لقاء الشهداء ، وداع بالدموع ...

بقلم: مازن صافي


لحظات من الدموع ، لحظات من الوجوم ، لحظات من الانتظار ، وحكايات تأخذنا الى البعيد حيث الحكاية الأولى والخبر الأول .. الجرح يفتح مرة ثانية ، الأهل والجماهير تودع الابن أو الأخ أو الزوج المقاتل .. الأصدقاء يودعون أصدقاءهم والرفاق يحضون رفات رفاقهم .. لحظة اللقاء ووصول الجثامين كانت لحظات لا توصف بحروف أو بريشة شاعر أو رسمة فنان .. الحدث أكبر منا جميعا .. حدث خليط بين الحزن والانتصار .. دموع تترقرق في الأعين ما لبثت أن انفجرت بكاء حارا وتكبيرات الله أكبر تغطي المكان .. المشهد وطني شامل .. الكل انخرطوا في عملية اللقاء والوداع وبداية رواية الحكايات من جديد .. الأطفال كبروا حملوا الجثمان الطاهر أو ما تبقى منه .. مشهد إنساني فريد يدلل على عنجهية وبشاعة الاحتلال وفي المقابل عدالة وبطولة الإنسان الفلسطيني .. كل جثمان له اسم وكل اسم له حكاية وكل حكاية اسمها التضحية بالجسد للوطن ليعلو الوطن عزيزا كريما حرا .. قدرنا أن نعيش فوق هذه الأرض ، قدرنا أن نكون فلسطينيين ، نحن نفخر بذلك كما نفخر بكل الشهداء أبطال العمليات الاستشهادية والبطولية التي شكلت لنا متحفا ثوريا وإرثا نقرؤه على أطفالنا وشبابنا وحضورنا وجلساتنا لأنه يمثل لنا العنوان والطريق الحقيقي إلى فلسطين .. اكتشفنا بالأمس أن مدن الوطن تهيأت لهذه المراسيم ولهذا الاستقبال المهيب .. شوارع الوطن في الضفة وفي غزة تهيأت بجماهيرها ووحدتنا لتمارس الوداع على طريقتها .. الجماهير أقسمت بدماء هؤلاء الشهداء " قسما لن ننساكم " ..

هذا الرفات يحملِّنا أمانة في أعناقنا وأعناق أجيالنا .. أمانة كبيرة وهي أن نتوحد لأجل الوطن ولأجل هذه الدماء الزكية الطاهرة .. لقد مضوا وبكل إباء وشموخ على درب العزة والكرامة والشموع ونالوا الشهادة وها هم اليوم ينالوا أيضا النصر .. عادوا لكي يعيدوا قراءة الرسالة الأولى : " لأجل حرية الوطن ترخص أرواحنا وتفنى أجسادنا " .. نقول اليوم للكل الفلسطيني نحن أخوة في الدم وفي المصير وفي الحلم بتحرير الأرض وإقامة دولتنا المستقلة .. عودة الرفات والجثامين تعني انتصارنا في الحرب المعنوية .. انتصرنا اليوم لأن الكل خرج لاستقبال أبطالنا .. هناك الكثير الكثير من الحديث عن كل شهيد وشهيدة على امتداد الوطن .. اليوم 91 حكاية بل حكايات وستتوالى الحكايات وتاريخنا مليء بكل هذه الحكايات ، حكاية شعب وقضية وصمود وثورة وقرار .. إن الكتابة عن بطولة ورثاء كل شهيد لا تكفيه صفحات .. كل منهم موجود في كل صفحة من تاريخنا وموجود في أيامنا وفي فخرنا بهم واعتزازنا بدمائهم الزكية .. هذا هو الشعب العظيم يصنع التاريخ والمجد ويقدم الدماء لنحيا بكرامة ولتستمر الثورة ويعلو شأن الوطن ..

لهؤلاء جميعا الذين قدموا دروس التحدي وعمق الانتماء للوطن والشعب ولمن سيأتون خلال الأيام القادمة ننحني أمامهم إجلالا وإكبارا وخشوعا .. لهم المجد كل المجد .. لهم محبتنا ودموعنا والذكرى الخالدة .. ولنقدم لهم وحدتنا الفلسطينية هدية للوطن كل الوطن .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت