وما مارسه من مداهنة حثيثة مستمرة لنظام مبارك المخلوع، ليجد نفسه في خريف عمره في حُمّى السباق للفوز برئاسة مصر، فإذا به يعلن أنه صاحب مشروع تنموي استنهاضي لقدرات شعب مصر الذي غُيِّبَ طويلاً، وليدوي صوته من على المنابر وخلال المناظرات والدعايات الانتخابية أنه قد جاء لينتشل مصر من كبوتها ويعيد لها توازنها!!، وإني لأتساءل، أيعقل أن تكون فكرة إصلاح شأن أمة ونهضتها بنت ساعتها، لأمة مرت بحقبة زمنية طويلة امتلأت بالفساد والجور والظلم والتعسف!؟، أم أنها إرهاصات فكرية اختمرت طويلاً كان صاحبها يصارع الظروف من أجل تنفيذها وقطف ثمارها!، وإزاء تلك المقدمة العصماء التي قدمتها آنفاً، أعود لأكمل تسااؤلي عن إصلاح الأمة إن كانت بنت ساعتها فأقول، فما الذي قدمه عمرو موسى لأبناء شعبه المصري طيلة فترة حكم مبارك حتى نتفاءل بإمكانية استنهاضه لشعبه وإطلاق طاقاته، في وقت كان قد مارس الصمت المطبق آنذاك حيال الجرائم التي حدثت لأبناء شعبه!!.
لقد عاش السيد عمرو موسى في كنف اللامبارك حسني منذ 1981 وحتى الإطاحة بالأخير غير مأسوف عليه، متنقلاً خلال تلك الفترة الطويلة من الزمن بوظائف حساسة مثــّل فيها مصر دبلوماسياً حتى انتقاله أمينا عاماً لجامعة "الفشل" العربية منذ عام 1991 حتى لحظة سقوط اللامبارك، فما عهدناه قد مارس يوماً نقداً بناءً لنظام مصر ورئيسها برغم ما لحق مصر من تقزم دور واستشراء فساد أزكم الأنوف وزاد فيها متنفذو النظام المصري سطوة وجاها ومالا، فيما عانى السواد الأعظم من المصريين من شظف العيش والبؤس والحرمان، وارتأى صاحبنا "عمرو موسى" أن يكون شاهد زور على تلك الحقبة الزمنية العفنة، فلم ينبس خلالها ببنت شفه، وفضل الجلوس في مكتبه الفاخر متنقلاً من منصب لآخر حتى لحظة اقتلاع جذور اللامبارك ونظامه من تراب مصر الطاهرة، لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ "عمرو موسى" السياسي هذا!!.
وكي لا نتهم بأننا نلقي التهم جزافاً والكلام على عواهنه بحق عمرو موسى وماضيه، دعونا نستذكر معاً محطات من رحلته الدبلوماسية الطويلة التي امتدت لعقود ثلاث من عهد ا"للامبارك"، متنقلاً بين مؤسسات لنظام المصري وبين أروقة جامعة دولنا العربية أميناً عاماً لها، لنتلمس طبيعة دوره وخنوعه لنظام مبارك سواء على نطاق مصر أو العالم العربي، لنعرف جدية ما يطرحه اليوم من مشروع للنهوض بمصر الآن في حمى السباق الحثيث نحو رئاسة مصر:
أولاً ... الشأن المصري:
إن أقل ما يستحقه الرجل من وصف، أنه كان رجلاً كيـِّس الخلق لم يغضب يوماً الرئيس مبارك أو يسبب له إزعاجاً، حيث أظهر له طاعته وانصياعه، فما تجشم يوماً عناء الخروج ولو بتصريح صحفي من مكتبه حين كان سفيرا لمصر هنا أو هناك، أو وزيرا لخارجية مصر المحروسة لعشر سنوات، ولم يبد استياءه لما يجري في مصر أيام مبارك، أو يطالب فيه الرئيس المخلوع صراحة بالاهتمام بأبناء شعبه ورعاية مصالحهم وشئون حياتهم ورفع الغبن عنهم، كما آثر الصمت كأبي الهول وعزل نفسه في شرنقة معزولة عن هموم السواد الأعظم من أبناء شعبه الذي أكلهم الجوع والعري والفساد السياسي والمالي، حتى رحيل مبارك بفعل ثورة عظيمة هزت عرشه ونظامه، فأبدى استعداده الكامل للترشح للرئاسة المصرية، ومعلنا أنه قد أعد برنامجاً انتخابيا يهتم بنهضة مصر ورفاهية شعبها!!؟، متناسياً صمته المطبق أيام سطوة مبارك وفرعنته، ومتجاهلاً رفضه التام انتقاد فساد ذاك النظام ولو تلميحاً، بل على العكس من ذلك تماماً حين أشاد بمبارك يوماً بتصريحه لصحيفة الشروق المصرية بتاريخ 14 نوفمبر 2009 حيث قال وأقتبس نصاً: "أرى أن الرئيس مبارك حقق لمصر استقرارًا، وأعاد مصر إلى إطارها العربي وحرك الاقتصاد ولاشك بصورة كبيرة."!!.
لقد آثر السيد عمرو موسى أن يحظى برعاية ومحبة مبارك طيلة فترة حكمه، وارتأى أن يسير "جنب الحيط" فلا يعكر صفو رئيسه ومزاجه العام، ولازال تصريحه المنشور في صحيفة "المصري اليوم" بتاريخ 23/12/2009 وإجابته عن سؤال حول اعتزامه الترشح للانتخابات قائلاً: "السؤال هو: هل هذا ممكن؟ والإجابة هي أن الطريق مغلق"!!، مشيراً إلى أن "المسألة لا تتعلق فحسب بشخص المرشح أو شخصيته، وإنما بفحوى ما سيطرحه هذا المرشح ومضمونه ومشروعه بالنسبة لمستقبل مصر."، فإذا بذاك "الطريق المغلق!!" الذي كان قد أشار إليه عمرو موسى بتصريحه بعد رحيل مبارك يُفـْتـَح فجأة على مصراعيه ويصبح ممهدا سالكاً، من خلال إعلانه عن ترشحه للرئاسة، منخرطاً منهمكاً في حملة دعايته المحمومة، مبشراً ببرنامجه الخاص بنهضة مصر التي ساهم بسباتها وتقوقعها من خلال صمته!!!.
لنتساءل...
1- كيف يستقيم ما أعلن عنه عمرو موسى من مشروع نهضوي لمصر، وما كان قد أعلنه من إنجازات الرئيس المصري المخلوع مبارك آنذاك في مقابلة صحفية له بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، منشورة في CNN العربية نقلاً عن صحيفة الشروق المصرية قائلا وأقتبس نصاً "أرى أن الرئيس مبارك حقق لمصر استقرارًا، وأعاد مصر إلى إطارها العربي وحرك الاقتصاد ولاشك بصورة كبيرة."!!.
2- ربما كان عمرو موسى في زحمة انشغاله بحملته الرئاسية قد نسي أنه قد أعلن بأن اللامبارك المخلوع هو أنسب من يقود مصر في مرحلة حصار غزة وإقامة الجدار الفولاذي الذي جاء لخدمة الكيان الصهيوني وأهدافه!!، ثم كيف يدعو عمرو موسى لنهضة مصر في وقت كان مبارك قد حقق الشيء الكثير لمصر حسب تصريحه أعلاه!؟.
3- ألا يعد تجاهل عمرو موسى دعوة وجهت إليه كي يترشح للرئاسة أيام حكم مبارك بمثابة إذعان منه للرئيس السابق وحرصا منه على عدم التصادم معه!؟.
4- موقفان متناقضان لعمرو موسى، حين ارتضى لنفسه الصمت أيام مبارك، فلم يطالب بإجراء أي تعديلات وإصلاحات سياسية واقتصادية برغم طول الفترة الزمنية التي جمعتهما في المشهد السياسي المصري، فيما نجده وقد خرج من صمته بعد رحيل مبارك وقرر الترشح للرئاسة المصرية بعد نجاح الثورة في 25 يناير، ثم مطالبته المجلس العسكري المصري الحاكم بضرورة إنهاء الفترة الانتقالية لحكم المجلس العسكري الأعلى في أسرع وقت، لما فيه من ضرر كبير على استقرار مصر وأوضاعها الاقتصادية.!!، فأي تناقض هذا!؟.
ثانياً ... عربياً وأفريقياً ودولياً:
لقد كان من الممكن لرجل في منصب السيد عمرو موسى أن يخدم شعبه المصري أولاً، وأمته العربية ثانياً بوسائل شتى وطرق عدة لعل أقلها تأثيرا على الإطلاق، كلمة حق في وجه حاكم مصري جائر، بل حكام عرب متواطئين ضد أبناء شعوبهم، لكننا رأيناه وقد آثر الخنوع والتزام الصمت، فكان بصمته وسكوته ذاك وكأنه يخدم من كان يدفع له راتبه الكبير!!.
كان عمرو موسى يرى بأم عينيه العجز العربي الكبير وهو يستفحل فى أقبح صوره، في وقت لم يحرك ساكناً من أجل معالجة ذلك التدهور والعجز بشكل يحفظ للأمة العربية كرامتها وشرفها، واكتفى بعبارات الأمل المنشود للجامعة العربية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، برغم ما أصابنا من نكبات وويلات احتلت فيها بلدان عربية، ومزقت أخرى، وحوصرت واجتيحت غيرها، فكان بحق أن توصف جامعة الدول العربية بعبارة "جامعة الفشل العربية"!!.
لقد ساهم السيد عمرو موسى طيلة فترة استيزاره، وقيادته لجامعة "الفشل" العربية على تقزيم دور مصر العروبي والأفريقي والدولي، سواء بالتواطؤ والتشارك مع نظام مبارك المخلوع، أو من خلال صمته على مجريات الأحداث، ولم يحقق أية إنجازات على المستوى الداخلي المصري أثناء استيزاره أو الخارجي (العربي) خلال فترة تواجده بالجامعة العربية، إلا اللهم تغييره لديكورات وجمالية مبنى الجامعة ورفاهية منتسبيها ومرتاديها!!.
وليس بالغريب أن نجد ترحيبا صهيونياً بترشح عمرو موسى، حيث أبدت سائل الإعلام العبرية عن اغتباطها وراحتها الكبيرة لوجود عمرو موسى ضمن مرشحي الرئاسة المصرية، حيث نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية تقريراً مفصلاً عن المرشح عمرو موسى، البالغ من العمر 76 عاماً، تناولت فيه سيرته الذاتية منذ تخرجه من كلية الحقوق جامعة القاهرة في عام 1958، وبداية التحاقه بالسلك الدبلوماسي المصري، وأضافت الصحيفة في تقريرها الذي حمل عنوان "مَنْ الأفضل لليهود من بين 13 مرشحاً للرئاسة؟" والذي كتبه " البروفسير يورام ميتال" أستاذ العلوم السياسية والمصريات بجامعة بن غوريون، فوصف موسى بأنه من أنسب المرشحين لتولى رئاسة مصر؛ لكونه من المعتدلين، وأن من ضمن برنامجه الانتخابي هو الحفاظ على معاهدة السلام المصرية– الإسرائيلية دون التفريط فيها، بالإضافة إلى الحفاظ على العلاقات المصرية– الأمريكية، والمضي قدما نحو إيجاد حلول للصراع العربي– الإسرائيلي وللقضية الفلسطينية، وأنه يعد من أكثر المرشحين اتزاناً في خطابه الانتخابي، تجاه (إسرائيل)، حيث إنه لا يستخدم كلمة "عدو"، أو أي مرادف لها!!.
نقول لعمرو موسى، الدبلوماسي المصري المخضرم، والمرشح لرئاسة (أم الدنيا) مصر المحروسة، هنيئا لك الإشادة والإطراء من منتهك سيادة مصر في سيناء!!!، ونزيد من الشعر بيتاً، فنقول بأنه ليس بالأمر العجيب أن يعلن الإعلام العبري ترحيبه بعمرو موسى مرشحاً رئاسياً إذا ما تذكرنا المشاهد التالية:
1- ملابسات حصار مليون ونصف عربي فلسطيني في غزة مازالت ماثلة للأذهان، واجتياحها لها وممارستها المذابح الشنعاء بحق أبنائها ونسائها وأطفالها، في وقت اكتفى فيه أمين عام "جامعة الدول العربية" بالصمت تارة، وتارة أخرى بالشجب والاستنكار أمام وسائل الإعلام، ولم نلمس منه موقفا محددا واضحا، لعل أدناه تأثيرا سيكون تقديمه الاستقالة من منصبه كأمين عام لـ"جامعة الشلل العربية" ما لم تتخذ الأنظمة العربية موقفا صارماً شجاعاً بنصرة أبناء غزة!!؟.
2- في ظل إحجامه عن بذل جهود فاعلة ومؤثرة من أجل فك حصار غزة، ورفضه للتحرك ببرنامج مدروس وفاعل في المحافل الدولية لتبني موقف لدعم حق شعب فلسطين في مقاومة الاحتلال بكل السبل والوسائل المتاحة، وعدم تصديه الفاعل لممارسات العدو الصهيوني بعملية تهويد القدس وتهجير سكانها وإقامة المستوطنات على أرض الضفة الغربية!!.
3- لا أزال أذكر وقائع مؤتمر دافوس، يوم انسحاب رجب طيب اردوغان من قاعة النقاش متضامنا مع شعب فلسطين في غزة، إثر اتهام رئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز غزة وحماس بالإرهاب والقتل، فوقف عمرو موسى مهزوزاً مشدوها، يقدم خطوة ويؤخر أخرى، لا يعرف ما يفعل إزاء ردة فعل رجب طيب أردوغان، فإذا بإشارة بسيطة من كف يد بان كي مون ينصاع لها أمين جامعتنا العربية فيجلس صاغراً زائغ البصر لا يدري ما يفعل!!.
مسك الختام ومربط الفرس وزبدة الموضوع...
عمرو موسى ... أحب أن يدخل كتاب غينيس للأرقام القياسية في المناصب التي تبوأها، فأراد أن يختم حياته بحمله لقب "سيادة رئيس دولة مصر" بعد أن كان وزيراً لخارجيتها ثم أمينا عاماً لجامعة الدول العربية، اكتفى خلالها بالصمت المطبق تارة وبالشجب والاستنكار تارة أخرى، للتعبير عن مواقف وطنية وقومية، وأنه بعمله ذاك كان قد أمسك العصا من منتصفها يديرها ساعة يشاء للجهة التي فيها الرياح والقوة، وفقاً لأهوائه ومصالحه، في وقت كان بمستطاعه دخول التاريخ من أوسع أبوابه إذا ما أسرع بتقديم استقالته من مناصبه التي تدر له دخلاً دولاريا محترما ... وجاهاً!!.
اللهم يا مالك الملك، تعطي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، افتح بصائر أهلنا في مصر ليختاروا أقوى المرشحين إيماناً وأصلحهم وأكثرهم صدقاً، لينهض بهم من كبوتهم، وليكونوا عوناً لأشقائهم العرب في تحقيق أمان وأحلام مضيعة!!.
اللهم آمين.
سماك العبوشي
22/ 5 / 2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت