الانتخابات المصرية..مفاجئات في مشهد سياسي معقد

بقلم: راسم عبيدات


.... انتهت الجولة الأولى من الانتخابات المصرية،لكي تكشف عن الكثير من التطورات والمفاجأت،والتي سيتوقف عليها مستقبل مصر لجهة استعادةهيبتها وكرامتها ودورها القومي والعروبي ممثلة بالمرشح القومي والناصري حمدين الصباحي،أو لجهة إعادة انتاج النظام السابق لذاته وأحكام سيطرته على الدولة ممثلاً بمرشحه احمد شفيق،أو لجهة تحويل مصر الى دولة دينية مغرقة بالتطرف أو ما سنطلق عليه "الفاشية الدينية" ممثلة بمرشح التيارالديني الاخونجي محمد مرسي.

وهنا لا بد لنا من القول ان هذه الانتخابات كشفت بشكل ملموس على أن حركة الاخوان المسلمين انكشف دورها مبكراً في مصر من خلال سيطرتها على البرلمان حيث عدم المصداقية والكذب في في أكثر من موقف وحالة والأداء المتواضع والتنكر للشعارات المرفوعة واتضاح وانكشاف عقيلتها الاقصائية والاستعلائية،وسقوط شعارات المقاومة وإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد،وهذا دفع بالجماهير ان تدير لها الظهر ولكي تفقد اكثر من نصف رصيدها واصواتها الانتخابية التي حصدتها في الانتخابات البرلمانية وتراجعت بشكل مذهل حتى في معاقلها الأساسية،رغم أنها من أعرق وأقدم الحركات السياسية في مصر،ولها من القوة التنظيمية وضخامة الامكانيات المالية والاعلامية الشيء الكثير،ناهيك عن لعبها على المشاعر والعواطف والقدرة على خداع وتضليل الجماهير عبر توظيف الدين واستغلاله لخدمة اجنداتها ومواقفها وسياساتها،وما حصل في الانتخابات البرلمانية وما اعقبها من انكشاف لدور الاخوان ووجود رغبة جامحة لديهم بالسيطرة على كل مفاصل الدولة،دفع الى بروز قوة انتخابية جديدة تتسلح بالخوف من خطر الفاشية الدينية على مدنية المجتمع،ولكن لا تمتلك رؤيا او برامج واضح ومحدد حول هوية مصر القادمة وطبيعة نظامها السياسي،وهذه القوة هي الاقباط الذين توزعت اصواتهم ومشاركتهم الواسعة في الانتخابات بين مرشح التيار القومي والعروبي حمدي الصباحين وبين مرشح العسكر وفلول النظام البائد احمد شفيق ،وتقديراتي بأن تصويت جزء كبير من الاقباط لاحمد شفيق نابع من خطر الفوضى وحالة عدم الاستقرار التي قد تنشأ في حال فوز الاخوان المسلمين،وهذه لم تكن بالمفاجأة الوحيدة في الانتخابات المصرية حيث ان المرشح القومي والناصري حمدي الصباحين،استطاع ان يكون منافس قوي حتى في المعاقل المحسوبة على حركة الاخوان تاريخياً، وبما يثبت ان القوى والتيارات القومية لها ارث وتراث وتاريخ في المجتمع المصري،ولكن افتقار هذا التيار الى الاطار التنظيمي وقلة الموارد والامكانيات كانت عاملاً بارزاً في عدم تقدم مرشح هذا التيار،رغم وضوح شعارات التي طرحت في برنامجه الانتخابي،وقد اعتمد برنامجه الانتخابي على ثلاث ركائز اساسية،وهي حرية يصونها النظام الديمقراطي وعدالة اجتماعية تحققها التنمية الشاملة وكرامة يحميها استقلال وطني.

ان الجولة الثانية من الانتخابات ستشهد حالة من الاصطفافات والمتغيرات،وكذلك سنشهد زيادة في نسبة المشاركة في الانتخابات، حيث ان قوى الاسلامي السياسي بمختلف تلاوينها من أقصى يمينها الى يسارها ستلتف حول مرشح الاخوان،وقد اعلن السلفيين موقفاً يدعم هذا الخيار،أما من سيجد صعوبة في حسم خياراته فهم انصار التيار القومي والناصري،حيث أنهم هم من قاد الثورة على النظام القديم وبالتالي أي دعم منهم لمرشح النظام،فهو يبدو خيانة للثورة التي قادوها وتنكر للشعارات التي رفعوها،وبالمقابل فهم ضد الدولة الدينية وكذلك فالاخوان هم معادون للقومية والناصرية اكثر من عدائهم للنظام السابق،وبالتالي من المرجح ان يواجه العلمانيون مشكلة في دعم مرشح الأخوان،حيث أنهم رفضوا ان يكون نائب الرئيس من التيار القومي فيما لو دعموا مرشحهم لانتخابات الرئاسة.

ان جولة الاعادة ستشهد حالة من الاستقطاب السياسي والطائفي،وتلك الحالة قد تدخل البلد في أجواء غير سوية وربما تنفجر الاوضاع على نحو يدفع بالبلد الى حالة من عدم الاستقرار والاحتراب الداخلي،فالنظام والعسكر لن يتخلوا عن الحكم بسهولة،فهذه معركة كسر عظم ومصالح،ستجند فيها كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة،واذا ما شعر النظام بأن الفوز في هذه الانتخابات سيكون لصالح الاخوان المسلمين،فإننا قد نكون امام انقلاب عسكري يلجأ اليه العسكر،ولنا تجربة مثالة امامنا في الانتخابات الجزائرية عام 1991،حيث تدخل العسكر من أجل منع سيطرة الاسلاميين على البرلمان والحكم،والنتيجة كانت حرب مدمرة دفع فيها الشعب الجزائري ما لا يقل عن 200 ألف قتيل وأكبر منهم جرحى،ناهيك عن ما تسببت به تلك الحرب من خسارة اقتصادية كبيرة للبلد وتراجع عالي في نسبة النمو الاقتصادي،وما يثير مثل هذه المخاوف،هو تصريح رجل الأمن القوي في النظام السابق عمر سليمان،والذي قاد المطبخ السياسي للعسكر وفلول النظام في المعركة الانتخابية الحالية،لجريدة الحياة اللندنية بأن اختيار الشعب المصري لمرشح اسلامي للرئاسة،قد يعني انقلاباً عسكرياً،وهذا التصريح بحد ذاته تهديد واضح للشعب المصري.

وثمة ملاحظة هامة تقال بالنسبة للتيار الثوري او القومي بحقه،هي غياب التنظيم والقيادة للثورة،فلا عقل قيادي ولا رأس مدبر ولا هوية فكرية واضحة او حتى استراتيجية ورؤيا سياسية،وهذه عوامل هامة في عدم تقدم من فجروا الثورة وقادوا،لكي يقطف ثمارها المتسلقون والانتهازيون من قوى الظلام والاثيوقراطية الدينية،أو قد يتمكن النظام السابق من لملمة صفوفه والعودة الى الحكم من بوابة الانتخابات،وهنا سيكون الوضع جداً خطير،حيث أن النظام سيعيد انتاج نفسه على نحو أسوء من السابق،وسيصفي حساباته مع كل الذين تمردوا عليه وقادوا الثورة ضده تحت حجة ذريعة اعادة الامن والاستقرار.

لا نستطيع القول بأن مصر لا تتغير،بل التغيير قادم،ولكن ما نأمله ان يكون تغيراً ايجابياً،تغير يقود مصر الى استعادة هيبتها وكرامتها وعزتها ودورها القيادي عربياً واقليمياً ودولياً،فمصر لها تاريخها العريق،مصر ان قامت قام العرب،وإن نامت نام العرب،مصر عبد الناصر نحن نراهن على ان تستعيد هذا الدور،من خلال حمدي الصباحين وغيره من قادة الثورة المخلصيين،فمصر التي انطلق منها محمد علي باشا في عام 1860 من أجل اقامة وحدة عربية شاملة وبناء مشروع قومي عربي،ومن بعده جاء الرئيس الراحل القائد الكبير جمال عبد الناصر ليقود هذا المشروع، المشروع الذي يشكل خطراً على القوى الاستعمارية ومصالحها في المنطقة وبالذات دولة الاحتلال الاسرائيلي،تعرض للأجهاض والتصفية على يد تلك القوى وادواتها المأجورة عربياً،نأمل أن يحقق نجاحات جدية هذا المشروع في ظل حالة الانكشاف لمشروع الحركات الدينية على المستوى العربي، ومحاولة الأنظمة البائدة أن تعيد انتاج ذاتها،والعودة للسيطرة على رقاب شعوبها ونهب خيراتها ومصادرة حرياتها وتكميم افواهها.



القدس- فلسطين

27/5/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت