هل تحققت الأهداف العامة لقانون الطفل الفلسطيني على واقعه ؟؟!

بقلم: آمال أبو خديجة


الطفولة المرحلة الأولى التي يبدأ فيها تشكيل شخصية الإنسان ببنائه العقلي والنفسي والروحي، والمُُعتمد عليها لتأسيس الجيل الصالح لبناء دولته ومؤسساته، فكلما كان الاهتمام كبيرا بهذه المرحلة من الأسرة والمدرسة حتى جميع مؤسسات المجتمع كلما ترك الأثر الإيجابي على التطور والنمو المجتمعي مستقبلاً وتقليل لنسبة الانحرافات والاضطرابات المختلفة التي تؤدي لاختلال توازن المجتمع وتأخر تقدمه وتخلفه .

وتعرف الطفولة في علم نفس النمو أنها المرحلة التي تبدأ منذ ولادة الطفل حتى بلوغه سن الثامنة عشر، يتخللها النمو العقلي والجسدي والنفسي للطفل حتى يصل لمرحلة بدء الشباب واستقرار نموه البيولوجي، ويدخل في مرحلة النماء والتطوير الذاتي للشخصية لإثبات كيانه ووجوده من خلال ما يكتسب من مهارات وما يتوفر له من وسائل في المجتمع الذي يعيش به .
أما حسب قانون الطفل لفلسطيني فعُرفت مرحلة الطفولة أنه كل طفل إنسان لم يتم الثامنة عشر من عمره .

وبالنظر للإحصائيات الصادرة عن دائرة الإحصاء الفلسطيني حول بعض الحقائق للطفل الفلسطيني تبين أن عدد الأطفال في فلسطين بلغ أكثر من نصف حجم المجتمع، فالمقارنة مع عدد السكان في الأراضي الفلسطينية لعام 2011 تبين أن نسبة عدد الأطفال من سن ( صفر-4) و ( 15-19 ) يقع بالمعدل ما بين 15,7% -11.9% ) من عدد السكان في الأراضي الفلسطينية، ومن الملاحظ أنه كلما ارتفع عمر الفئة السكانية كلما قل نسبتها في المجتمع من عدد السكان العام .

ولعل ذلك يعود لما ظهر من نتائج حول نسبة الخصوبة الكلية للأسرة الفلسطينية في عام 2010 في الأراضي الفلسطينية حيث بلغت ( 4.2 ) مولود لكل امرأة، ومعدل الزيادة الطبيعية المقدرة في الأراضي الفلسطينية ( 2.98 % ) ، وانخفاض معدل الوفيات للأطفال الرضع بنسبة ( 20.0 % ) لكل ألف ولادة حية عام 2010 في الأراضي الفلسطينية .

رغم أن هذه الإحصائيات لنسبة الخصوبة والوفيات في الأراضي الفلسطينية تظهر انخفاضا ملموساً يحدث في كل من الاتجاهين ما بين الوفاة و الإنجاب لفئة الأطفال، مما يدل على أن المجتمع الفلسطيني بدأ يتوجه لعملية ضبط وتنظيم لعدد أفراد الأسرة ولم يعد يعتمد على كثرة الأولاد وتعددهم داخل الأسرة الواحدة ولعل ذلك يعود لأسباب منها :
- ازدياد المعرفة والوعي حول أهمية التنظيم للأسرة للاهتمام بالتربية
- الوضع لاقتصادي الصعب وانخفاض الدخل الأسري
- تحسن الخدمات الصحية التي قللت من إصابة الطفل بالتشوهات و الأمراض أو الوفاة مما يدعو الأهل لإعادة الإنجاب .
- تركيز الأهل على توفير المتطلبات والحاجات وعدم اقتصارها على الطعام والشراب
- انعدام الأمن سواء الاجتماعي أو السياسي
- تعرض رب الأسرة للاعتقال أو الاستشهاد
- الاهتمام بالتحصيل العلمي والدرجات العليا والسعي نحو تحقيق الطموح الذاتي والنجاح
- زيادة فعالية المرأة ومشاركتها في لمجتمع ومساعدتها في مسؤوليات الأسرة المادية
- الانفتاح الثقافي على الآخر والتأثر بالطرق الغربية في التربية
- توسع الاحتياجات الضرورية وتنوعها وخاصة التكنولوجية
- الاستقرار المادي وعدم الاعتماد على الأبناء في الكبر
- قلة اعتبار الأولاد وكثرتهم عزوة وحماية مستقبلية
- مساواة الفتاة بالشاب في كثير من الأمور التربوية وانخفاض التميز
- التغير في أساليب التربية ما بين الجيل القديم والحديث .
- الإعلام وتأثيره في زيادة التوعية .
- الخوف من الأمراض الخطرة مثل سرطان الرحم وغيره .
- ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع
أما بالنسبة لانخفاض نسبة الوفيات فمن المتوقع أن أهم سبب يعود للتطور العلمي في القطاع الصحي الذي بدأ يحرص على رعاية الطفولة منذ بداية الحمل، كما أن الوعي والتثقيف الصحي التي تلعبه المؤسسات والمراكز الصحية والإعلام للنساء لحوامل، والتباعد بفترات الإنجاب بين الأولاد يساعد على تحسين وضع المرأة الصحي ، وكذلك انخفاض نسبة الإنجاب قلل من نسبة الوفيات لدى الأطفال .

وبما أن فئة الأطفال مهمة في بنية المجتمع الفلسطيني ومن الخطر تهميشها وإضعاف القوانين التي تدعم رعايتها ونموها، وهي اللبنة الأولى التي يُعتمد عليها في بناء المستقبل واتخاذ قراراته المصيرية لذا سعت الحكومة الفلسطينية لإصدار قانون يُحتم على الجميع صيانة هذه المرحلة من أي اختلال أو حرمان والسعي لتوفير كافة البنود التي نص عليها لضمان حقوق الطفل الفلسطيني بدأ من الأحكام العامة والحقوق الأساسية والأسرية والصحية الاجتماعية والثقافية والتعليمية والحق في الحماية من المخاطر المختلفة .

" سعى قانون الطفل الفلسطيني بأهدافه العامة للارتقاء بالطفولة بكل ما لها من خصوصيات، وتنشئة الطفل الفلسطيني على الاعتزاز بهويته الوطنية والقومية والدينية و الولاء لفلسطين أرضاً وتاريخاً وشعباً .وإعداد الطفل لحياة حرة مسئولة في مجتمع مدني متضامن قائم على التلازم بين الوعي بالحقوق والالتزام بالواجبات وتسوده قيم العدالة والمساواة والتسامح والديمقراطية، وحماية حقوقه في البقاء والنماء والتمتع بحياة حرة وآمنة ومتطورة، وتوعية المجتمع بحقوق الطفل على أوسع نطاق ممكن باستخدام الوسائل المناسبة، وأن يتم إشراك الطفل في مجالات الحياة المجتمعية وفقا لسنة ودرجة نضجه وقدراته المتطورة حتى ينشأ على خصال حب العمل والمبادرة والكسب المشروع والاعتماد على الذات والتنشئة على الأخلاق الفاضلة وخاصة احترام أبوية ومحيطه العائلي والاجتماعي " .

بالنظر لأهم أهداف قانون الطفل الفلسطيني العامة يتبين مدى رُقيها وتركيزها على احترام حق الطفل وتطويره، ولكن على الواقع تلك الأهداف لم ترتقي لما هو مطلوب في تطبيقها، وما يجب أن يكون عليه وضع الطفل الفلسطيني حيث بقيت الطفولة الفلسطينية تعاني الكثير من المشكلات والمعيقات والتقصير لكافة جوانب المجتمع، ولم تقدم الخدمات والرعاية الكاملة والشاملة والكافية لجميع لأطفال كي ينمو نمواً عادلاً دون آثار وترسبات للحرمان والتقصير المجتمعي .

لذا هناك حاجة لإعادة تقيم ما يُنجز على الواقع نحو تحقيق التربية الراقية والأهداف الكاملة للطفل الفلسطيني ،ومعرفة أهم المشكلات والثغرات التي تحتاج للمراجعة والعلاج والتطوير من خلال إعادة الاهتمام في جوانب الطفولة المختلفة في أهم القطاعات التالية :

الرقي بالدعم الأسري لتربية الطفل
زيادة التوعية الأسرية حول أساليب التربية الحديثة التي يحتاجها الوالدين في التعامل مع أطفالهما، ومعرفة أهم الصفات النفسية والعقلية والجسدية التي يمر بها الطفل كي يتعرف الوالدين على كل مرحلة لنمو طفلهما واكتساب المعرفة في كيفية التعامل معهما، زيادة توعية الشباب المقبلين على الزواج بصورة واسعة وشاملة حول العلاقة الزوجية وتربية الأبناء وأهم المشكلات المتوقع حدوثها مع الطفل، تعريف الآباء بالمفروقات الفردية بين الأبناء وكيفية التعامل مع كل طفل حسب سماته الخاصة، التوعية بخطر التمييز بين الأطفال، دعم الأطفال في المساهمة باتخاذ القرار وصناعته والتأثير في المجتمع ،أهمية توزيع الأدوار وتحمل المسؤولية لكل طفل داخل الأسرة، أهمية الرقابة والتوعية للأبناء حول مخاطر البيئة المختلفة وخاصة ما يسببه الاحتلال الصهيوني أو صحبة السوء ، توعية في كيفية التعامل مع الصدمات المختلفة التي تصيب الطفل وعدم الإهمال كي لا يقع ضحية لها، أهمية الاستقرار الأسري ونجاح العلاقة الزوجين وإظهارها أمام الأبناء، تلبية حاجات الطفل المختلفة حسب قدرات الأهل كي لا يشعر الطفل بالإهمال والحرمان ومعالجة مشكلة الفقر والبطالة، زيادة الدراسات والأبحاث حول الطفولة واختلافاتها وتطبيقها على أرض الواقع .

كل ذلك يحتاج من الحكومة أن تدعم المؤسسات والأفراد الذين يسعون لتقديم الدعم الأسري على اختلافه للأسر الفلسطينية، فرغم أن هناك بعض الدعم للتوعية الأسرية ولكن ذلك لا يكفي ولا يقدم لجميع المجتمع وخاصة في مناطق الأرياف المهشمة، وضرورة إشراك الجامعات والمؤسسات الأهلية في هذا الدور والاستفادة من جهود المتطوعين لعمل دورات ومحاضرات ومؤتمرات حول أهمية الوعي الأسري في أساليب التربية الحديثة للأطفال واكتساب المهارات ليتحسن إنتاج الإنسان الفلسطيني داخل الأسرة الفلسطينية .

الرقي بدعم التعليم المدرسي ورياض الأطفال
حتى نرتقي بالطفل الفلسطيني حق الرقي الذي يتوازى على الأقل مع الدول المتطورة يجب أن نخصص لهذه المرحلة الدعم الكافي والمستمر والمتطور حتى ننجح في إخراجها بصورة متميزة، فمرحلة التعليم المدرسي ورياض الأطفال تحتاج إلى رعاية كبيرة جدا حيث يجب إحصاء جميع المشكلات التربوية المدرسية حتى يتم وضع خطط دائمة ومستمرة في كيفية تطوير التعليم والرقي به داخل المدارس، فواقع التعليم المدرسي في فلسطين يعاني الكثير من الصعوبات والمشكلات التي تؤدي لإخراج منتج تعليمي ليس بالمستوى المطلوب حضارياً، فكثير من المدارس مكتظة بأعداد الطلبة وخاصة داخل الصفوف، وقليل من عدد المدرسين الذي لا يتناسب مع عدد الطلبة، المدارس غير مؤهلة في البنية التحتية بصورة صحية ومتناسبة لمرحلة الطفولة ونموها، نقص كثير من حاجات ومواد أساسية في التعليم، التركيز على التعليم النظري والحشو أكثر من التطبيق العملي والبحث والتقصي، فقدان كثير من القيم والأخلاق التربوية بين الطالب ومعلمه، انخفاض الرواتب للمعلمين مقابل ساعات العمل والمجهود الكبير ، قلة التدريب والتطوير المستمر لأداء المعلمين، عدم توفر المرافق الصحية الجيدة لحماية صحة الطفل، وعدم توفر الوجبة الغذائية السليمة، ووسائل النقل السليمة التي تحمي الأطفال من وقوع الحوادث والأضرار .

هذه المعيقات وغيرها كثير من إحدى أهم أسبابها قلة الدعم المادي المخصص للمدارس والتربية والتعليم من أجل تحسين وتنمية الأداء ورفع مستوى المخرجات لتصل لأعلى الكفاءات والمهارات والاكتساب العلمي والمعرفي والأخلاقي ، حيث تعاني التربية والتعليم من مشكلة شح الموازنة السنوية وتعتمد في كثير من حلول مشكلاتها على ما يجبى من الأقساط المدرسية ، ومعظم الموازنة السنوية للمدارس توزع على المصروفات الجارية والمادية وليس لخطط التطوير ورفع الكفاءات والمهارات التعليمية .

الرقي بدعم دور المؤسسات المجتمعية للطفل
إن أي مؤسسة مجتمعية داخل المجتمع الفلسطيني مهما كان حجمها ومستوى أدائها من المتوقع أن تساهم مساهمة بناءة في رفع كفاءة الرقي بالطفل الفلسطيني سواء بالتربية السليمة والناجحة أو التعليم المتكافئ مع المستويات العالمية لتخريج أفواج من الأجيال المستقبلية القادرة على قيادة المجتمع وتوصيله لأعلى مراتب الرقي والمدنية والحضارة .

وبما أن قانون الطفل نص على هدف الرقي بالطفل وتربيته على القيم الثقافية والوطنية العظيمة التي تحفظ له حقوقه وتواجده على هذه الأرض، مما يحتم أن يجد الطفل الفلسطيني المؤسسات الكافية والواسعة التي تهتم ببناء ذاته على القيم السليمة والأماكن التي يلبي فيها حاجاته ويفرغ بها طاقاته المختلفة، فهو بحاجة لأماكن للعب والترفيه والثقافة للتواجد في كل منطقة يتواجد فيها الطفل وليس ببعض الأماكن القليلة لبعض المدن، يحتاج لزيادة الفعاليات والنشاطات وتفعيل دور الطفل الفلسطيني في المجتمع ودمجه في مؤسسات تطوعية ليعبر فيها عن ذاته ويبرز فيها مهاراته وإبداعاته، بحاجة لحمايته من مخاطر اللعب بالشارع والحارات وتوفير الأماكن البديلة المخصصة له ، بحاجة لتوفير حاجاته الأساسية ففي ظل ما يعيشه مع احتلال صهيوني بغيض يسقط عليه في كل يوم من المعاناة والألم ما لم يتوقعه فهو بحاجة لتوفير الأمن والآمان له في بيته ومدرسته وفي مجتمعه، بحاجة ليتوفر له المسكن المناسب والدائم، بحاجة لوجود والديه يشاركانه حياته داخل الأسرة وليس في السجون الإسرائيلية أو الأجهزة الأمنية أو الإبعاد والتهجير، الطفل الفلسطيني بحاجة لتحسين مستوى دخل أسرته ورؤية والدية قادرين على تلبية حاجاته وعدم شكواهم من البطالة وشح الأموال، الطفل الفلسطيني بحاجة لتوفير نظام صحي شامل ومجاني دون أن يحتاج لمقدمات طويلة كي يحظى بحق العلاج والصحة السليمة، الطفل الفلسطيني بحاجة لحق الحياة الكريمة التي تحمي حقوقه وقيمه وحضارته وتاريخه، الطفل الفلسطيني بحاجة للحرية والقدرة على التعبير والتنقل والإحساس بالانتماء الحقيقي للوطن والأرض ، الطفل الفلسطيني بحاجة لحماية من العنف والانحراف والقتل والقهر النفسي، الطفل الفلسطيني بحاجة إلى أن يرى من يحضنه ويضمه بين ذراعيه أينما ذهب وتوجه ولا يرى ما ينفره من الحياة ويصرفه عن التعلق بالأمل الذي يملكه ويسعى إليه لبناء ذاته وما يحيط به في مجتمعه .

فإن كان قانون الطفل الفلسطيني كفل حق الطفولة والرقي بها داخل المجتمع الفلسطيني، فهذا يضعنا أمام المسؤولية بواجب المساهمة لكل فرد منا بالسعي نحو تحقيق تلك الأهداف العظيمة نحو الرقي بالطفولة بوضع الخطط والبرامج والمشاركة والتفاعل بين الجميع لنقوم جميعاً بمهمة صناعة الإنسان الفلسطيني الناجح المتميز بالإبداع والعطاء والانتماء والنضال وعلو القيم والمبادئ الأخلاقية التي لا تضاهيها أية أمة أخرى .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت