من قتل القائد عرفات ؟

بقلم: صلاح صبحية

ما أذاعته الجزيرة حول اغتيال القائد عرفات ليس بعموميته خبراً جديداً ، وإنما هو تأكيد لحالة مؤكدة داخل وجدان الشعب العربي الفلسطيني ، وهي أن ّ القائد عرفات تم اغتياله في المقاطعة ، وبعيداً عن مغزى التوقيت الذي تريده الجزيرة والذي جاء بعد انقضاء اثنا عشر عاماً على مؤتمر كامب ديفيد ، فإننا نجد أنفسنا متفاعلين مع تقرير الجزيرة بكل تفاصيله ، وما دام تقرير الأطباء والعلماء والخبراء السويسريين قد وصل إلى هذه النتيجة الحقيقة ، وهي أن القائد عرفات قتل مسموماً بمادة البولونيوم ، هذه المادة التي تملكها ثلاث جهات ، الولايات المتحدة الأمريكية ، العدّو الصهيوني ، روسيا ، ومن المؤكد أنّ من أراد التخلص من ياسر عرفات هو العدّو الأمريكي الصهيوني ، وذلك بدءاً من كامب ديفيد – تموز 2000 ، ومروراً بانتفاضة الأقصى ، وانتهاءًً بحصار عرفات في المقاطعة ، فصاحب المصلحة الرئيسة في التخلص من عرفات هم أعداء عرفات ، ياسرعرفات الذي ما فتـأ يردد من داخل المقاطعة ومن داخل الحصار ( عالقدس رايحين .. شهداء بالملايين ) ، هذا الشعار اليومي للقائد الفلسطيني لم يطلقه عرفات على عواهنه ، إنما كان يعني ما يقول ، بعدما أرادوا أن يساوموه على القدس فأبى ألا أن تكون القدس عربية فلسطينية اسلامية ، ولذلك كانت دعوة عرفات للرئيس الأمريكي كلينتون لحضور جنازته ، فعرفات القائد صاحب النظرة الثاقبة الذي كان قد قرأ عيون عدّوه الأمريكي الصهيوني وفهم الرسالة جيداً وعرف أنّ رأسه أصبح مطلوباً ، أبى إلا أن يموت شهيداً .

إذاً عرفات مات مسموماً ، فكيف وصل هذا السّـم إلى جسم عرفات ، عن طريق الطعام ربما ، ولكن كان إخوة عرفات يشاركونه الطعام ، عن طريق الشراب ربما ، أم عن طريق الدواء ربما أيضاً ، ولكن السؤال هل من كان مع أبي عمار في المقاطعة كانوا يأكلون جميعهم من صحن أبي عمار تحديداً ، أم يشربون الماء من كأس أبي عمار ، أم كانوا يتناولون أيضاً الدواء مع أبي عمار ، وأي سؤال آخر يتعلق بكيفية وصول البولونيوم إلى داخل جسم أبي عمار لا بدّ من طرحه ، وما دام الإخوة المتواجدون مع أبي عمار لا يأكلون من صحنه ، ولا يشربون من كأس مائه ، ولا يتناولون دوائه ، فأنّ دخول البولونيوم السّـم جسم َ أبي عمار كان عن طريق الطعام أو الشراب أو الدواء ، فالبولونيوم وكما أكد الأطباء والعلماء والخبراء السويسريون لا يدخل جسم الإنسان إلا عن طريق الفم ، إذاً هناك من وضع ذرة البولونيوم في صحن أو كأس أو دواء أبي عمار .

هل دخل شارون وموفاز إلى المقاطعة ووضعوا السـّم لأبي عمار ، وهل دخل أي صهيوني المقاطعة وفعل فعلته ثم خرج وكل من في المقاطعة نيام ، أم إنّ الفاعل هو من داخل المقاطعة ومن المقيمين مع أبي عمار ، وهو من المقربين جداً من أبي عمار ، فجريمة اغتيال أبي عمار تمت آخر فصولها في المقاطعة ، فمن هو الشخص الذي لعب هذا الدور ، ومن هو الشخص الفلسطيني الذي له مصلحة بالتخلص من أبي عمار ، فثمة شخص فلسطيني ذو مكانة هامة له مصلحة في اغتيال أبي عمار ، مصلحة سياسية أم مصلحة مالية أم مصلحة شخصية ، أم أنّ تلك المصالح تجتمع في شخص واحد ليرتكب جريمته ، وربما تكون مجموعة أشخاص التقت مصالحها الشخصية معاً مع مصلحة العدّو الصهيوني فنفذت جريمة الاغتيال متعاونة فيما بينها ، ولا أعتقد بأنّ الكشف عن الشخص أو الأشخاص الذين نفذوا الجريمة معقد إلى الدرجة التي يصعب فيها معرفة هؤلاء الأشخاص .

مفعول البولونيوم السـّم يبدأ مفعوله بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع من دخوله الجسم ، حيث تظهر أعراض المرض السـّمي على الشخص المستهدف ، إذاً من هم الأشخاص الذين كانوا مع أبي عمار أو زاروه خلال شهر قبل ظهور أعراض المرض السـّمي عليه ، وأياً كانت جنسياتهم ومناصبهم يمكن معرفتهم بسهولة ، وذلك من خلال العودة إلى كل شخص كان متواجد مع أبي عمار في تلك الفترة واستجوابه، ومن خلال التأكيد على زمن دخول الدواء لأبي عمار ، ومن أوصل هذا الدواء ، ومن أين أحضره ، أو من أعطاه أياه ، ومن بدل الدواء في الطريق بين مكان مصدره والمقاطعة ، ومن وضعه في صحن أو في كأس أبي عمار ، ولكنّ الاحتمال الأرجح دخول السـّم جسم أبي عمار عن طريق الدواء ، وربما هناك شخصيات أجنبية قامت بأدوار محددة في عملية اغتيال القائد عرفات ، فعلينا ألا نخشى نتائج التحقيق في اغتيال ياسر عرفات .

ويجب علينا أن نقول شكراً لقناة الجزيرة التي تابعت موضوع اغتيال أبي عمار وبغض النظر عن دوافعها ، لأنها مارست الدور الذي تقاعست عنه القيادة الفلسطينية بالكشف عن جريمة اغتيال القائد الرمز أبو عمار ، ويجب أن يكون ما فعلته الجزيرة رسالة واضحة للقيادة الفلسطينية بكل مستوياتها ومؤسساتها ومؤشراً لردم بؤر الفساد الموجودة في الجسم الفلسطيني الرسمي والتخلص من الوهن الفلسطيني ، لأنه مهما طال الزمن سيأتي اليوم الذي تنكشف فيه الحقائق ، فلا يظنن أحد في موقع المسؤولية بأنه قادر على الاختفاء والتواري عن الحقيقة ، فشمس الحقيقة ستسطع في لحظة لا يمكن توقعها ممن يخفيها ، فالسؤال الموجه إلى القيادة الفلسطينية في منظمة التحرير وفي حركة " فتح " ، من اغتال القائد الفلسطيني الرمز أبي عمار ، فهل تبادر القيادة العملَ على كشفه ؟

4/7/2012 صلاح صبحية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت