سار قطار الإجازة الصيفية ، حاملا مئات الآلاف من أطفال فلسطين إلى المجهول ، فبعد عناء نحو تسعة أشهر من العام انتهت بانتهاء الامتحانات النهائية ، نجح من نجح فهنيئا لهم وتخلف قليلا من تخلف نتمنى لهم محالفة الحظ واللحاق بزملائهم ، ما يهمنا هنا هو هذه الأعداد الكبير الذي تشغل في عددها نسبة تقارب من نصف سكان فلسطين ، أعداد لو نظرنا لها نظرة فاحصة وبعيدا عن الأرقام والإحصاءات، لان كثيرا من هذه الأرقام لا تعمل إلا على وجع الرأس على الرغم كون هذه الإحصاءات مؤشرات هامة لتوضيح وبيان حقيقة أية ظاهرة ، حيث تشاهد القلة القليلة جدا من الأطفال من أبناء بعض الأسر الميسورة الحال بشكل أو بآخر يلتحقون بمراكز تعليمية أو نوادي لاكتساب مهارة ما وهو ما نأمله لجميع الأطفال الذين هم شباب المستقبل وبناته ، إلا أن الكثير من هذه المراكز هي مراكز استثمارية وتتقاضى رسوما عالية تعجز الغالبية العظمى من الأطفال عن تسديدها إذا علمنا أن السواد الأعظم منهم هم من أبناء الأسر الفقيرة ، وأبناء الطبقة العاملة التي أعياها الحصار والبطالة حيث تتقدم الأوليات ويصبح الالتحاق بمراكز التدريب أو الأندية من قبيل الكماليات التي لا ضرورة لها ، فين حين يتوفر البديل ، وهو الشارع الذي يستقبل معظم الأطفال ، ليبدأ تعليمهم الأخلاق الغير حسنة والسلوك الغير قويم ,
آلاف الأطفال أرى هذا حالهم ، ولكن أيضا هناك منهم ما تراه يحاول رغبة منه أو دفعا لان يتحمل أعباء ما كان له أن يتحملها في هذه السن لولا ضنك العيش ، أنهم أطفال تراهم في كل مكان ، في الأسواق ، وفي الشوارع ، وعلى شاطئ البحر ، فهذه مجموعة من الأطفال تراهم يتناقلون بسرعة ويتقافزون بين السيارات في الشوارع الرئيسية بهدف بيع شيء صغير، لا ادري كم هو عائد هذه العملية من البيع عندما يمسك طفل بعلبة من البسكوت لا تتجاوز قيمتها ثلاث شواقل ويقوم ببيع محتوياتها ، أو يحمل بعض علب الورق الصحي وهكذا ، إنها عملية تسول لا أكثر ولا اقل ، يجد الطفل الذي يمارسها قد وضع قسرا فيها تحت ضغط من والدية بسبب الفقر الذي أصبح سيفا مسلطا على رقاب الناس والعباد ، وهذا طفل آو عدد من الأطفال يصرخون في وسط الازدحام ينادون لبيع سلعة ما وآخرون وآخرون .
إنني أرى في هؤلاء الأطفال قد أصبحوا رجالا في غير أوانهم ، يتحملون وزر ظروف وطنهم ، ويأتي هذا التحمل في معظمه دفعا من أسرهم ومن ذويهم ، لان المهم هنا هو الكسب بأي طريقة دونما النظر إلى مستقبل هذا الطفل الجسماني والثقافي والتعليمي والأخلاقي .
قد يقول قائل ما العمل أو ليس قيام الطفل بهذه الأعمال أفضل له كثيرا لقضاء وقت إجازته ، واعرف قناعة العديد من الأسر ، وانأ هنا ليس ممن يسبحون ضد التيار فليس بمقدوري إصلاح الكون ولا املك غير قلمي فهو وسيلتي في التعبير ، فربما بالكلمة الطيبة التي نسعى إليها ، فالأطفال هم زهرات هذا المجتمع ، ومن حقهم أن ينعموا بطفولتهم ، لان الأعباء الواقعة عليهم قادمة لا محالة ، وربما لا أوجه اللوم على أسرهم فظروف الحياة القاسية لا تخفى على احد خاصة في قطاع غزة ، ولكن أوجه اللوم إلى الذين يقع على عاتقهم وواجبهم حماية الطفولة، إلى المؤسسات الرسمية والمؤسسات الأهلية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين .
فعلى سبيل المثال نسأل لماذا أوقفت وكالة الغوث برنامج العاب الصيف الذي كان يستوعب معظم الأطفال ، ونسأل أين المخيمات الصيفية الفاعلة والهادفة المنظمة من الجهات الحكومية ، ولماذا نرى الانخفاض الواضح في تمويل المخيمات الصيفية التي تنظمها مؤسسات المجتمع المدني ، وعندما تسال يأتيك الرد المتوقع والسريع انه التمويل الذي لا يفي بالحاجة، علما انك يمكن أن ترى الكثير من المظاهر و المناسبات ،ولا أريد هنا تسميتها فهي ظاهرة للعيان ولكل من أراد يتم الإنفاق عليها ببذخ
اعتقد أن العديد من المؤسسات الدولية المانحة وربما بتوجيه من أعدائنا باتت تخشى الطفل الفلسطيني ، هذا الطفل الذي رفع أول حجر في وجه اعتي ترسانة عسكرية في منطقتنا، والطفل الذي تسلق الدبابات الإسرائيلية ، وواجهها بصدره العاري الصغير ، هو طفل لا بد من خشيته .
إن ردنا إن صحت توقعاتنا هو سؤال ما الذي دفع الطفل الفلسطيني للخروج والتصدي ، انه الظلم الذي لم يترك مجالا للصغار والكبار ، ظلم العالم الذي يدعي انه متمدن يسعى إلى احترام الحقوق بكل أنواعها ومن بينها حقوق الطفل .
على أي حال يجب علينا اللحاق بأطفالنا لإعدادهم إعدادا جيدا يليق ببلادنا ومستقبلها، وان هذا لا يأتي إلا بتضافر الجهود بدأ من الأسرة ثم المجتمع ، وعلى مؤسساتنا الرسمية والأهلية بذل المزيد من الجهد لنصرة هؤلاء الأطفال بتوفير بعضا من احتياجاتهم .
أكرم أبو عمرو
غزة- فلسطين
21/6/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت