مصر: الرفاق حائرون

بقلم: مصطفى إبراهيم


في مصر الرفاق حائرون، شباب ثوار فجروا ثورة يشهد العالم بمدنيتها وقوتها وحضاريتها، استشهد منهم المئات من اجل الحرية والكرامة، الضباب امامهم كثيف والمسارات متعددة والأهداف غير واضحة، ويشعرون بالألم والخذلان من نخبهم السياسية، وأسئلة صعبة وكثيرة لم يستطيعوا حتى الان الاجابة عليها، كانت ولا تزال لديهم اخطاء، لكنهم قاموا بها بحسن نية.

الأحداث تحكمت بمسارهم اكثر من مرة، ساروا بسرعة كبيرة جداً من دون ان يستطيعوا التحكم في عجلة القيادة والقدرة على التوقف وأين ومتى، ولم يصدقوا انفسهم ولم يحددوا مواقفهم من كثير من القضايا، واحتاروا في طريقة معالجة قضاياهم، وكلما شعروا بالخطر والتآمر عليهم هبوا للميدان للتظاهر والاحتجاج واتخاذ المواقف من دون ان يحققوا اهدافهم وكل مطالبهم.

منذ البداية لم تكن لديهم قيادة، وحتى الان لم يتفقوا على قيادة متجانسة توحدهم وتوجههم، وتأخذ بأيديهم الى النصر، والقضاء على الاستبداد والفساد، وتدشين اسس الدولة الجديدة التي تقطع مع الفترة السابقة ورموزها على طريقة الثوريين، وكانوا ولا يزالوا حائرين ما بين ان يكونوا ثوريين او اصلاحيين، او التمسك بالدولة القديمة من دون المس بمؤسساتها التي لا يزال بقايا النظام السابق يتمسك بها، ويرفض التخلي عنها، بل يدافع عن مواقعه بشراسة.

في مصر الديمقراطية تحبوا، وأحيانا يكون من الصعب فهم ما يجري خاصة بعد الانتخابات الرئاسية، وما افرزته من تنوع سياسي واجتماعي غير متوقع، والانتخابات زادت الامور تعقيدا بعد تشتيت الاصوات والتشكيك والشبهات حول الاجراءات، وتبدلت الاراء والمواقف، ودخلوا في حال من الاحباط والخذلان ويدور جدل كبير بينهم، وكبرت مخاوفهم وخشيتهم من الذين حققوا أعلى النتائج، ودخلوا في ازمة انعدام الثقة بينهم.

وتعمقت ازمتهم بعد المحاكمات التي افتقدت الى الادلة وطمسها وإخفائها وشككوا فيها وطريقة اخراجها، وتنبهوا الى ان القضاء بحاجة الى تطهير.

ولم يستطيعوا حتى الان التوصل الى قواسم مشتركة في مواجهة القديم، وخشيتهم وتخوفاتهم المشروعة من فريق منهم، هم الاخوان المسلمين، ومحاولته اختطاف الثورة والدولة، والتحالف مع النظام القديم في فترات سابقة، وارتكب اخطاء وخطايا بحق الثورة، مع انه كان شريك لهم، وافق على كثير من التعهدات، لكنه يرفض تقديمها مكتوبة لتكون ملزمة وليزيل التخوفات، وذلك لا ينتقص من مواقفه في سبيل اعادة بناء الوطن ومستقبل مصر، وبناء على ما تنص عليه مبادئ العملية الديمقراطية.

وهناك امثلة كثيرة في التاريخ وديمقراطيات عريقة قدم عدد من الزعماء في دولهم ضمانات وتعهدت مكتوبة وقعوا عليها، المانيا وفرنسا وبريطانيا، وكما جرى مع رئيس جنوب افريقيا نيلسون مانديلا وما قدمه من تعهدات وضمانات مكتوبة وموقعه لقبائل الزولو.

في مصر هناك ازمة فقدان ثقة بين المكونات السياسية، والمشكلة في القيادة والنخبة السياسية الذين لم يستطيعوا حتى الان الاتفاق على تحديد مستقبل مصر، وحل الاشكالات الكبيرة وعدم قدرتهم على قيادة المرحلة الانتقالية القادمة من اجل المستقبل، والتخوفات والخشية والشك وعدم الصدق والاتهامات بوجود الاجندات الخارجية القائمة بناء على الثقافة السياسية السائدة في المشهد السياسي المصري.

المصريون مختلفون ويحكموا على ما يجري بمعايير مختلفة، وهم بحاجة الى تحديد اهدافهم وتوحيد مطالبهم، ووضع ضوابط وضمانات للتفاهم على قضايا الاختلاف، وهي مبادئ الدستور، والفريق الرئاسي وصلاحيته، وتشكيل الحكومة وتركيبتها، والقضايا الاساسية مثل الحريات العامة والشخصية، والقضايا الاجتماعية والثقافية والفكرية، لا بد لهم ان يتفقوا، وإذا لم يتفقوا على مرشح تختاره قوى الثورة فان مستقبل مصر سيكون غامض ومخيف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت