في ظلال ذكرى الإسراء والمعراج

بقلم: الشيخ موسى أبو عيّادة


قال تعالى : "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير". صدق الله العظيم. ما أجمل هذه الآية ، ما أروعها من سورة الإسراء وهي تسبح في ملكوت الله وتنساب في كيان الإنسان على مدار الزمان، فهي تسجّل الوثيقة الشرعية والإرث الإسلامية والحق المقدسي في فلسطين وما حولها، مهما حلّت بها النكبات وتعاقبت عليها الأمم.

في هذه الأيام تطل على الأمة الإسلامية ذكرى معجزة الإسراء والمعراج التي تحمل معها الدروس والعبر الكثيرة، فحق الإسلام في فلسطين لا يعفي عليه الزمان ولا يسقط من ذاكرة التاريخ ما دام مسجلا في كتاب خالد تكفّل الله تعالى بحفظه "إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون". وحق الإسلام في فلسطين لا يُنسى ما دام فيها المسجد الأقصى المبارك ، حق الإسلام في فلسطين لا يُنسى ما دام فيها شعبها المؤمن ما بين راكعٍ وساجد وعالمٍ وعابد ومزارعٍ ومرابط على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك في بيت المقدس.

وحق الإسلام في فلسطين لا يُنسى أبدا والمسلمون في أكناف بيت المقدس يتنادون للاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، هذه الذكرى العظيمة إنمّا يعبرون عن مدى حبهم للأقصى المبارك. ويتنادون بتحريك قضيته وإبقائها قائمة حيّة في الشعور الإسلامي وإنعاشا للروابط الإيمانية بينهم وبين الأرض المقدسة لأنها أصل الروابط وأصدقها وأثبتها وادومها ، بل إنها هي التي تحرك بقية الروابط وتنشطها وتحميها من الذوبان.

وإذا كان هذا المعنى هو المقصود من إلاحتفال في هذا الشهر المبارك فالواجب إذا إظهار وإبراز هذه الروابط سواء منها ما تعلّق بالأقصى المبارك أم بصاحب الذكرى ، أم بالمعجزة الكبرى وهي كما يلي:

أولا : محبة النبي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم صاحب هذه المعجزة وآل بيته ، فالاحتفال بذكرى الإسراء إنما هو احتفاء بضيف الإسراء محمد صلّى الله عليه وسلم ، وإذا كان ضيف الشام والأقصى المبارك محبوب للجميع ، فإن النفوس تهفو دوما لآثاره والإقتداء بأقواله وأفعاله.

ثانيا : إن الإسراء بمحمد صلى الله عليه وسلّم إلى الأقصى المبارك يعتبر فتحاً روحياً له خاصة وللشام عامة، يوم كان الفتح العسكري لا يُسعف المسلمين فظلّت أبطال المسلمين تشرئب لرؤياه وتسعى لدخوله ولقياه.

ثالثا : إن القدس معناه الطهر ، وطهر القدس نابع من طهر من بناه وعاش في أكنافه فقد كان مسكن الأنبياء. روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال : "ما فيه موضع شبر إلا وقد صلّى فيه نبيّ". فكيف لا نحب ّ إذا ارض القدس ومهد الأنبياء.

رابعا : إن ممّا يؤكد قدسية الأقصى في قلوب المسلمين، قوله صلّ الله عليه وسلم " لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى". فقد جعل الإسلام هذه المساجد أقدس مساجده لما لها من الأهمية العظمى وإذا كانت هذه المساجد بهذه المرتبة فلا يُكتفى من المسلمين أن يترددوا دائما على المسجد الحرام والمسجد النبوي حاجّين معتمرين ، ويغمضوا أعينهم عن المسجد الأقصى المبارك.




معاشر المسلمين : لم يتوانى صلاح الدين عن فتحه عندما بلغه نداء القدس الشريف على لسان أحد شبابها برسالته التي تقول :

يا أيها الملك الذي لمعالم الأوثان نكّس

جاءت إليك رسالة تسعى من البيت المقدّس

كل المساجد طهرّت وأنا على شرفي مدنّس

ولهذه المعاني كانت معركة عين جالوت لتخليصه من أيدي الكفار ، ومن اجل ذلك يثبت فيها أهل فلسطين ويتحملون ألوان العذاب وأصناف التنكيل والتهديد والإبعاد والترحيل ليظلوا الوثيقة الصادقة المتحركة الناطقة بشرعية الإسلام والمسلمين في فلسطين، وكما قال تعالى "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد"." يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلّكم تفلحون". "والعاقبة للمتقين".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت