الاسير رزق صلاح من الخضر يدخل عامه العشرين

بيت لحم - وكالة قدس نت للأنباء
خلف القضبان يسطر الاسير الفتحاوي رزق علي خضر صلاح ( 49 عاما ) صفحات من البطولة تزين سفر النضال الفلسطيني لمناضل عنيد عشق الارض صغيرا فحمل رايات الوطن على مقاعد الدراسة وتابع طريقه بتحدي واصرار بعدما تحول ذلك العشق لدم يسري في عروقه فتسلل الى قواعد الثورة في بغداد ليتتلمذ على يد القائد الشهيد ابو جهاد فيحظى بوسام الانخراط في الجهاز العسكري الذي جهزه لمعركته القادمة التي خطط لها ونفذها بسرية مجسدا حبه للوطن على طريقة الفدائيين الذين غنى لهم وفخر ببطولاتهم فاصبح واحدا منهم ، وفي رحلة اعتقاله المستمر وهو يدخل عامه العشرين في الاسر ما زال يقبض على الراية رغم توالي الصدمات بعقاب الاحتلال المستمر له بشطبه من كل الصفقات والافراجات رغم انه اعتقل قبل اوسلو ، فيقول في ذكرى اعتقاله من سجنه ريمون " سنبقى الاوفياء للقيم والمباديء التي زرعها في قلوبنا المعلم الاول الشهيد الراحل ابو عمار والقائد الفذ الشهيد ابو جهاد ، قد نتعذب ونعاني في الاسر ولكن لن نحيد عن الطريق فما زلنا نؤمن بمقولة امام الشهداء ان في نهاية النفق فجر حرية فلسطين القادم ليرفع طفل او زهرة علم فلسطين فوق ماذن القدس وكنائسها ".

الصمود والامل ..
بتلك الروح صمد وقهر رزق السجن والسجان دون ان تنال من عزيمته ومعنوياته عذابات رحلة الاعتقال مستبشرا كما يقول " بأمل يتجدد كل يوم بان نحطم تلك القضبان والقيود ونعود للوطن لنواصل المشوار ورغم قضائي 19 عاما في السجون سابقى اعيش امل الحرية الذي سيتحقق لي ولكل الاسرى ولشعبنا".

ولا تختلف الصورة كثيرا لدى عائلة رزق في قرية الخضر قضاء بيت لحم فزوجته وولديه وشقيقته امنة، فهم يستمدون العزيمة والقوة منه ورغم الحزن والالم على الفراق القسري لم ولن يفقدوا الامل بتحقق حلمهم كما تقول شقيقته " بعناق رزق حرا بلا قيود فكل يوم نراه عائدا الينا ومهما مارس الاحتلال من سياسات واساليب لن نيظاس او نستسلم لان تضحيات اخي واخوانه تبشرنا بالنصر وتزرع فينا روح الايمان ان لا غرفة التحقيق باقية ولا زرد السلاسل ".

من الذاكرة ..
تنهمك امنة التي تصغر رزق بعام مع عائلتها في التحضير للاحتفاء بذكرى اعتقال شقيقها الذي يعتبر احد عمداء الاسرى وقادة حركة فتح تقديرا لصموده وتكريما كما تقول " لارادته الحرة التي لم تسلبها سنوات السجن فاخي ما زال صامدا على العهد والصورة التي جسدها بنضاله منذ صغره على مقاعد الدراسة تتكرر امامي لافخر في كل لحظة ببطولاته التي لم نعرف عنها شيئا حتى اعتقاله فاخي فدائي ستبقى فلسطين تخلد بطولاته للابد ".

امنة التي تفخر انها تنتمي لعائلة "فتحاوية مناضلة شارك كل افرادها في تأدية واجبهم الوطني في سبيل فلسطين" تقول عن رزق " في 1-5-1963 ولد رزق ليكون السادس في عائلتنا المكونة من 8 انفار ، ومنذ صغره برزت لديه روح الانتماء للوطن والوعي لقضيته ، ومثلما كان مجتهدا ومتفوقا في مدرسته حرص على تادية واجبه الوطني من خلال المشاركة في المسيرات والفعاليات الوطنية كاحياء يوم الارض والاسير ".

وتضيف " على مقاعد الدراسة كان يقود الحركة الطلابية في مواجهة الاحتلال وتعزيز روح الوعي والانتماء للوطن فالتحق في ريعان الشباب في صفوف حركة فتح ولكنه كان كتوم ولم يعرف احد عن نشاطه التنظيمي ".

طريق النضال..
برز الدور النضالي لرزق الذي تصفه امنة " بانه كان حنون وبار بوالديه مخلص وهاديء وكتوم ولكنه عنيد في سبيل الحق ومتفاني في سبيل الاخرين شارك في الاعمال التطوعية والخيرية ولم ينقطع عن مسيرة او فعالية لدعم الاسرى "، وتضيف " كان يعشق القراءة والمطالعة فامتلك وعيا كاملا بجذور القضية لذلك حرص على مقاومة الاحتلال ولم يتاخر يوما عن نشاط وطني ".

انهى رزق دراسته الثانوية في مدرسة ذكور الخضر بنجاح ثم سافر الى الاردن للدراسة ، وتقول شقيقته امنة " كان يعشق التعليم ويعتبره سلاح الوعي في مقاومة الاحتلال لذلك سافر للاردن والتحق في الكلية الجامعية المتوسطة وتخرج عام 1986 حاملا دبلوم ادارة اعمال ".

وتضيف " بعد اعتقال رزق علمنا انه استثمر فترة تعليمه لتعزيز ارتباطه بحركة فتح حتى ان سافر سرا الى معسكرات الثورة في بغداد وهناك اشرف على تدريبه في قاعدة الفدائيين الشهيد الخالد ابو جهاد الذي اعجب بحنكته وقدراته وسماته التي ميزته عن باقي اخوانه في المعسكر ".

وتكمل " كل من يعرف رزق لا يمكنه الا ان يعشق شخصيته الفريدة والرائعة وعلمنا انه حظي باهتمام ودعم الشهيد ابو جهاد الذي يعتبره رزق قدوته ومعلمه الذي تدرب عليه على فنون القتال ".

الاعتقال..
حفظ رزق السر الكبير بعد تخرجه من معسكرات الفتح في بغداد وعاد للوطن ليواصل حياته ومشوار نضاله ، وتقول امنة " لم نلاحظ أي شيء على رزق الذي افتتح محل خاص لصناعة البراويز في قريتنا الخضر وتزوج في 25/6/1988 ورزق بطفلين احمد ورمزي ، ورغم حبه لاسرته وحرصه عليها وتأمين حياة كريمة لها لم يتخلى عن تأدية واجبه لان الانتفاضة الاولى كانت في اوجها "، وتضيف " نهاره كان يخصصه للعمل والرزق ولاسرته وليله لقضيته ووطنه فكان يتسلل متخفيا تحت جنح الظلام ليقاوم الاحتلال على طريقته بصمت وسرية ".

ورغم مرور السنوات ، ما زالت امنة تحتفظ بتفاصيل الليلة الاخيرة لرزق قبل اعتقاله فجر 7-6-1993 ، وتقول " حاصرت قوات الاحتلال منزلنا واحتجزت جميع افراد العائلة وفتشت المنزل ثم اقتادوا اخي الاكبر حسين للدورية وعزلوه عنا وبعد ساعتين من المعاناة احتج ابي على ممارساتهم وطالبهم باخلاء سبيل ابنه وتحرير اسرتنا من الاحتجاز "، وتضيف " ضرب احد الجنود ابي مما ادى لكسر في قدمه ثم طلبوا من اخي رزق مرافقتهم وابلغوه انهم سيتحدثون اليه لخمس دقائق لانه مثقف ومتعلم ويعود للمنزل ".

تقبل امنة صور رزق وتقول " مرت ملايين الدقائق والساعات ولم يعود اخي الذي وضعوه في الدورية وفوجيء بهم ينقلونه الى معسكر تحقيق في الخليل ، وصبيحة اليوم التالي عاد الجنود لمنزلنا واعتقلوا ابي لمدة يوم واطلقوا سراحه بسبب الكسر ولكنهم اقتادوا رزق للتحقيق العسكري الذي استمر لمدة شهرين ".

الحكم والعقاب ..
وتقول امنة " في مركز التحقيق ابلغ الجنود رزق انه العنوان وهدف الحملة اعتقاله وتعرض لكل اشكال التعذيب والعزل ومنع من الزيارات وعشنا الخوف والقلق حتى اصدرت محكمة الاحتلال العسكرية حكمها عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة بتهمة تنفيذه عملية فدائية تمثلت بزرع عبوتين ناسفتين قرب مقر الحكم العسكري الإسرائيلي بمدينة بيت لحم وقد أدى انفجار إحداها إلى مقتل جندي إسرائيلي وجرح اثنين آخرين "، وتضيف " بشموخ وقف رزق في المحكمة ورفض طلب الرأفة واعلان الندم فلم تكتفي المخابرات بالحكم فعاقبته بكل اشكال العذاب العزل والنقل من سجن لاخر ولكنه صمد وتحدى ورفض الخنوع والاستسلام ".

العطاء والتحدي ..
لم يبقى سجن الا وتنقل بين جدرانه وزنازينه واقسامه رزق من الخليل وجنيد حتى نفحة وريمون وعسقلان ، وتقول امنة " رحلة العذاب المبرمجة لم تؤثر على اخي الذي انخرط في صفوف الحركة الاسيرة مستمرا في تأدية دوره النضالي ليشارك في كافة معاركها وليصبح من قادة ورموز الحركة الفتحاوية الاسيرة ويحظى باحترام وتقدير كافة اطياف الحركة الاسيرة ".

وتضيف " لكن محطات المعاناة بين التحقيق والعزل والظروف الاعتقالية المأساوية اثرت على وضعه الصحي واصيب بعدة امراض واجريت له خلال فترة اعتقاله ثلاثة عمليات وهي الزائدة الدودية ، وفي ركبته ، المرارة ، وحاليا لا زال يعاني من الم في الظهر شخصه الاطباء (بدسك ) مزمن ".

لوحة تحدي..
وبصمود ووفاء وقفت الزوجة الصابرة جهاد الى جانب زوجها واحتضنت ابنائهما وكرست حياتها لرعايتهم وتربيتهم وفق ما احب وتمنى والدهم ، وتقول " رغم الحزن والالم لفراق واعتقال زوجي وصدمة الحكم القاسي ابلغته في اول زيارة بفخرنا واعتزازنا به وباصراري على الوفاء له لتربية ابنائنا وانتظاره حتى يعود الينا ".

وبدعم زوجها الاسير وعائلته تجاوزت جهاد كل المحن والمصاعب والايام العصيبة ، واستمرت في توفير الحياة الافضل لضمان نجاح ابنائها ليكونوا مصدر فخر لوالدهم الذي كان يحثهم في كل زيارة على الدراسة والمثابرة والنجاح ، وتضيف ام احمد " واجهنا ايام عصيبة خاصة في ظل كبر الابناء وافتقادهم لوالدهم فقد تفتحت اعينهم على بوابات السجون واصبحت حياتهم ترتبط بمواعيد الزيارات ولكن تلك المآسي لم تؤثر على دراستهم وفي كل عام كانوا يهدون نجاحهم لوالدهم ".

وفي الوقت الذي كانت فيه ام احمد ترعى ابنائها وتدرسهم شجعها زوجها على مواصلة دراستها حتى حصلت على شهادة الثانوية العامة ، وتقول " سر نجاحي دعم وتشجيع رزق حتى كنت اشعر انه معي ومع ابنائنا لذلك التحقت بالجامعة وتخرجت من جامعة بيت لحم تخصص اساليب تدريس وخلال الحفل بكيت لانني كنت اتمنى ان يكون رزق معي في لحظة النجاح والفرح وعندما وصلت رسالة التهنئة من السجن بكيت "، لكن جهاد الزوجة جهاد لم يذهب سدى ومثلما صبرت كرمها الله بمزيد من النجاح وتضيف " رافقنا النجاح في كل خطوة احمد باكورة ابنائي (22 عاما ) يواصل السعي لايجاد عمل لمساعدتي في تحمل اعباء الحياة وابني رمزي (20 عاما) يواصل دراسته تخصص حقوق في الجامعة الاهلية وقد خطب ونصلي لله ليمن على والدهما بالفرج ليشاركنا فرحة زفافهما ومواصلة حياتنا بنجاح وفرح ".

في نفس الوقت ، اكملت ام احمد دراستها وحصلت على ماجسيتر في نخصص علم نفس ، وحاليا هي موظفة كسكرتيرة في مكتب التربية والتعليم في بيت لحم وتعمل محاضرة في جامعة القدس المفتوحة في بيت لحم ، وتتمنى ان تكمل دراستها الدكتورة ، وتضيف " كل خطوة نجاح اهديتها لزوجي الذي سنبقى اوفياء له كما عاهدته في يوم اصدار الحكم عليه بالسجن مدى الحياة ان ابقى معه مدى الحياة وكلنا امل ان يتحرر فنحن صابرون وعلمت ابنائي على الصبر لنتجاوز كل التحديات ".

رحيل الاحبة..
العائلة الصابرة ، عاشت ايام عصيبة عندما رحل اغلى الاحبة لرزق دون وداعهم ، وتقول شقيقته امنة " عاش والدي صدمات كثيرة رغم صمودهم وتأملهم بتحرر رزق خاصة بعد اتفاق اوسلو وما تلاه من صفقات وافراجات استثنت ابنهم ومن شدة الحزن والالم رحل والدي في 28/3/2000 وهو يوصينا باخي ، اما والدتي التي تنقلت على بوابات السجون ولم تتوقف عن البكاء لغيابه فقد تضاعفت معاناتها بعدما اصيبت بجلة حرمتها من رؤية وزيارة اخي علما انها الوحيدة التي كانت تزوره بسبب منع زوجته من زيارته".

وتتابع " كانت اخر مرة شاهدت فيها رزق و على سرير المرض ،حيث احضرها الإسعاف إلى السجن لرؤية ابنها ثم توفيت في 7/11/2009 وهي تردد اسمه وتوصينا به ".

صور مؤلمة ..
بعد بلوغهما سن السادسة عشرة حرم الاحتلال احمد ورمزي من زيارة والدهم ، ويقول رمزي " اقسى عقاب واجهته في حياتي منعنا من الزيارة حرمونا من رؤية ابي بذريعة المنع الامني ورغم اني افخر بصموده فانني اتمنى ان يجتمع شملنا قريبا وان يكون هذا العام اخر لحظات سجنه "، واضاف "وحدها امي التي تزوره حاليا وفي كل ذكرى لاعتقال ابي نشعر بالالم والظلم فاملنا ان تستمر الجهود حتى نعانق ابي الذي لم انام في حضنه ليلة واحدة وعشت عمري معه اسير خلف القضبان ".

وتقول ام احمد " زوجي صامد في سجنه وزرته في نفس يوم ذكرى اعتقاله واكد لي انه ما زال يعيش امل الحرية فالسجن لم يؤثر عليه وامنيتي ان يتحقق وعد الرئيس محمود عباس ويحرره وكل الاسرى ".

رسالة للرئيس ..
اما الشقيقة امنة فاختارت في ذكرى اعتقال شقيقها ان تخاطب الرئيس محمود عباس وقالت " كلنا امل ان تحقق لنا حلم عمرنا فقد صبرنا وتحملنا ولا زالنا نتمسك بالعهد وحبنا للوطن ومستعدين للتضحية في سبيله وكل املنا الثبات على قراركم وعدم العودة لاي مفاوضات او توقيع اتفاق قبل الافراج عن اخي وكل الاسرى القدامى ".

واضافت " العشرات من امهات واباء الاسرى رحلوا قبل ان تتحقق احلامهم التي اغتصبتها سجون الاحتلال وبلسان كل عائلة اسير نقول للقيادة الفلسطينية ابناءنا اهم من الاستيطان والمفاوضات فاعيدوهم لنا احرار ".

من جانبه ، قال وزير شؤون الاسرى عيسى قراقع " ان الاسير رزق يشكل نموذجا لارادة الشعب الفلسطيني ورمز للنضال الوطني الذي خط بتضحياته ملاحم ستبقى خالدة تؤكد ان السجون لن تهزم ارادة النضال".

واضاف " ان الرئيس محمود عباس يعتبر قضية الاسرى القدامى اولوية ويواصل السعي الحثيث للافراج عنهم وبدا تحرك واسع من عدة اطراف دولية لدعم مطلبه وجهوده وكلنا خلف قراره بانه لن يكون سلام ما دام رزق واسير خلف القضبان ".
تقرير/ علي سمودي