مسامير وأزاهير 295 ... رسالة مفتوحة للرئيس محمد مرسي!!!.

بقلم: سماك العبوشي


بسم الله الرحمن الرحيم ... "إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ"... (آل عمران:160). صدق الله العظيم.
سيادة الرئيس محمد مرسي المحترم...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بادئ ذي بدء أبارك لكم النصر الذي هيأه لكم رب العزة والجلال في معركة الحفاظ على مصير الثورة ودحر بقايا نظام مبارك المخلوع، متمنياً على الله العزيز القدير أن يمتعكم بوافر الصحة، وأن يمنحكم القوة وسداد الخطوة وقوة الإرادة لخدمة مصر الثورة وأبنائها، وأن تنال أمتنا العربية المسحوقة اهتماماً يليق بها، هذا كما ولا يفوتني أن أعبـِّر لكم عن مدى إحساسي بعظم الأمانة التي ارتضيت حملها، وهول المسئولية الجسيمة التي ستثقل كاهلك وأنت تسعى جاهداً لإنصاف شعب مصر العريق الذي ناله ما ناله من فساد وظلم نظام غادر وولى.

سيدي الرئيس...
يطيب لي وأنت في مستهل حياتك الرئاسية التي اختارك لها أبناء مصر الغيارى، أن أردد على مسامعك الكريمة قصة من التاريخ عن ورع لقمان الحكيم وتعففه عن الحكم، وخشيته ألا ينصف رعاياه، لتعتبر منها وتتدبر أمرك، حيث قيل وأقتبس نصاً: "نودي بالخلافة قبل داود فقيل: له يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين الناس؟ قال لقمان: إن أجبرني ربي قبلت، فإني اعلم انه إن فعل ذلك أعانني وعلـّمني وعصمني، وان خَيّرني اخترت العافية، ولم أسأل البلاد. فقالت الملائكة: ولمَ يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاه الظلم من كل مكان، فيُخذل أو يُعان. فإن اخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلاً فهو خير من أن يكون شريفاً ضائعاً، ومن يُخَيّر الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا، ولا يصيب الآخرة"... إنتهى الاقتباس.

سيدي الرئيس ...
لقد حققت الثورة المصرية نصرا عظيما مؤزرا تمثل بفوزك، وهو تالله لانتصار كبير سيكون له بإذن الله تعالى - إن خلصت النيات- أعظم الأثر في انتشال مصر مما نكبت به طيلة العقود الثلاثة المظلمة لنظام مبارك، وإنني تالله وبالله لأكاد أسمع دقات قلوب الكثير من أشقائنا المصريين وهي تخفق هلعاً مخافة مستقبل قادم، فيما لسان حالهم يردد، "اللهم ولّ علينا خيارنا ولا تولّ أمرنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا"، فكن لهم سيدي الرئيس أبا حنوناً وأخا عطوفاً وصديقاً صدوقاً قبل أن لهم قائداً وحاكماً، وتذكر على الدوام، صباح مساء، بأنك مدين لصبر هذا الشعب العظيم ويقظته وفطنته وتضحياته وإصراره على هزيمة الفساد والظلم، فوالله الذي لا إله إلا هو، ما كان لفوزك هذا أن يتحقق لولا أصوات الملايين من المصريين الشرفاء "من خارج تنظيم الإخوان المسلمين" الذين أحسوا بأن ثورة 25 يناير ستسرق من أيديهم لو أن كفة "أحمد شفيق" قد ثقلت ومالت، فرد بالله عليك دَيْنَ من والاك وآزرك وحمى ثورة مصر!!.

سيدي الرئيس ...
تذكر دوماً عطاء الشهداء الأبرار من ثوار 25 يناير، الذين لولا دماؤهم وتضحياتهم ما كنت الآن في موقعك الرفيع هذا، وهو موضع ستـُسْألُ عن تبعاته يوم القيامة إن لم تحذر الهفوة وتتجنب الزلل والنسيان، ولقد آن أوان سداد دينك لهؤلاء الأبرار وأسرهم الكريمة الذين فجعوا بهم، فتبدأ وعلى الفور بتنفيذ وعدك لهم بالقصاص العادل من قتلة الشهداء ورعاية أسرهم وعلاج المصابين داخل مصر أو خارجها وعلى نفقة الدولة المصرية.

سيدي الرئيس...
إعلم - رعاك الله وسدد خطاك - أنه:
أولاً ... قد قيل، وما أكثر ما قيل وجرى على لسان الكثيرين من الشرفاء المصريين، بأن الإخوان المسلمين قد خسروا تعاطف الكثيرين من أبناء شعب مصر في المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية "وذاك ما أوضحته نتائج التصويت تلك بشكل جـَليّ لا غبار عليه!!"، وأن ذاك مرده تقاعس حزب الحرية والعدالة عن نصرة الثورة من أجل مصالحه الذاتية الضيقة!!، ولقد أدرك بقايا النظام السابق تلك الحقيقة المؤلمة فلملموا شتاتهم واستجمعوا قواهم الخائرة والمهزومة ليقارعوا مرشحي الثورة في معركة الرئاسة في جولتها الأولى، وتمكن مرشحهم الرئاسي من التأهل لجولة الإعادة معك وبالمرتبة الثانية، فأدرك قادة حزب الحرية والعدالة تلك الحقيقة من رصيد أصوات ما حصلت عليها في الجولة الأولى، وأن نتائج جولة الإعادة لن تسرهم وستخرج من أيديهم إن لم يتم تدارك الأمر سريعاً، فكان قرار قيادة حزب الحرية والعدالة التشاور مع القوى والحركات الثورية المصرية، وإعطاء الضمانات والتأكيدات على مدنية الدولة وإشراكهم بالسلطة وعدم الاستحواذ عليها، فكان قرار القوى والحركات الثورية المصرية الالتفاف حولك في جولة الإعادة "رغم كل التحفظات تجاه حزبكم" باعتبارك الخيار الأخير لإنقاذ الثورة!!.
فماذا أنتم فاعلون إزاء هذه الحقائق الساطعة!؟، ثم كيف ستزيلون تلك الهواجس والمخاوف التي أبدتها القوى الثورية المصرية!!؟.
ثانياً... قد قيل وتردد بأنك كنت قد خسرت قطاعا كبيرا من أصوات الأقباط في جولة الإعادة من سباق الرئاسة، لفزع أصاب قلوبهم مما رددته بعض وسائل الإعلام وحفنة من الكتاب والساسة عن دولة دينية لا مدنية يسعى لها مرشح الإخوان لو تم له الفوز بالرئاسة، فكان من نتيجة تلك النقاشات الدائرة اصطفاف الكثير من الأقباط مرغمين إلى جانب أحمد شفيق رغم ما يمثله من نظام سامهم سوء العذاب والإنكار والجحود!!.
فما خطواتك لتبديد تلك المخاوف والهواجس القبطية!؟.
ثالثاً ... وبرغم إعلان فوزك، فإن الكثير من القوى والحركات الشبابية الثورية مازالت مستمرة في الاعتصام في ميدان التحرير، ولحين تحقيق جميع مطالب الثورة المتمثلة في عودة البرلمان وإلغاء "الإعلان الدستوري المكمل" وتسليم السلطة لك بكامل صلاحياتك الدستورية، فلا تـُشِحْ بالله عليك بوجهك عن هؤلاء المصريين الشرفاء الأماجد الذين آزروك بالوصول لمقعد الرئاسة، ومازالوا يصرون على استكمال خطوات نجاح الثورة وبلوغها مأمنها وآخر أشواطها!!.
رابعاً... أما وقد انتهى السجال والصراع على مقعد الرئاسة، فلقد آن الأوان لترجمة شعار حملتك "نهضة مصر" إلى أفعال تهز الفساد في مصر وتقتلع جذوره، وتذكر على الدوام:
1. بأن مصر أكبر من أي حزب أو فصيل، وأن نجاة هذا البلد العريق وانعتاقه من سيطرة شبكات الفساد والمصالح لن يتأّتى إلاّ باصطفاف وطني حقيقي وتوحيد الجهد في عملية بناء مصر.
2. أن نهضة مصر الحقيقية لن تتحقق إلا بتحقيق أهداف الثورة الكبرى وفي مقدمتها تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية تكفل للمصريين جميعهم الحصول على حقوقهم الأساسية من تعليم وصحة وسكن ملائم وتوزيع عادل للثروة وحرية عبادة ومعتقد في ظل صحافة حرة وإبداع فن ملتزم لا مبتذل.
3. أن شرعيتك إنما تـُسْتـَمَدُ من ميدان التحرير ومن ثوارها الذين واصلوا الليل بالنهار اعتصاما هناك ودعما لك، فلا تخيب ظن هؤلاء ولا تحبط آمالهم.
4. عليك مسئولية جسيمة تتمثل بإزالة الوهم المترسب في أذهان من صوت لغيرك خوفاً من تطلعات واستئثار حزب الحرية والعدالة، وأن تبرهن لمن آثر الجلوس على "الكنبة" متفرجاً دون أن يدلي بصوته لأحد منكما بأنه قد جانبه الصواب بعزوفه عن التصويت لك في حينها!!.
خامساً... وكما أن لشأن مصر الداخلي عليك حقاً وواجباً وطنياً وشرعياً، فإن للعروبة وأشجانها حقاً قومياً وشرعياً عليك أيضاً، فمذ رحيل الزعيم القومي جمال عبدالناصر "رحمه الله" عن هذه الدنيا، فإن مصر قد تقوقعت على نفسها وفقدت ريادتها للأمة العربية، كما وتقزمت أفريقياً ودولياً، بعدما صارت أوراق مصر بمتناول يد الولايات المتحدة الأمريكية، هكذا شاء أنور السادات، وهكذا ارتضى حسني اللامبارك، وقد آن الأوان كي تعود مصر لسابق مجدها وعزها، لتدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، هذا كما وأحذركم من محاولات قيام الولايات المتحدة الأمريكية بجس النبض ودراسة إمكانية حتمية التغيير السياسي بالداخل والخارج، فلقد حذر "روبرت ستالوف" - مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى- من التقليل من قدرات الإخوان المسلمين على التأثير في التغيير السياسي بالداخل والخارج، ونصح الإدارة الأمريكية بدراسة كيفية تأثير سياساتك المستقبلية في مصالح الولايات المتحدة بشكل حاسم !!.
فماذا أنتم فاعلون!؟، وهل ستبقى أوراق مصر ومستقبل أجيالها ونهضتها بيد الولايات المتحدة الأمريكية!؟، وهل يرضيكم بقاء مصر مقزمة هكذا!!؟.
سادساً ... قد تكون التحديات الداخلية الكبيرة في مصر تؤرق منامك وتشغل بالك، وأنك قد وضعتها في صدارة أولوياتك، وهذا أمر منطقي ونقدره لك، فالواجب يقتضي إصلاح الدار أولاً، إلا أنني أحذرك وأنبهك وأسترعي انتباهك بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستتربص بك وتدرس وتراقب خطواتك العربية والأفريقية، وذاك لعمري ما كان قد أوضحه "روبرت ستالوف" حين رفض المبالغة في تقدير الآثار الإقليمية المترتبة على انتصارك وفوزك بالانتخابات الرئاسية، مستبعدًا أن تبدأ مصر في استعراض عضلاتها في سياسات الشرق الأوسط، وفي قضية عملية السلام لبعض الوقت، لكنني أطالبك وباسم كل العرب الشرفاء الوطنيين الطامحين الحالمين بدور قومي عروبي مصري في فترة رئاستك هذه، بأن لا تنسيك هموم الداخل المصري دور مصر القومي، وأستحلفك برب العزة الذي تعبده وتخافه بألا تخيب ظننا بك، ولا تجعل فرحتنا نحن العرب بانتصارك تتبخر بتقاعسك عن نصرة قضايا أمتك العربية!!.

مسك ختام رسالتي...
يقول الله في محكم آياته: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْض"... (سورة الرعد: 17).
عاشت مصر حرة عربية.
المجد والخلود لشهدائها الأبرار.
والله أكبر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المواطن العربي
سماك العبوشي
27 حزيران / يونيو / 2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت