الإسلاميون والانتخابات...!

بقلم: د.كمال الشاعر


بقي الوطن العربي يَرزح تحت حكم (العلمانية والاشتراكية...إلخ)، منذ سقوط الخلافة العثمانية في يوم الاثنين 3 مارس 1924، بعدما أعلن مصطفى كمال أتاتورك قيام الجمهورية التركية، وبذلك طُوِيَت صفحة بدأت مسيرتها منذ وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وأقام أول دولة إسلامية لتستمرّ بعد وفاته حاملة أسم الخلافة لتكون رمز وحدة الأمة الإسلامية وراعية شئونها الدينية والدنيوية، فلم يكن للمسلمين جنسية إلا هي ولا عرفوا دولاً قومية، ولا انضووا تحت رايات جاهلية حتى احتلّ الغربيون معظم البلاد الإسلامية، وعملوا على إزالة هذا الرمز الّذي يمثّل قوة المسلمين حتى في حالات الضعف التي آل إليها في القرون المتأخّرة...

إلى أن جاء العقد الأخير من القرن العشرين وبدأت مسيرة الديمقراطية الوضعية والتي حاول من خلالها بعض الزعماء العرب خلق برلمان يُمثل كافة أطياف الأمة على مقاس الديمقراطيات الحديثة، إلى أن جاء الحدث الجلل والمدوي؛ الذي هز كل أركان دُعاةِ العلمانية في جميع أنحاء العالم، فبعد أن كان الإسلام هو مصدر التشريع لنظام الدولة في الدساتير الوضعية، أصبح الآن ينافس بعض النظريات الحديثة التي تنادي بالديمقراطية؛ التي كانت متربعة على أعلى هرم السلطة مدة سبعة عقود؛ والتي توجت في النهاية بحكم حركة حماس - المنبثقة عن جماعة الأخوان المسلمين- في قطاع غزة، التي استطاعت أن تحوز على ثقة الناخب الفلسطيني وتحصد أكثر من ثُلتي مقاعد المجلس التشريعي وتشكل أول حكومة ذات خلفية أسلامية وبذلك يصبح الإسلام السياسي يضع أولى لبنات الخلافة الإسلامية من جديد؛ ولكن هذه المرة على غرار الدولة المدنية وليس على غرار النظام الإسلامي التقليدي الموجود في بعض الدول الاقليمية.

فقبل ذلك استطاع الامام الشهيد/ حسن عبد الرحمن البنا أن يؤسس جماعة إسلامية تأخذ على عاتقها إحياء الخلافة الإسلامية وتحافظ عليها من الذوبان في بحر العلمانية الحديثة؛ والتي أرسى دعائمها أتاتورك.

ففي عام 1928م استطاع الشهيد البنا أن يؤسس جماعة الإخوان المسلمين؛ ومنذ ذلك التاريخ أخذت الجماعة تشق طريقها إلى أغلب ربوع الوطن العربي من المحيط إلى الخليج؛ ومن ثم إلى جميع أنحاء العالم، واستطاع تلاميذه من بعده أن يصلوا عن طريق صناديق الاقتراع إلى قُبب البرلمانات العربية والإسلامية، من باكستان شرقاً إلى موريتانيا غرباً.

فكما ذكرنا تعتبر تجربة حركة حماس هي الحالة الوحيدة التي استطاع الإسلام السياسي أن يتربع من خلالها على سدة الحكم في قطاع غزة، وبذلك تكون جمهورية مصر العربية بعد فوز المرشح الاستاذ الدكتور/ محمد مرسي بالانتخابات الحالية، هي ثاني دولة يصل فيها مرشح جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم؛ لكن هذه المرة إلى أعلى هرم السلطة؛ وبذلك تكون رؤية الإمام الشهيد قد تحققت باتجاه أُستاذية العالم، وأن الخلافة الإسلامية ستعود مرة أُخرى في ثوب جديد؛ لكن هذه المرة في المهد والتأسيس وتصبح بذلك مصر أول دولة عربية يحكمها رئيس ذو خلفية راديكالية إسلامية.
• رفح في 23/06/2012


الكاتب والمحلل السياسي
أ.د. كمال محمد الشاعر

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت