يقوم السيد أندريه مارغا , وزير خارجية رومانيا في الحكومة التي شكلت هذا الشهر , بزيارة غير مسبوقة لاسرائيل , من حيث الشكل والأداء , فبرنامجه لا يشمل زيارة فلسطين , كما يفعل الساسة الأوروبيون عادة منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية , وكما فعل المسؤولون الرومان دائما , ولا تشمل الزيارة حتى اجراء أي اتصال دبلوماسي مع الطرف الفلسطيني أو العربي , لتثبيت الرؤية التقليدية المتوازنة لرومانيا , ازاء الشرق الأوسط , وهي سياسة بقيت ثابتة رغم تغير النظام السياسي في رومانيا , والزيارة غير مسبوقة في توقيتها ..فمن المفترض أن لدى وزير خارجية دولة عضو في الاتحاد الأوروبي أولويات أخرى ....ولكن يبدو أن العلاقة مع اسرائيل , تحتل لدى السيد أندريه مارغا مكانة خاصة , تميزت بها مسيرته السياسة والأكاديمية , فهو من أبرز المجتهدين في الانسياق مع دعايات الهولوكوست واظهار دور لليهود في المراحل المفصلية من تاريخ رومانيا , وتجد أطروحاته في هذا الاطار معارضات قوية من أكاديميين ومؤرخين منصفين.
حين كان السيد مارغا وزيرا للتربية والتعليم قبل أكثر من عشر سنوات , اتخذ أيضا خطوات مثيرة على صعيد العلاقة مع اسرائيل , فقد أسس ثلاثة مراكز بحث في اليهودية والتاريخ اليهودي , مازالت تستنزف الميزانية المتعثرة أصلا لنظام التعليم في رومانيا , وحين قرر تحديث المناهج المدرسية , لم يجد سوى اسرائيل لتهديه سواء السبيل , فشكل لجانا مشتركة لاعداد المناهج والكتب المدرسية ضمت " خبراء "....من اسرائيل , وهي التي تلقى مناهجها التعليمية العتصرية استنكارا واسعا في المحافل التعليمية العالمية , وكان من نتيجة أعمال هذه اللجان المشتركة , أن كرست أربع ساعات خلال السنة الدراسية للحديث عن الهولوكست مقابل ساعتين فقط للحديث عن رومانيا في يومها الوطني ....وهو أمر يواجه حتى اليوم بانتقاد شديد في الأوساط العلمية الرومانية .
يقول منتقدو السيد مارغا : ان عدد اليهود في رومانيا لايتجاوز الخمسة عشر ألفا , بينما يبلغ عدد المسلمين الرومان عشرة أضعاف هذا الرقم ...فلماذا تنفق وزارة التربية , من ميزانيتها الفقيرة , المال على مراكز أبحاث ثلاثة أنشئت في عهد السيد مارغا؟؟ولماذا لم يخصص مركز واحد للدراسات الاسلامية ؟
السيد مارغا , نال عدة أوسمة وميداليات اسرائيلية , ودعمه اللوبي اليهودي لحصد أوسمة وميداليات عالمية أخرى في كل محفل شارك فيه مدافعا عن الصهيونية وعن اسرائيل , ونال مارغا صفة مواطن شرف في بلدة اسرائيلية , تقديرا لخدماته التي أسداها لاسرائيل.
كان السيد كورلاتسيانو , رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الروماني ,والعضو المهتم بالشرق الأوسط في البرلمان الأوروبي , هو المرشح الأقوى في حكومة المعارضة التي شكلت مؤخرا ...ولكن الجناح الموالي لاسرائيل في الحزب الوطني الليبرالي أصر على تولي مارغا وزارة الخارجية , فارتكب حتى قبل أداء القسم جملة من الأخطاء التي تظهر بوضوح أنه على خصام مع الدبلوماسية , فقد أعلن أنه لن يرافق الرئيس في أية زيارة ...وشبهه بموسوليني ..وقال في حديث تلفزيوني أنه تلقى تهنئة هاتفية من ليبرمان وزير خارجية اسرائيل ...وحين أعلن ذلك لم تكن الحكومة نالت ثقة البرلمان ...
وحين ذهب في أول مهمة رسمية له الى الولايات المتحدة , لحضور اجتماع لحلف الناتو , خرج الوزير عن مهمته التي ذهب من أجلها وعقد اجتماعا مع قادة الجالية اليهودية في أمريكا ولم يبخل كعادته بكيل المديح لاسرائيل...
وزير خارجية رومانيا , الذي يزور اسرائيل اليوم , يخرج تماما عن تقاليد السياسة الخارجية الرومانية في الشرق الأوسط , ويبتعد تماما عن التوازن الذي تحرص عليه رومانيا بين الدول العربية واسرائيل , وعن مواقفها المعلنة ازاء القضية الفلسطينية , وحتى في البيان الصحفي الذي أصدرته وزارة الخارجية الرومانية بمناسبة هذه الزيارة , لم ترد أية اشارة الى مساعي السلام في الشرق الأوسط , والى دعم رومانيا للشرعية الدولية , وهي نصوص ترد عادة في كل بيان صحفي على صلة بأي طرف في الشرق الأوسط,
هذه الزيارة , تبدو مقطوعة الصلة تماما , بالجهد الدبلوماسي التاريخي لرومانيا , وتمثل انحيازا سافرا لاسرائيل , وهي بكل تأكيد لاتعبر عن اجماع روماني , بل هي ضمن الاجتهادات الاسرائيلية للوزير مارغا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت