بالأحابيل الإسرائيلية
لقد ضاق العالم ذرعاً من كثرة الاحتيالات الإسرائيلية، ومن كثرة مشاريع السلام التي تطرحها، والتي لا جدية في تنفيذ ولا واحد منها، ومن كثرة الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين الذين يطرحونها، وهذه القناعات سيطرت على أفكار شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي، وبخاصة المثقفون والمتنورون من رجال الفكر الذين يعارضون توجهات الحكومات الإسرائيلية في موضوع الجمود السياسي، والابتعاد عن التوصل لحل واقعي للمشكلة الفلسطينية، ولو عدنا قليلاً للوراء، وعملنا على توثيق الطروحات والمشاريع التي يطلقونها لحل الصراع، لوجدنا أنها سرعان ما تتبخر وتُستبدل بطروحات ومشاريع أخرى، مما يزيدنا قناعة بعدم وجود مشاريع سلام إسرائيلية حقيقية للحل، ولا حتى نوايا جدية في القواميس الإسرائيلية، فقد مضى (45) عاماً على الاحتلال والتحايل، ولكن هذا التحايل لن يستمر إلى الأبد وطيلة الوقت، فإذا كان الصليبيون والعثمانيون والإنجليز الذين حكموا هذه البلاد فترات طويلة، كان لحكمهم نهاية وهذا ينطبق على الاحتلال الإسرائيلي أيضاً، فوضع إسرائيل على جميع الجبهات سوداوي، رغم المكابرة، فهي تتخبط، وليس لها إستراتيجية سلام، ولذلك تبقى قلقة ومتوترة وغير مستقرة ومصيرها غامض.
في بحث أعده معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل-أبيب مؤخرا، جاء فيه: لقد حدث تدهور ملحوظ في وضع إسرائيل الإستراتيجي في السنوات الأخيرة، والتحديات التي تواجهها في ازدياد، في المقابل يعترف البحث، بأن زخماً دبلوماسياً عالمياً يعمل على مناصرة وتأييد الفلسطينيين، وهذا يؤدي إلى زيادة عزلة إسرائيل الدولية حسب اعتراف البحث، كذلك فإن نزع الشرعية عن إسرائيل متواصل، ومكانة إسرائيل الدولية في تراجع، وبينما كانت علاقات إسرائيل مع الفلسطينيين في مطلع التسعينات مبشرة، فإن الوضع الآن آخذ بالتدهور، ولا ثقة تذكر بين الجانبين، فإسرائيل تتصادم مع العالم، ومع العرب، ومع الفلسطينيين، وهذا حسب ما جاء في البحث المشار إليه.
إن عملية السلام-أو الحد الأدنى من التسوية- دخلت منذ مدة طويلة في غيبوبة (كوما)، بل أن وزراء ومسؤولين إسرائيليين- وللتهرب من مرجعية السلام- أخذوا يتحدثون عن حل إقليمي على حساب الفلسطينيين والأردن ومصر، ويعملون على تصدير الموضوع الفلسطيني لحله خارج الأراضي الفلسطينية، فإذا كان وزير الخارجية "افيغدور ليبرمان"، والباحث "دوري غولد"-الذي كان في الماضي ممثلاً لإسرائيل في الأمم المتحدة- يدعوان إلى توطين وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، وإقامة الدولة الفلسطينية على حساب الدول العربية، ومثل هذه الطروحات رفضها الفلسطينيون منذ عقود، فإن إسرائيل تعمل على الدفع بقطاع غزة إلى أحضان مصر، والهدف تصفية إقامة الدولة الفلسطينية،بل وتصفية القضية إجمالا،فان الانشقاق الفلسطيني، وتكريس الانقسام، وسلخ قطاع غزة عن الضفة الغربية، وهذا ما كانت تحلم به إسرائيل، سيؤدي إلى تمزيق الجغرافيا الفلسطينية، ويلبي أحلام ومخططات إسرائيل.
في هذه الدوامة، دعت مواقع إلكترونية عبرية "24/4/2012"، إلى إعادة احتلال صحراء سيناء من قبل إسرائيل، بل أن هذه المواقع عبرت عن الندم لانسحاب إسرائيل منها، وفقاً لاتفاقيات "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل، لكن هذه المواقع ذهبت إلى أبعد من ذلك، عندما ادعت أن سيناء ليست مصرية بل فلسطينية، وجزءاً من أرض "إسرائيل التاريخية"، وادعت أنه في عام 1906 حين كان الإنجليز يحكمون مصر، أجبروا العثمانيين على التخلي عن صحراء سيناء، وزعمت هذه المواقع أن صحراء سيناء تقع في آسيا وليس في مصر الإفريقية، وبالتالي يقولون بأنها امتداد جغرافي طبيعي لما يسمونه بـ "أرض إسرائيل" التي تقع غربها، وأنه لا تواجد جغرافياً بين مصر الإفريقية وسيناء الآسيوية كما يزعمون، وهذا ما يقوله الوزير "بيغن الابن" بمطالبة العرب الاعتراف بحق اليهود في "وطنهم".
هؤلاء الإسرائيليون بطروحاتهم المختلفة والمتناقضة يدفعوننا للتساؤل: إذا كانت سيناء جزءاً من أرض إسرائيل، فلماذا انسحبوا منها؟ ولماذا يدعو "ليبرمان" مصر للتنازل عن أراضٍ،حسب قناعاتهم هي لهم أصلاً، وتسليمها لقطاع غزة؟ "يديعوت 26-8-2011".
في وثيقة توثق لقاء "ليبرمان" مع السفير الأميركي في تل – أبيب، "ريتشارد جونس" في شهر كانون ثاني من عام 2007، طالب "ليبرمان بإعادة ترسيم الحدود الفلسطينية، بحيث تكون مصر شريكة في هذا التغيير، وأن تكون مصر جزءاً من الحل، عبر نقل أجزاء من سيناء إلى غزة، ووضع صيغة جديدة لحدودها في الضفة الغربية، ونقل مواطنين عرب من الداخل-وخاصة من مدينة أم الفحم- إلى الضفة الغربية، لكن ما تقوم به إسرائيل من استيطان، وسيطرة المستوطنين على 60% من أراضي الضفة الغربية، لن تُبقى أرضاً لإقامة الدولة الفلسطينية، وهذا يؤكد أن إسرائيل دولة عنصرية عرقية لا تريد المواطنين العرب، أهل البلاد، في ديارهم.
رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي "غيورا آيلاند"، وجد الحل! فاقترح توسيع قطاع غزة على حساب أرض من سيناء المصرية، فهو يعترف بأن أقصى ما يمكن لإسرائيل تقديمه للفلسطينيين، أقل مما يمكن للفلسطينيين القبول به، فهو يريد أن تتنازل مصر عن (720) كيلو متراً مربعاً من سيناء لصالح قطاع غزة، وأن هذه الأراضي المقترحة تشكل مستطيلاً ضلعه الأول (24) كيلومتراً، يمتد بطول ساحلي من رفح شمالاً حتى حدود مدينة العريش جنوباً، وأن يكون عرض الامتداد (30) كيلومتراً، يبدأ امتداده من كرم أبو سالم، وتبلغ المساحة المقتطعة من سيناء (720) كيلومتراً مربعاً، تضاف إلى مساحة قطاع غزة البالغة (360) كيلومتراً مربعاً فقط حسب "آيلاند".
إسرائيل تحاول إغراء الفلسطينيين والمصريين والأردنيين وإدخالهم في متاهات، وحل القضية على حساب العرب، غير أن الأخطاء الكثيرة في إدارة الصراع، وحتى في صياغة الاتفاقات، إضافة إلى الانشقاق الفلسطيني-الفلسطيني، الذي أدخلنا في مأزق حتى وإن تكللت المصالحة بالنجاح، فإنني استبعد موافقة إسرائيل على إعادة العلاقات والاتصالات بين الضفة والقطاع، مما يتطلب البحث عن آفاق جديدة للتعامل مع هذا الصراع الطويل والمرير، ففصل القطاع عن الضفة-هذا القطاع الذي لا يريده أحد- يأتي في صميم الإستراتيجية الإسرائيلية طويلة المدى.
التاريخ : 30/5/2012
مقال تحليلي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت