اعـتـذر أولاً عن طـول المقـال فمقـام وهـامة ورمـزيـة الشـخص المعني بـه أطـول وأعلى وتستحق منـّا من قـول وفعـل ما هـو اكبر واكثر من مقـال ... فـلـم يكـن الفلسطينيون ومنذ وعد بلفور عموماً ومنذ يناير 1965 خصوصاً وحتى قصف المقاطعة وحصارها بحاجة إلى دليل يـُحدد المجرمين من قتلـة أبنائهم وقادتهـم بأسمائهم وصفاتهم ومواقعهم... ولن يكون سـم البولونيم إلا إضافة لأداة أخرى من أدوات قتلهم وبأيدي نفس المجرمين ، وإذا كانت الظروف لا تساعدهم في هذا الزمن السافل ... فإنهـم وبهذا العزم والصلابة والإصرار والصمود فيهـم يثقـون كل الثقـة بقـدوم زمن رائع يمكنهـم من وضع الأمور في نصابها ووضـع المجرمين في الأقفاص التي تليق بهم وبامثالهم ... فمنـذ اليوم الأول لإعلان الحالة المشبوهة لمرض الشهيد أشـار الجميـع من الفلسطينيين وغيرهم بالفطرة وبلا استثناء إلى القرائن وإلى القاتل ... وهذه القرائن كانت كافية لجلب القاتل أمام العدالة لو لقي الفلسطينيون دعمـاً من أدعيـاء العدالة والمتشدقين بها ، وعليه أقول لن نقلق ولا داعي أن يقلق أي صاحب ضمير سواء ثبتت صحة الدليل الملغوم لبولونيوم الجزيرة أم لم تثبـت .
كمـا أرجو أن لا يسـتغرب أحـد لماذا أقـول مـا سـبق أن قلـت ومـا سـأقـول ، ليـس تشكيكاً في احتمالات صدق الخبر وقيمـة الدليـل ، والذي من واجب كل فلسطيني أن يتتبعه ويتقصى عن دقائقه حتى يطمئن ضمير الباحث الجنائي ، ومجرم من لا يفعل ذلك .... ولكـن لأن تدني المصداقية والسمعة السيئة التي اكتسبتها قناة الجزيرة التي بحثـت عن الدليـل ونشـرت أخباره وتتداولـه بهذا الأسلوب الذي نـراه ، فإنه يتوجب علينا التمعن والتدقيق في التفاصيل للطريقة والأسلوب الذي سـلكته القنـاة ، وفي حبكـتها الدراميـة له ، والتي تذكرنا بقصص أجاتا كرستي وأفلام شيرلوك هولمز خصوصاً إذا علمنـا:
ـــ أن المستشفى الفرنسي الذي قضى فيه الشهيد أيامه الأخيرة هو مستشفى عسكري من طراز رفيع السمعة والإمكانيات ... ومن أهـم المستشفيات في دولـة جيوشها مجهزة بأحدث وسائل القتال في الحروب التقليدية والكيماوية والبيولوجية والنووية ... فأي سـاذج سيصدق أن الأطقم الطبية في مستشفياته غير مدربة على التشخيص والتعامل مع الإصابات بهذه الأسلحة المختلفة ؟؟؟ وأي سـاذج سـيصدق أن الأطقـم الطبية في هذا المستشفى اغفلـت احتمـال التلوث الشعاعي لمريض بوزن ابو عمـار باشروا علاجه وهـم يعلمون الدرجة العالية من الشبهة الجنائية في مرضه ؟؟؟ فأرجـوا أن تسـأل إدارة المستشفى أولاً إن كانت قـد وضعت احتمال التلوّث الشعاعي في تشخيصها ؟ أم أنها تغاضت عنه ؟ وإذا تغاضـت فلماذا كان هذا التغاضي ، وأرجوا أن تسألوهـم قبل أن تفتحوا القبر وتجدوا أنفسكم تنهشون رفات الشهيد تحت ستار أخذ عيـّنـات مشكوك باحتمالات بقاء آثـار البولونيوم فيها ، أو مشكوك إن تـم التغاضي أو التعمـد في إعفال وجودها في حينه ولمـاذا ؟
ـــ في أي مركز طبي أو مستشفى لـه قيمة وسمعة طبيـة فإن اقسام التشخيص بالأشعة والتزاماً بالتعليمات الصارمة للسلامة في العمل مزودة بمجسات لقياس مستويات الإشعاع فيهـا ... ويخضـع العاملين على الأجهزة في هـذه الأقسام لفحوص دورية لقياس مستويات الإشعاع في أجسـامهـم ... فأي سـاذج سيصدق هذه المجسات لم تعمل ، وأن آثار التلوث الشعاعي لم تظهر أثناء فحص العاملين طالما كان التلوث بالكمية التي ذكرها التقرير في جسد وعلى ملابس أبو عمار أثناء مروره في هذه الأقسام وعلى أجهزتها وعليه بعضاً من ملابسه الداخلية لإجراء اثنين من الفحصوصات الشعاعية على الأقل . فأرجو أن تـُسـأل إدارة المستشفى عن هذه المجسّات وتقارير فحوص العاملين على أجهزة التشخيص الشعاعي فيه قبل أن تفتحوا القبر وتجدوا أنفسكم تغتالون صاحبه مرة أخرى بنهش رفاته تحت ستار أخذ عيـّنـات مشكوك باحتمالات بقاء آثـار البولونيوم فيها .
ـــ إن مركزاً طبيـاً من الدرجة الثالثة في بلد كفرنسا يتمتع فيها لقضاء فيها بسطوة تتفوق على أكبر مسؤول في البلاد لا يستطيع التصرف بأي عيّنـة من أو تقرير طبي عن مريض أو وصفة صُرفت لـه طالما هنـاك شـُبهـة جنائيـة إلا بعـد انقضـاء المدة القانونية للمطالبة ببحثها والتي لا تقل في العادة عن عشرين عاماً ... فكيف هـو الحـال في مستشفى كالمستشفى الذي قضى فيها الشهيد ... وأي سـاذج سـيصدق أنه تم التخلـص من عيّنـات الفحوص التي أُخـذت من الشهيـد ، وبهذه الفترة الزمنية القصيرة ؟؟؟ فأرجو أن تـُسـأل إدارة المستشفى عن المدة المعتمدة للتخلص بعدها من عيـّنـات الحالا المشابهة قبل أن تفتحوا القبر وتجدوا أنفسكم تغتالون صاحبه مرة أخرى بنهش رفاته تحت ستار أخذ عيـّنـات يـّشكك أبسط القانونيين استحالة التخلص من هذه العيـّنـات بهذه السرعة في بلـد كفرنسـا .
ـــ كان الشـيخ التميمي كان مرافقاً شـبه مقيـم مـع الشهيد ... ومن المؤكد أنه كان يمر بيده على راس الشهيد وملابسه إضافة إلى التشابك المؤكد بالأيدي بينهما اثناء قراءته للقرآن ودعائه تضرعاً لله بشفاء الشهيد وتخفيف آلامه ، وهـو أكثر من لامست يداه جسـد الشهيد وملابسه اثنـاء الغسـل والتكفين والدفن مرتين للجسـد فهـل ظهرت بعض أعـراض التلوث على الشيخ التميمي ؟؟؟ فأرجو أن يـًسـأل الشيخ أولاً وهو على مرمى حجر من الضريـح قبل أن تفتحوا القبر وتجدوا أنفسكم تغتالون صاحبه مرة أخرى بنهش رفاته تحت ستار أخذ عيـّنـات يـّشكك واضـع التقرير وليس أحداً غيرة بالإحتمالات الضعيفة للعثور على آثار البولونيوم فيها .
ـــ من أشهـر الحالات الحديثـة التي تعرضت للتلوّث بهذا العنصر المشـع هو الروسي ألكسندر ليتفينينكو والذي مكث في مستشفيات لندن منذ الإصابة حتى الوفـاة ، ولديهـم السجل المرضي لتطور حالته ساعة بساعة إضافة إلى الوصف الدقيق لتتابع ظهـور الأعراض الناتجة عن الإصابة لحظة بلحظة ، علمـاً أن الفترة الزمنية الفاصلة بين إصابته ووفاته كانت أطول بكثير من الفترة التي مرّت على الشهيد ابو عمـّار ... وطالما أن الكمية التي اشار إليها تقرير قناة الجزيرة أكبر بكثير ، فإننا نفهـم لماذا كانت الوفاة أسرع ... ولكن الأعراض تبقى واحدة وإن اختلفت الفترة الزمنية لتتابع ظهورها ، فأرجـو أن يتم الرجوع لهذه المستشفيات ومعاينة درجة التطابق بين الأعراض المرضية وتتابعها على الرجلين قبل أن تفتحوا القبر وتجدوا أنفسكم تغتالون صاحبه مرة أخرى بنهش رفاته تحت ستار أخذ عيـّنـات يـّشكك واضـع التقرير وليس أحداً غيرة بالإحتمالات الضعيفة لدرجة تطابق أعراض الحالتين .
ـــ وتبقى هنـاك شـكوك أخرى تفرض أسئلة اخرى حول طبيعـة عنصر الكشف ومقدار ما يمكن أن يفرضه من تعدد احتمالات واتجاهات البحـث ومتاهات الجدل ، وطبيعة الساعي إليه والناقـل لخبره بعـد هـذا الزمن ... وهي أسئلة لها وجاهتها مثـل :
ـــ هـل كـان لأحـد من منتجي عنصر البولونيوم في العالم مصلحة في اغتيـال الشهيـد اكبر من الكيان الصهيوني وهو واحد منهـم ؟؟ وهـل كانت هناك قرائن تدينه أكبر من القرائن التي تم تداولها أثناء المرض وبعـد الوفاة ، وكانت سموم العناصر المشعة من ضمنها في حينه ؟؟؟ فلماذا تعمـد القائمون على قناة الجزيرة عدم الإشارة إلى هذه القرائن وإلى الكيان الصهيوني كفاعل أكثر احتمالاً ، واكتفوا بحصر إيحاءات الاتهام وبقوة نحو الفلسطينيين غالباً وعلى استحياء نحو الروس كمصدر محتمل احياناً ؟؟؟
ـــ هـل وقع اختيار الجزيرة على الشهيد لصناعة هـذا السبق الإعـلامي رغم كلفتـه العالية لأن الشهيد هو الذي كـان ومـا زال يمـلأ العالـم ولم تعثر الجزيرة على مادة تصلح لصناعة خبر يملأ العالم غيره لتستعيد الاستقطاب لمشاهديها بعـد الانخفاض الكبير في اعـدادهم والـذي استقرّ على 4 ـ 6 ملايين مستقبل لإشارتها بعـد أن كان يتراوح بين 30 ـ 40 مليوناً قبل أن يفتضـح دورهـا في تأجيج الفتن والتحريض عليهـا ... وضبطهـا متلبسـة في العديد من عمليـات التزوير الكبرى والفبركـة الإعلاميـة أفقدها المصداقية ، وافقدها المشاهدين .فلـم تجـد ما تتشـبث بـه لاستعادة استقطاب المشاهدين إلا الملابس الداخلية لهـذا الرجـل العظيـم مستغلة لهفـة الإنسان في ابنته وزوجته لمعرفة ما حـدث كيف حـدث ؟؟؟ . وهل إلحاحها على ضرورة السرعة في فتح الضريح وسحب العينـات من رفات صاحبه للحفاظ على تواصـل القوة الجاذبة لاستقطاب المشاهدين ؟؟؟
ـــ هـل أراد القائمـون على قنـاة الجزيرة استغلال الثغرات التي أشرنا إليها في المستشفى الفرنسي ( وهي موضع شبهة إدارية وسياسية محتملة ) لأخذ الفرنسيين إلى مواقف يسعى لها القائمون على قناة الجزيرة ؟؟؟ وهـل ستستمر الجزيرة في العزف على البولونيوم بعد أن رأينا اليوم هذا الموقف الجديد لفرنسا بإعلان الاعتراف وتقديم الدعم للمجموعات المجمعـة المتنافرة غالباً والمتقاتلة أحياناً المسماة بالجيش السوري الحر ؟؟؟ أم أن مصير تعاملهم مع البولونيوم سيكون كمصير تعاملهم مع تقرير جلادستون في بدايته ؟؟؟
ـــ هـل أراد القائمون على قناة الجزيرة استقطاب المشاهدين بحدث كهذا تمهيداً لجعلهم يشاهدون ما سيجري اليوم في مؤتمـر باريس ؟؟؟ هذا المؤتمر الذي لـم يكـن إلا محاولـة لصنـع شـبه نجـاح في سـوريا تعويضاً عن شـبه الفشـل الذي لاقـوه في مصـر ... و الذي لم نرى فيـه إلا أن كل واحد من المجتمعين فيما يسمى مؤتمر أصدقاء سوريا يريـد سوريا غير التي يريدها غيره من المؤتمرين ، فاعتقدنا أن ما لا يقل عن عشرين بلداً في العالم اسمها سوريا !!!
ـــ هـل أراد القائمون على قناة الجزيرة استقطاب المشاهدين بحدث كهذا تمهيداً لمحاولة أخرى لتكرار ما سـبق أن حاولته الجزيرة في فلسطين وتم إحباطـه بوعي الفلسطينيين أثنـاء حالة الجدل ومحاولات الفتنة التي تمـت عند استخدام الجزيرة لوثائق المفاوضات بعدما أجرته عليها من فبركة وتزوير ، تمهيـداً تفوح روائحه من خلال استضافتها لأرخص وأشهر الكذّابين وصنـّاع الاتهامات والفـتن للتعليق على الموضوع ... خصوصـاً إذا كان مغظم من تم استضافتهم ممـن عملـوا كرأس حربـة لإفشـال الشهيد وطعن مصداقيتـه واغتياله سياسياً منـذ عـودته إلى أرض الـوطن ... وبالفتـاوي الشـرعية وصفـوه كناكـح أمـه تحـت اسـتار الكعبـة ، ونجـدهم اليوم وبـلا حيـاء يمجدون صلابته وصموده ووطنيتـه دون أن يتطوع أحد منهـم بإبطال فتاويهـم فيـه ولا بمحاولة واحدة للاعتذار عن اتهاماتهم له اثناء حياته ؟؟؟
ـــ هـل أراد القائمون على قناة الجزيرة استقطاب المشاهدين بحدث كهذا لتمهيد الساحة الفلسطينية وجعلها مستعدة لاستقبال انقلاب في رام اللـه على غـرار انقلاب غـزة تمهيـداً لقيـام دولة الحدود المؤقتـة التي أقـرّت بهـا قيـادات جماعة الإخوان الدولية والمحلية قبل أن تقـر بهـا حمـاس ؟؟؟
ـــ واخيراً ... ماذا لـو ثـبـت أن البولونيوم تـم حقنـه فعـلاً في مقتنيـات الشهيـد بعـد موتـه وبفترة سواء كانت قصيرة او طويلـة كما ادعى اليـوم احـد المتحدثين الصهاينـه ؟؟؟ هـل سـيكون بولونيوم الجزيـرة شـيئاً سـوى أداة لتكرار الاغتيـال لأبـو عمـّار الشـخص والرمـز وثوابـت القضيـة مـرة أخـرى ... ولرفاته ايضاً ؟؟؟
تبقى كلمـة للشابة زهـوة ابنة الشهيد ياسـر عرفـات :
نتفهـم لهفـة الإنسـان فيك وفي السـيدة والدتـك لمعرفـة قاتل الشهيد ، لأنهـا نفـس اللهفـة في وجـدان كـل فلسطيني وكـل صاحـب ضمير انتصر لقضيتـه ... ولكن أرجو أن لا تقـرئي تـاريـخ أبـوك إلا من الآثـار التي تركهـا حـذاؤه ، ومن نصـوص نـداءات ق . أ المُشـفـّرة إلى المقاتلين والمناضلين ، ومن معاني الكلمـات التي نطق بهـا لسـانه في وجـوه من لـم يـسـتطـع أحـد غـيـره في هـذا العالـم أن يقـول لهـم : لا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت