نكبة ، عدوان ، نكسة ، احتلال ، حروب ، انقلاب ، انقسام ، تقسيم ، ثورات ..
مصطلحات حملت في طياتها الكثير الكثير مما يستدعي الكتابة حولها ، غير أن ثمة من سأم الإستفاضة فيها والخوض في غمار سردها والتباري للتأريخ والتنبؤ والتحليل لحيثياتها بما انطوت عليه من منعطفات مرت بأمتنا كافة على الرغم من أهميتها ، ولربما أوجع ضجيج إيقاعها قلوبهم فصموا آذانهم عن وقعها .
ولذا ومعذرة اسمحوا لي ان أقفز عن تسطير تفاصيل واحداثيات وتفاعلات ما أحدثه مجرى التاريخ ، وهذا ليس من باب اختزال التاريخ أو التنكر لمدى أهميته على الرغم من انه شكل حالة من الحراك والفعل والتفاعل وأضاف تراكما هائلا سواء كان ايجابيا او سلبيا ، إذ مر بمراحل صعبة ومتعرجات شائكة وبالغة الخطورة بل شكل منظمومة كاملة ومتكاملة في حياة شعوبنا ، لا سيما وان السنين الطويلة التى مضت حملت في جعبتها تفاصيلا جمى بل وما زالت الأيام حبلى بما سيتمخض عنها من عواقب ستتعاظم يوما بعد .
ولعل ما أود الإشارة إليه أننا ومنذ حلت النكبة بنا بتنا نحصد الهشيم إذ ما لبثنا نلتقط أنفاسنا بحثا عن خيمة ومأوى وكسرة خبز ثم قضية وهوية ، فإذا بهزيمة حزيران تحط في ديارنا وما إن وضعت حربها أوزارها وعدنا نجتر أذيال الخيبة وطقوس الهزيمة وما نتج عنها من احتلال لأراضينا العربية وداست أقدامه روابينا وسهولنا بل ظلت تتراقص وتلوذ بنا هرجا ومرجا ردحا من الزمن وما زالت ومكثنا نبحث عن ملاذ آخر .
ربما صاغت قوى التحرر على امتداد وطننا العربي الواحد والكبير بما لها وما عليها وفي طليعتها قوى شعبنا العربي الفلسطيني حالة نضالية هامة ومميزة أضافت صفحة مشرقة في تاريخنا العربي بل وأهلته للإمساك بزمام المبادرة من جديد من خلال استنهاض حالة الفعل الثوري المقاوم ، ولتعود ولتنطلق بشكل ومضمون جديدين وأذكر هنا ( معركة الكرامة ) التى اعادت للأمة العربية كرامتها بعد النكسة وأسست لحالة من الفعل والمد الثوري الوطني والقومي ما يليق بمستوى تضحيات شعوبنا العربية الأمر الذي عاد ليضع قضيتنا في مقدمة المحافل الإقليمية والدولية .
بينما ما انفك الإحتلال ومن خلفه قوى البغي والشر العالمي يتمدد بطول الأرض وعرضها ليجثم فوق ثرانا المقدس بأشكال وأساليب مختلفة ومتنوعة ، وما نتج عنه من حروب وكوارث وويلات تحط تارة تلو التارة هنا وهناك واستمرأ كل هذا نصف قرن من الزمان ويزيد وما زال يمعن في ذلك غير آبها بكل القوانين والأعراف الإنسانية .
ويصاحب هذا كله بل ويتماهى معه ما أنتجه الإنقلاب من انقسام حاد أتى على حياتنا كلها ، وما زلنا ننتظر ما سيسفر عنه طحن الطحين من صولات وجولات ومد وجزر وترنح وتخبط فيما سمي بالحوار ولوجا لمصالحة حقيقية تفضى إلى إنهاء الإنقسام الذي أدمى شعبنا وفت من عضده حتى نخر عظامه وفاض الصبر ليصير الدمع دما وتبلغ القلوب الحناجر ، واستفاد من ذلك الإحتلال استفادة كبيرة وخطيرة للغاية .
ثم نعود لنجمع اوراق الخريف التي تطايرت فيما بين أقطارنا العربية لتحط من عاصمة لعاصمة ومن ميدان لميدان بحثا عن الربيع المفترض ، إلى أن أخذت براعمه تجف دونما أن يفوح شذى الياسمين وما تفتحت أزهار البرتقال الذي ما زال يبحث عن لقاح من أرضه الحزينة كطوق نجاة ، إذ ما حصدنا سوى أوراق الأشجار الصفراء في خريف أيلول ، وما فتئت رياح التغيير تكرس حالة من الإنقسام والتقسيم والتجاذب والإستقطاب الحاد الذي باتت شعوبنا تدفع ثمنه بقوة وبشكل باهض بحثا عن التوق والإنعتاق والخلاص وتتطلع لغد يميط فيه الستار ويسقط الجدار وصولا لنقطة الضوء وبر الأمان ، وتتدور بنا الدوائر ويتربصنا الأعداء والأنواء من كل صوب وحدب ، بل وهناك من يقف على جنبات الطرقات يتحين السلطة ويعمل من أجل التمسك بها وبينما هناك من يسعى للحصول عليها بأي شكل مهما كلفه ذلك من ثمن حتى ولو على حساب المتاجرة بشعوبنا التى ما توقف عن استخدامها وفقا لأجندات مختلفة ،،
وما زلنا نتأرجح بين حصاد الهشيم وطحن الطحين ..
دمشق في /
5/6/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت