هل نحن جاهزون لتطبيق الحد الأدنى للأجور في فلسطين

بقلم: ماهر تيسير الطباع


في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن قضية تطبيق الحد الأدنى للأجور للعمال و تم عقد العديد من اللقاءات حول هذه القضية خلال الأشهر السابقة , وهنا لابد من السؤال هل نحن جاهزون لتطبيق الحد الأدنى للأجور في فلسطين ........؟ .

في اعتقادي إن كافة الأطراف ذات العلاقة و الممثلة بالحكومة وأصحاب العمل و ممثلي العمال على قناعة تامة بأهمية تطبيق نظام الحد الأدنى للأجور والذي يهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية , و الحد من معاناة العمال و تأمين متطلبات عيش كريم لهم وتحسين أوضاعهم المعيشية بما يتناسب مع مستويات المعيشة واحتياجاتها الأساسية , لكن يجب أن نقر بأن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها كلا من الضفة الغربية و قطاع غزة صعبة و مأساوية في ظل القيود المفروضة من الجانب الإسرائيلي على حرية حركة البضائع و الإفراد وتكاليف النقل المرتفعة , و الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من خمس سنوات و الحرب الأخيرة على قطاع غزة وما دمرته من منشآت اقتصادية , كل ذلك أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة , حيث بلغت معدلات البطالة 23.9% وفقا لمركز الإحصاء الفلسطيني و حسب نتائج مسح القوى العاملة لدورة الربع الأول لعام 2012 وبلغ عدد العاطلين عن العمل 261 آلف شخص في الضفة الغربية و قطاع غزة , وبلغت نسبة البطالة في الضفة الغربية 20.1 % وبلغ عدد العاطلين عن العمل 147 آلف شخص , أما في قطاع غزة ونتيجة للحصار فبلغت نسبة البطالة 31.5 % وبلغ عدد العاطلين عن العمل 114 آلف شخص , وهنا لابد من السؤال هل الحديث مُجدي عن الحد الأدنى للأجور في ظل وجود أكثر من ربع مليون عاطل عن العمل ...؟ , في اعتقادي أنة من الأجدر الحديث عن حلول و وضع خطط لتخفيض نسب البطالة المرتفعة من خلال مشاريع مستدامة وفتح الأسواق العربية أمام العمالة الفلسطينية , وبعد ذلك يتم الحديث عن تطبيق الحد الأدنى للأجور.

إن تطبيق الحد الأدنى للأجور في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة و في ظل ما يعانيه القطاع الخاص الفلسطيني على مدار 12 عام , سوف يؤثر بالسلب على المنشآت الصغيرة و المتوسطة و التي تشكل ما يزيد عن 90% من القطاع الخاص الفلسطيني , حيث أن هذه المنشات لا يوجد لديها القدرة الفعلية لتطبيق مثل هذه السياسات.

هذا بالإضافة إلى أن تطبيق الحد الأدنى للأجور سوف يؤدي إلى زيادة نسبة البطالة و الفقر نتيجة استغناء أصحاب العمل عن بعض العاملين الغير مهرة أو الذين لا يشكلون أهمية في العملية الإنتاجية , كما سوف يؤثر بالسلب على توظيف الخريجين الجدد و فئة الشباب التي تعاني من نسبة بطالة 41.2% حيث أنهم لن يحصلوا على فرص عمل بسهولة.

كما أن تطبيق الحد الأدنى للأجور سوف يؤدي إلى زيادة في تكاليف الإنتاج والخدمات و التي تشكل أجور العاملين فيها ما نسبته من 20% إلى 30% من التكلفة الكلية للإنتاج , مما سوف يساهم في انخفاض القدرة التنافسية للمنتجات الفلسطينية التي تعاني كثيرا من القيود و الإجراءات الإسرائيلية.
ولتطبيق الحد الأدنى للأجور وبالرغم من اختلاف مستوى المعيشة إلا أنة يجب دراسة الحد الأدنى للأجور في الدول المجاورة لنا , حتى لا تفقد المنتجات الفلسطينية القدرة التنافسية في الأسواق المحلية والعربية , و فرص الاستثمار المتاحة , فالحد الأدنى للأجور في المملكة الأردنية الهاشمية 190 دينار أردني أي ما يعادل 1025 شيكل , و يبلغ الحد الأدنى للأجور في جمهورية مصر العربية 700 جنية مصري أي ما يعادل 440 شيكل .

ونستخلص من ذلك بأن تطبيق الحد الأدنى للأجور يتطلب عقد العديد من ورش العمل واللقاءات بين كافة الأطراف ذات العلاقة و الممثلة بالحكومة وأصحاب العمل و ممثلي العمال لدراسة كافة النواحي الايجابية و السلبية والتوافق على الآليات المتعلقة بذلك لضمان تطبيق عادل واستقرار علاقات العمل وتحقيق الشراكة الاجتماعية والتزام تام من كافة أطراف العلاقة بالتطبيق على أرض الواقع , كما يجب مراعاة التباين في مستوى المعيشة حسب المناطق الجغرافية , و التباين في نمو القطاعات الاقتصادية المختلفة , مع دراسة إمكانية تطبيق الحد الأدنى للأجور على مراحل أو بشكل جزئي بحيث يبدأ تطبيقه على حسب مهارة وخبرة وسنوات الخدمة الخاصة بالعامل , مع التأكيد على أن فرض حد أدنى للأجور بشكل متوازن و معقول سوف يساهم في تطبيقه بالشكل المطلوب.
د. ماهر تيسير الطباع
خبير و محلل اقتصادي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت