أستهل مقالتي هذه بما جاء بمقالة كاتبنا الكبير فهمي هويدي "للثورة وليس للإخوان" في محاولته إماطة اللثام عن محاولات البعض برسم صورة مضللة مخادعة للأزمة الراهنة في مصر على اعتبار أنها اشتباك بين المجلس العسكري و"الإخوان المسلمين"، والمحاولة الخبيثة الماكرة لتعطيل مسيرة ثورة 25 يناير، من خلال تنصيب ولاية العسكر قسراً، وأن نظرة المجلس العسكري تجاه السلطة المدنية التي يوافق على تنصيبها واستلامها زمام مصر لن تخرج عن إرادة المجلس العسكري، وأنها ستكون مجرد أداة تنفيذية لها!!!.
سؤال خطير وكبير قد يتبادر للأذهان بعد تلك المقدمة: ما الهدف الذي يرمي إليه المجلس العسكري بما أصدره من قرارات أغضبت الشارع المصري وأزعجت النخبة السياسية والثقافية المصرية الوطنية وزرعت الشك في صدورهم!!؟.
لا أدعي البتة بأنني كاتب مُلمّ بخفايا ما يجري في مصر هذه الأيام، كما ولا أضع نفسي بما أكتبه في كفة توازن كفة ما يكتبه كاتب كبير كفهمي هويدي له من المصادر ما يستقي منها تحليلاته، غير أن عروبتي التي دفعتني لعشق مصر، وإيماني بدورها العروبي الكبير، ولتحسس وتلمس حجم الكارثة التي مرت بمصر طيلة عقود حكم مبارك، وأملي بثورة 25 يناير التي انفجرت لتنهض بمصر وتأخذ بيديها لدور ريادي - عربيا وأفريقيا ودولياً-، ذاك كله من جانب، ومن جانب آخر، ولأنني قارئ نهم ومتابع جيد لأحداث مصر، فإن كل تلك الأسباب تدفعني دفعاً كي أدلي بدلوي، مشاطراًً وجهة نظر الكاتب الكبير فهمي هويدي تلك، ولأزيد من قصيدة شعره بيتاً أو بيتين، بالقول بأن نظام مبارك لم ينته بعد، وأن إعادة صياغته تجري على قدم وساق، من أجل أن تبقى أوضاع ما قبل الثورة على حالها خدمة للأجندة الأمريكية الصهيونية التي هيمنت على سياسة مصر وكبلتها بقيود كثيرة طيلة ثلاثة عقود منصرمة، وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية ليس ببعيد عن تنفيذها!!.
لقد منح نظام "حسني اللامبارك" الفاسد المخلوع "إسرائيل" أكثر مما كانت تنتظره وما أتفق عليه بمعاهدة كامب ديفيد سيئة الصيت وما لم يندرج في بنودها، ولم يكن المشير محمد حسين طنطاوي ببعيد عما يجري هناك، بل كان شاهداً رئيسياً ومشاركاً فاعلاً في كل ما سيـُدرج أدناه:
أولاً ... حقيقة سيادة مصر المنقوصة في سيناء:
1- لقد تجاهل ذاك النظام الفاسد المتواطئ أرض سيناء المعطاء المحررة، كما وجردها من كل مقومات الحياة وأهملها وأفرغها من كل معاني السيادة الوطنية المصرية الحقـّة كي يحمي أمن وحدود الكيان الغاصب، يضاف لذلك هيمنة ومصادرة صهيونية على سيادة مصر هناك والعبث بأمنها القومي من خلال عجز قيادة الجيش المصري من تعزيز قواتها في سيناء ولو بكتيبة واحدة تعدادها 400 عسكري أو حتى تحريكها إلا بعد استحصال موافقة مسبقة الكيان الصهيوني!!.
2- الخدمة الكبرى التي قدمها نظام مبارك للعدو الصهيوني طيلة العقود الثلاثة، والتي تمثلت بإسقاط الكيان الصهيوني من حساباته وخطط رده العسكري لاحتمالات التهديد المصري له، مما دعا الكيان الصهيوني إلى تقليص عدد قواته العسكرية وإجراء تخفيض لجيل الإعفاء من عمليات تجنيد الاحتياط والزج بهم في المزارع والمصانع لتقوية أسس اقتصاده!!، فتحقق بذلك للعدو الصهيوني فرصة تخفيض ميزانية الأمن وتخصيص موارده الاقتصادية بالتالي بشكل أكثر إلى أهداف اقتصادية واجتماعية!!، مما خلق جواً من الراحة والسكينة والهدوء على الجبهة المصرية، كما وأتاح للعدو الصهيوني فرصة نادرة تمثلت بجعل مناوراته العسكرية تخصص بالكامل لاحتمالات مجابهة جبهته الشمالية المتمثلة بسوريا وحزب الله والجنوبية المتمثلة بحماس!!.
3- تسهيلات النظام المصري التي قدمت للكيان الصهيوني، والمتمثلة بالسماح لزوارقها الحربية وطيلة سنتين متواصلتين من حصار غزة لتسييرها في قناة السويس لمراقبة ومحاربة عملية نقل الأسلحة من السودان إلى قطاع غزة، حسبما ورد بمقال للكاتب الصهيوني"عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس"!!.
ثانياً ... مساندة نظام مصر اقتصاديا للكيان الصهيوني من خلال صفقة مريبة منح فيها الغاز المصري للكيان الصهيوني بنحو 40% من حاجته بسعر بخس لا يكاد يغطي كلفة استخراجه، مما ضيع على مصر مدخولاً قومياً كبيراً، كما حقق للكيان الصهيوني نحو ملياري دولار جراء بيعه الغاز المصري داخل الكيان الغاصب، ونحو مليار دولار عن تزويد الكيان الصهيوني للغاز المصري للمناطق الفلسطينية حسبما جاء بصحيفة يديعوت أحرونوت!!.
ثالثاً... تقزم دور مصر عربيا وأفريقيا ودولياً:
1. لطالما وصف نظام مبارك بأنه كان كنزاً استراتيجياً للكيان الصهيوني بشهادة المحللين السياسيين والعسكريين الصهاينة!؟، ولا يخفى على أحد كيف أن تداعيات "سلام كامب ديفيد" قد جعلت من حيادية مصر وخروجها من دائرة الصراع العربي الصهيوني جسرا دبلوماسياً واقتصاديا وثقافيا لتل أبيب مع دول الشرق الأوسط عموماً وأفريقيا خاصة!!. كما وترك الحبل على الغارب للكيان الصهيوني كي يعبث بأمنها القومي وأمام ناظري مصر من خلال التغلغل الصهيوني في قارة أفريقيا حتى تفتت السودان إلى دولتين كان للكيان الصهيوني القدح المعلى لدى دولة السودان الجنوبية المستحدثة!!.
2. لقد ساهم نظام مبارك بتشديد الحصار على أبناء غزة من خلال إقامته للجدار الفولاذي بين مصر وغزة، وعرقل دخول قوافل المساعدات الإنسانية لها وضيق عليها الخناق.
فهل بعد كل هذه المكتسبات الصهيونية التي جناها من نظام مبارك، سيُسْمَحَ لمصر العروبة بعد ثورة 25 يناير أن تفلت هكذا بمنتهى البساطة واليسر من قبضة الولايات المتحدة الأمريكية!؟، ثم وهل يعقل أن تفرط الولايات المتحدة الأمريكية بمكسب خروج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني، وفقدانها لدوري الريادي العروبي!!؟.
لقد رافق المشير طنطاوي رحلة مبارك السياسية والاقتصادي والاجتماعية في مصر سنوات طوال، وكان أميناً مؤتمناً على سياسة الاستخفاف التي مارسها مبارك بحق شعبه، شاهداً على جوع أبناء مصر وفاقتهم وسياسة تكميم أفواههم، فلم نلمس للمشير يوماً معارضة لسياسات النظام السابق "الداخلية أو الخارجية" ولو بكلمة واحدة، برغم حجم الفساد والظلم الذي لحق بشعب مصر جراء ممارسات النظام المصري السابق الذي كبـّل طاقات مصر وأهدر فرص نهضتها وانعتاقها، والتي تسببت بضياع دور مصر وتقزمها عربيا وإقليمياً ودوليا!!، في وقت كان المشير طنطاوي محط رعاية خاصة واهتمام من لدن الرئيس المخلوع اللامبارك، فلقد عين قائدا عاما للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع في عام 1991 وبرتبة فريق، وما هو إلا شهر واحد حتى صدر قرار بترقيته إلى رتبة الفريق أول، وبتاريخ 4 أكتوبر سنة 1993 أصدر المخلوع اللامبارك قرارا جمهوريا آخر بترقيته إلى رتبة المشير ووزيرا للدفاع والإنتاج الحربي، وبتاريخ 11 فبراير 2011 "وهو تاريخ خلع مبارك من الرئاسة" تبوأ المشير طنطاوي رئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية!!.
لقد آثر المشير محمد حسين طنطاوي السكوت والسير جنب "الحيط" وعدم الاعتراض إزاء انتهاك السيادة المصرية على أرض سيناء المحررة من رجس الاحتلال الصهيوني، حيث استمرت "إسرائيل" تتحكم بمقدرات سيناء وأفقدت مصر سيادتها على أرضها هناك، وخير دليل على ذلك عدم قدرة الجيش المصري من تعزيز قواته على تراب سيناء إلا بموافقة صهيونية مسبقة، بسبب اتفاقات كامب ديفيد التي وقعت في عهد السادات، والتزم بتنفيذها حسني اللامبارك وزاد عليها، والتزم جانب الصمت حيالها وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة المصرية!!.
لقد كان أمراً بديهياً وطبيعياً أن يبادر المشير طنطاوي بإرسال رسالة التطمين التي فضحتها جريدة معاريف قبل أيام إلى حكومة تل أبيب عبر المحامي يتسحاق مولخو (المبعوث الخاص لرئيس حكومة الكيان الصهيوني) والتي أكد فيها بأن نتائج الانتخابات المصرية لن تؤثر على العلاقات المصرية الصهيونية في جميع الأحوال!!، بما يعني بقاء حال مصر على ما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير!!، كما ولقد كشف "نيكوس ريتسوس"، أستاذ العلوم السياسية المتقاعد في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة، عن تفاصيل ما أسماه "المخطط الأمريكي لإجهاض الثورة المصرية بالتعاون مع المجلس العسكري الحاكم في مصر"، حيث تحدث الكاتب عن وجود شراكة بين المجلس العسكري في مصر والولايات المتحدة والكيان الصهيوني من أجل إعادة إنتاج نظام "مبارك" بمسميات تتلاءم مع الربيع العربي، مشيرا إلى أن المرشح لانتخابات الرئاسة المصرية أحمد شفيق هو الخيار الاستراتيجي الجديد للولايات المتحدة والكيان الصهيوني بالشراكة مع المجلس العسكري مجتمعين وفرادى!!.
رب قارئ كريم سينبري لي ليقول، بأن المجلس العسكري كان مضطراً لا مخيراً للاستجابة لـ "تخوفات وقلق!!" الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني من سقوط نظام مبارك، وضرورة الإسراع بإعادة إنتاج نظام شبيه بنظام مبارك لجملة أسباب لعل أهمها على الإطلاق بأن مصر ستغدو بلا غطاء لو قررت الولايات المتحدة الأمريكية وقف تزويد الأسلحة المصرية بالعتاد وقطع الغيار اللازمة، لاسيما وأن معظم السلاح المصري هو أمريكي المنشأ، فأرد على القارئ الكريم قائلاً، وذاك لعمري خطأ كبير وجرم عظيم يتحمل وزره القادة العسكريون أيام حكم مبارك، حين كبلوا إرادة مصر هكذا وسلبوها حرية ممارسة الدفاع عن نفسها إذا ما طرأ طارئ هدد مستقبلها وأمنها القومي!!!.
حمى الله مصر وشعبها، وحفظها من كل سوء، وأعان لأبناءها البررة لتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم في أن تعود مصر لريادتها العربية والأفريقية والدولية كما تستحقه.
المجد والخلود لشهداء مصر الأبرار.
سماك العبوشي
23/ حزيران/ يونيو / 2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت