القضاء الشرعي ومكافحة الثلاسيميا في فلسطين

بقلم: براء المحسيري


ان الخطورة الناتجة عن الأمراض الوراثية التي يمكن أن تنتقل بسبب الزواج ، واستناداً إلى قانون الصحة العامة المعمول به في فلسطين ، ولحين صدور قانون الأحوال الشخصية الفلسطيني الذي يلزم بإجراء الفحص الطبي قبل الزواج ؛ فقد أصدر الشيخ تيسير التميمي تعميماً بتاريخ 11/5/2000 لجميع قضاة المحاكم الشرعية في فلسطين يلزم الخاطب الرجل قبل إبرام عقد زواجه إجراء الفحص المخبري
وذلك للتأكد من عدم حمله الصفة الوراثية لمرض الثلاسيميا ، فإذا تأكد حمله لها تلزم المخطوبة في هذه الحالة إجراء فحص مماثل ؛ فإن تأكد أنها لا تحمل الصفة الوراثية للمرض فلا حرج من إجراء عقد زواجهما ؛ لأن المرض لا ينتقل إلى النسل إلا إذا كان الأبوان معاً يحملان الصفة الوراثية للمرض ، وفي هذه الحالة يمنع إجراء عقد الزواج ، فإن أصر الطرفان على العقد يتم تسجيل محضر بذلك .
وبالفعل ، فمنذ صدور هذا التعميم لا يمكن إبرام أي عقد زواج قبل إجراء هذا الفحص الطبي ، ويسجل لأبناء شعبنا الفلسطيني وعيهم بأهمية هذا الفحص والتزامهم به وإقبالهم على إجرائه عن طواعية وقناعة واختيار
وقد حث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على انتقاء كل من الزوجين الآخر وتخيُّره ممن يحمل الصفات الحسنة - الخَلْقِيَّة والخُلُقِيَّة - ؛ كالسلامة من الأمراض والقدرة على الإنجاب ولين المحادثة وطيب المعاملة والمعاشرة ؛ لضمان ذرية متكاملة معافاة من الأمراض والعلل بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ""َتَخَيَّروا لنطفكم فانْكِحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم""
كان لهذا القرار الإلزامي دور إيجابي عظيم ، فقد أدى تطبيقه إلى خفض أعداد المرضى الجدد المصابين بالثلاسيميا من خلال خفض الولادات الجديدة الحاملة للمرض أو المصابة به ، حيث يسجل حالياً أقل من (10) عشر حالات سنوياً بعد أن كانت (40) أربعين حالة تقريباً في المجتمع الفلسطيني .
وفي اطار استكمال العمل المشترك لتخفيض عدد الولادات الجديدة بالثلاسيميا وتحضيراً لفلسطين خالية من ولادات جديدة بالثلاسيميا عام 2013 عقدت ورشة عمل تدريبية في مقر الجمعية في البيرة هذا الاسبوع والتي استهدفت القضاة الشرعيين في المحاكم الشرعية للوقوف على واقع الثلاسيميا الحالي والخطة الاستراتيجية للعام 2012 في جمعية اصدقاء مرضى الثلاسيميا ضمن البرنامج الذي ينفذ برعاية مجموعة الاتصالات الفلسطينية.
وخلال اللقاء الذي ضم ما 45 قاض شرعي اكد القائم بأعمال قاضي القضاة الشيخ يوسف ادعيس، أهمية دور القضاء الشرعي في الحد من انتشار مرض فقر الدم "الثلاسيميا"، مشيرا إلى ثقته بإمكانية جعل فلسطين خالية من المرض بحلول العام المقبل بإذن الله .
وأشار إلى أن القضاة الشرعيين ساهموا في منع ظهور إصابات جديدة بالثلاسيميا، عبر منع عقد قران حاملي الصفة الوراثية للمرض، انسجاما مع أحكام القانون، والتعميم الخاص بهذا الشأن.
ولفت إلى أهمية الورشة لتحقيق التواصل بين القضاة الشرعيين والجمعية، وقال "الجهاز التنفيذي لعدم انتشار المرض هو القضاء الشرعي، عبر منع إجراء عقد أي قران بين حاملي الصفة الوراثية للثلاسيميا".
وأضاف: لولا صرامة القضاة في تنفيذ القانون، لما استطعنا أن نحد من ظهور إصابات جديدة بالثلاسيميا في المجتمع، مبيناً أن الورشة تأتي من باب التشاور، وإحاطة القضاة الشرعيين بكثير من المعلومات، من أجل تفادي الإصابة بالمرض، وبالتالي فإن تزويد القضاة بالمعلومات السليمة، يساعدهم في إقناع الناس بعدم إجراء عقد القران.
وقال: الكثيرون يحاولون التحايل على التعميم والقانون، ونحن بإصرارنا نرفض مهما كانت الأسباب والمبررات، عقد أي قران، عندما يثبت لدينا أن هناك إمكانية للإصابة بالمرض.
من جهته، قدم رئيس الجمعية د. بشار الكرمي، نبذة عن المرض، والإنجازات التي تحققت على صعيد الوقاية منه، والحد من الإصابات الجديدة، مؤكداً أهمية الفحص الطبي قبل الزواج في تقليص معدلات انتشار الثلاسيميا، موضحا أنه يوجد في الأراضي الفلسطينية نحو 800 مريض بالثلاسيميا ووضح اهمية دور القضاء الشرعي في الوصول الى الهدف المنشود ، كما عبر عن سعادته بالحضور الكبير للقضاة الشرعيين لهذه الورشة التدريبية..
وأوضح أن النجاحات التي تحققت على صعيد الوقاية من المرض، والحد من انتشاره، لم تتحقق بفعل مجهود جهة بعينها، بل آلاف الأشخاص الذين آمنوا بحق الأجيال القادمة في التمتع بصحة سليمة خالية من الثلاسيميا.
وبين أن الجمعية رفعت منذ العام 2009، شعار "نحو فلسطين خالية من الثلاسيميا 2013"، مشيرا إلى أن الثلاسيميا بخلاف أمراض أخرى يمكن الوقاية منه، وحماية الأجيال المقبلة من مخاطره. وتخللت الورشة، مداخلات حول دور القضاء الشرعي في جعل فلسطين خالية من المرض، وتوجهات الأسر التي لديها طفل مريض في حال حدوث حمل ، وخرجت الورشة بالعديد من التوصيات كان اهمها ضرورة عقد ورشة تدريبية قريبة للكتبة الشرعيين وكذلك الواعظين من اجل الوصول لاكبر شريحة ممكنة من المواطنين الفلسطينين وتوعيتهم بالمرض ومكافحته.


بقلم : براء المحسيري
منسق نشاطات جمعية اصدقاء مرضى الثلاسيميا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت