مسامير وأزاهير 293 ... صفحة أخرى من سِفـْر ثورة 25 يناير!!!.

بقلم: سماك العبوشي


وهكذا انتصرت ثورة 25 يناير في جولة جديدة من جولات معركتها الطويلة والقاسية مع نظام مبارك الفاسد، انتصرت في جولة الإعادة التي تعد بحق مفخرة للشعب المصري المؤمن بحتمية نجاح الثورة وانتصارها، بعدما ضربت كل القوى والحركات والأحزاب الثورية المصرية أروع صور الوعي السياسي والوطنية حين تناست خلافاتها المعلنة مع حزب الحرية والعدالة بسبب أدائها في البرلمان ومحاولتها الاستئثار بكل السلطات، وذلك من أجل هدف أسمى يتمثل بتحقيق العزل الجماهيري لمرشح نظام مبارك وقطع دابر الثورة المضادة وبالتالي إنقاذ ثورة 25 يناير!!.

لقد وضع الثوار المصريون وعموم شرفاء مصر وأبناء العروبة أياديهم على قلوبهم لحظة إعلان نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية التي أظهرت فوز الفريق أحمد شفيق بالمرتبة الثانية، في وقت تراجع فيه بعض مرشحي الثورة كحمدين صباحي والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح إلى مراكز تالية، في مؤشر خطير على أن أتباع النظام المصري السابق والمتضررين من تلك الثورة المباركة قد تمكنوا بشكل أو بآخر من تجميع قواهم من جديد لإجهاض تلك الثورة الشعبية الرائعة ومحاولة إفراغها من مكتسباتها، حتى خـُيـِّل لنا في فترة من الفترات بأن هؤلاء صاروا قاب قوسين أو أدنى من الفوز بالرئاسة، فكان أن تنادى الشرفاء من الكتاب والساسة على حد سواء، المصريين وأبناء العروبة، بضرورة رص الصف ووحدة كلمة قوى الثورة المصرية ورموز حركتها الوطنية والقومية من جديد والتفافها خلف الخيار الوحيد للثورة المتمثل بالمرشح الدكتور محمد مرسي (رغم كل التحفظات تجاه حزبه) لضمان نجاح الثورة وديمومة شعلتها وقطع دابر النظام السابق!!.

لقد أظهرت تداعيات حملة الانتخابات الرئاسية أن المعركة مع أتباع النظام المصري السابق والفاسد مازالت مستمرة وضارية، وبأن مسلسل إجهاض مكتسبات الثورة يتلاحق حلقة تلو أخرى، حيث حُـلَّ مجلس الشعب المصري المنتخب شعبيا من قبل المجلس العسكري المصري إثر صدور قرار من المحكمة الدستورية العليا ببطلان ثلث مقاعد مجلس الشعب، في خطوة وصفت بأنها انقلاب ناعم غير دموي ضد الثورة ومكتسباتها ، لتأتي الحلقة الأخرى من مسلسل تحجيم الثورة من خلال إصدار المجلس العسكري المصري عشية جولة الإعادة الثانية لما يعرف بـ "الإعلان الدستوري المكمل"، في خطوة وصفها فقهاء القانون والدستور المصريون بأنها قد جاءت لتحصين المجلس العسكري ولعدم المساس بنفوذه من جانب، ولتحجيم وتقليل الصلاحيات الدستورية للرئيس المصري المنتخب ليكون "رئيساً مصرياً منزوع الدسم" كما وصفه الكاتب المعروف عبدالباري عطوان في إحدى مقالاته من جانب آخر!!.

إن يقظة شباب الثورة المصرية وفطنة جماهير الأحزاب والحركات الوطنية المصرية، كان السبب الرئيس في إجهاض مخططات أتباع النظام البائد، تلك اليقظة والفطنة التي لولاها ما كان للثورة أن تنتصر بجولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، ليسقط اليوم - وبفضل من الله تعالى- في رهان الانتخابات من قال يوماً بأن "مبارك مثلى الأعلى لحد آخر يوم في حياتي"، ويندحر مَنْ زلّ لسانه يوما حين قال "للأسف الثورة نجحت"، ويزاح عن كاهل مصر مَنْ وضع الكيان الصهيوني عليه آماله وطموحاته، فأمست الكرة الآن في ملعب الدكتور محمد مرسي، وما عليه إلا أن يفي بوعوده وعهوده التي ألزم نفسه بها طيلة فترة الانتخابات، لاسيما تلك التي أكدها في جولة إنقاذ الثورة من سرقتها والإجهاز عليها "جولة الإعادة".

رسالتان على درجة كبيرة من الأهمية أوجههما:
أولاً ... إلى الرئيس المصري المنتخب مذكرا ومنبهاً، بأن طريق الثورة لا يزال طويلا وشائكاً يا "ريـِّس"، وأن الثورة لم تنجز كل أهدافها، فهي مستمرة في حراكها وعراكها ضد قوى الظلام، وأن الفترة القادمة من عمر الثورة المصرية ستكون أكثر صعوبة وضراوة من مرحلة إسقاط حسني مبارك، ومن هذا المنطلق فإنني أدعوه وبمحبة صادقة شفافة إلى:
1. ضرورة الاستحضار اليومي وطيلة فترة الرئاسة لدماء شهداء ثورة 25 يناير الأبرار الذين لولا دماؤهم الزكية ما انزاح نظام فاسد فاسق، ولما جلس على كرسي رئاسة مصر!!.
2. تذكر بكاء وأنين الثكالى والأرامل والأيتام الذين قدموا أبنائهم وأزواجهم وآبائهم فداءً في رحلة تحقيق حلم ثورة 25 يناير الجميل!!.
3. العمل على إعادة رسم صورة جميلة زاهية لحزب الحرية والعدالة، من خلال إزالة ما ترسب من مشاهد وقناعات سيئة في أذهان أبناء مصر وجعلهم مترددين في تأييدك في جولة الإعادة لولا إصرارهم على إنقاذ مصر وثورتها من مرشح نظام مبارك، تلك القناعات التي تولدت لديهم جراء أخطاء في بعض ممارسات الحزب والجماعة تحت قبة البرلمان أو تخليهم عن دورهم يوما ما من أيام هذه الثورة المباركة.
4. الالتزام التام ببنود وثيقة العهد المعدة من قبل القوى السياسية والشخصيات الوطنية المصرية والتي تضمنت عدداً من المواد التي أريد بها أن تكون مرشدا للرئيس القادم ضماناً لمدنية الدولة و الحريات وعدد من الحقوق للشعب المصري و ذلك لتحقيق أهداف الثورة، وضرورة تقديم الاستقالة من رئاسة الحزب.
5. ضرورة التنسيق مع كل القوى السياسية بمختلف توجهاتها لصياغة موقف موحد من الأحداث الجسام والخطيرة القادمة، لمواجهة تغول المجلس العسكري في الحياة السياسية، وهي لعمري الجولة الحاسمة القادمة في معركة الوفاء لتضحيات شهداء الثورة وترسيخ جذورها.
6. دراسة وتحليل وتدبر تلك الدروس والمعطيات المتمثلة بحقيقة أن الفوز بالرئاسة في جولة الإعادة ما كان ليتحقق لولا تلك الأصوات الحرة والوطنية التي أضيفت لتلك الأصوات التي منحت له في الجولة الأولى، تلك الأصوات الحرة التي آثرت أن تتخلى عن مخاوفها السابقة فتدلي بصوتها له إنقاذاً لمستقبل مصر الواعد وإجهاضاً لمحاولة إعادة إنتاج النظام السابق إذا ما فاز الفريق شفيق!!.
7. الوقوف على مسافة واحدة متساوية من جميع أفراد شعب مصر، وكافة قوى الثورة والحركات والأحزاب المصرية، وإزالة الوهم المترسخ في أذهان الأقباط تحديداً نتيجة تخوفهم من فوز إسلامي بمقعد الرئاسة ومنحهم حقوقهم الدستورية باعتبارهم مصريين أصلاء!!.
8. الوفاء بالوعد والعهد بأن يكون هناك مجلس للرئاسة في المرحلة القادمة، له نائبان أو أكثر، أحدهما قبطي مصري، وأن تكون حكومة مصر القادمة ائتلافية ومن التكنوقراط يرأسها رمز وطني معروف من خارج قباب حزب الحرية والعدالة.
9. تطهير البلاد من بقايا فساد نظام مبارك، وتمهيد الطريق أمام حقبة جديدة يتمتع فيها الشعب، كل الشعب بكافة شرائحه وأطيافه بالكرامة والحقوق الاجتماعية.
10. تطمين القوى الوطنية والثورية التي تم ترهيبها بدعوات الدولة الدينية أو تخوينها إثر الجولة الأولى للانتخابات من خلال ضرب أروع أمثلة العطاء الثوري والممارسات الوطنية التي ترفع عن كاهل شعب مصر الظلم الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي، وبذا سيتم إعطاء مَنْ آثر المكوث في داره عازفاً عن الإدلاء بصوته درساً بليغاً بسلبيته التي كادت أن تنكص بالثورة وتعيدها إلى ما قبل انطلاقتها التي جاءت من أجل تحرير مصر من قيودها ومنح أبنائها الحرية والعدالة الاجتماعية.


ثانياً ... لكل أبناء مصر الثورة، وتحديداً أولئك الثوار الذين وجدوا أنفسهم قسراً أمام خيارين أحلاهما مر "من وجهة نظرهم"، فانحازوا تلقائيا للثورة وتدعيمها ومساندتها من خلال التفافهم حول الدكتور محمد مرسي باعتباره "خياراً وقتياً وتحالفاً تكتيكياً" يمكن الركون إليه من أجل ضمان عبور هذه المرحلة الخطيرة والجسيمة من تاريخ مصر، فإنني أرى ضرورة قيام من لم يجد ضالته ببرنامج الرئيس المصري الجديد أو من يخشى مستقبلاً عودة نظام مبارك أو شبيه به، بالإسراع بتشكيل تيار سياسي وطني ثوري جديد يضم كل من نأى وينأى بنفسه عن الأحزاب التقليدية العاملة في الساحة المصرية، لخوض معركة انتخابات المحليات والبرلمان وذلك لضمان تمثيل كل طوائف وتيارات وأبناء شعب مصر في الحياة السياسية، والاستعداد منذ اليوم للانتخابات الرئاسية القادمة في مصر، وفي ذلك لعمري إثراء للحياة السياسية المصرية وضمان وجود تنوع في التيارات السياسية في ساحتها، التي ستعمل جاهدة من أجل إرضاء شعب مصر وخدمته وتحقيق أمانيه وبالتالي نيل أصوات أبناء مصر في أي سباق انتخابات قادم.
حمى الله مصر وأهلها، وأعادها لمجدها وجاهها الذي تستحقه.
المجد والخلود لشهداء مصر.

سماك العبوشي
19 / 6 / 2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت