الضربة القاضية .. عرفات .. ولكن !!

بقلم: طلال الشريف


لا يهم إن كان الميت، قتل أو سمم أو مات موته طبيعية، فالموت حق وانقضاء أجل في عرف المؤمنين، أما أن يقتل شعب وتدمر قضية، فذلك ليس حقا ولا انقضاء أجل في عرف المؤمنين وغير المؤمنين.

لن أذهب إلى ما ذهب إليه الآخرون فهم كفوا ووفوا واستوفوا ما يحبون وما يكرهون، ولأنني لا أحب ما يحبون ولا أكره ما يكره راقصي التانجو المتلونين والقاصرين عن رؤية الواقع لأنهم درجوا على تسطيح القضايا، ولهذا بهم جميعا حررنا القدس وها نحن نمرح وتلهوا بنا الأيام في دولتنا الفلسطينية العتيدة.

ولأن عرفات لازال يقودهم من قبره ولكنهم لا يفهمون ما يرسل من رسائل حتى وهو ميت كالعادة، ولكن الفارق أن شماغه لا يلسعهم على مؤخراتهم لأنه بالملموس تحت التراب، فقد ضيعوا البوصلة ولم يحسنوا العمل فارتبكوا ليكتشفوا أن تجارتهم بصور الزعيم من آنِ لآخر على صفحات الجرائد والانترنت هي فقط للمزايدة على بعضهم في خلافاتهم للانتساب لما ليس لهم غيره، فيستحضرونها لقمع بعضهم البعض، ولكن ...

عندما جاء الآخرون ليستخدموا موت الزعيم بحنكة ودهاء هربوا جميعا من جوار الصورة وكأن عرفات صورة مرعبة يريدون الهروب من جوارها .. استخدام رخيص كان من أتباعه للإطاحة ببعضهم، واستخدام أرخص ممن يستخدم موته للانقضاض على باقي الوطن والوطنية بالضربة القاضية.


ولأني لست من هواة الدارجين في فلسفة الأعماق من الكتاب والسياسيين أرى أن السياسة والوقائع والأحداث تنتشر في الفضاء إذاعة وفضائيات وشبكة عنكبوتيه، وتحتاج لعقل مرجعيته الضمير الوطني والإخلاص للشأن العام، ليتفحص المسرح، فإن المسرح عليه كل الدمى التي تتحرك في المشهد، من المؤامرة، وحتى، بطيخ الصيف الأقرع والأحمر.

لا تذهبوا بعيدا فقد قرأت أشياء مما تحدث به تقرير الجزيرة بشأن موت عرفات وحتى المادة التي قالوا عنها البلوتونيوم منذ ست سنوات ولأن الواقع يحتاج سيناريو جديد للضربة القاضية في زمن الشدة ، الشدة على حماس والإخوان المسلمين، قد حان موعدها، فقد سحبوا أقوى السيناريوهات من الأدراج، وتعهدت الجزيرة الشيطانية لإخراجه كما رأيتموه.

الشريط قدم جملا ناقصة وتساؤلات مبطنة وتلميحات غير محدودة وطلبات شبه مستحيلة تحتاج عامين من الأخذ والرد والنتيجة لا إجابة في تقديري ولو بعد عقدين لو أردت توجيه بعضا مما جال في فكري من تساؤلات واستفسارات ترتد على الجزيرة، ولكن، ليس مهمتي ذلك، لأن أصحاب العرس والميت أولى بها، لو أرادوا، وضع صورهم بجانب صورة عرفات كما فعلوا في خلافاتهم.

حماس لا تريد انتخابات لقناعتها بأن شعبيتهم تدهورت وهم يتمنوا أن تتأخر الانتخابات سنوات وسنوات ولكنهم في ورطة مع الواقع المستحدث الجديد في الإقليم ولن يكون باستطاعة مرجعيتهم بالقاهرة تجاوز العلاقات الدولية والإقليمية، والأهم قيادتهم لجماعة الإخوان المسلمين في العالم، ولذا عليهم استحقاق يدركوه سابقا حين كان لهم الأثر الأكبر في دعم مواقف حماس ومساعدتها في الصمود في وضع الانقسام، ولكن، أصبح ملحا الآن وبعد وصول الرئيس مرسي لسدة الحكم ، ألا وهو حل مشكلة الانقسام، ومتابعة، وتسريع الخطوات لعقد انتخابات تشريعية ورئاسية في فلسطين.

الإخوان يدركون أن حماس غزة، وعباس رام الله، قد انتهت شرعيتهم أمام الشعب الفلسطيني، ولن يكون في مقدورهم الاستمرار بحالة الانقسام هذه إلى الأبد، بل، كما قلت، أصبح ملحا وضاغطا على الرئيس مرسي أن تذهب حماس للانتخابات في أقرب وقت ممكن، لكي يحافظوا على ماء وجه الشرعية لأحد فروعهم في فلسطين وهي حماس، وأن الإخوان المسلمين يفضلون نصف أو ربع مقاعد التشريعي في فلسطين بتجديد التفويض من الشعب على هذه الحالة غير الشرعية من الانقسام، وأن استمرارها يطعن في نزاهة التوجه الإسلامي في المنطقة، ويؤكد على شرذمتهم، ومن هنا كان الدافع وراء شبكة التفكير الاستراتيجي ألإخواني الجزيري الحمساوي للدفع بسيناريو شريط موت عرفات على فضائية الجزيرة، متمنين من ورائه أهداف عدة :
1- رفع منسوب الإرباك في الشارع الفلسطيني
2- تفريغ حالة الاحتقان الجماهيرية الساعية لإحداث ثورة على السلطتين لإدارتهم الظهر لمعاناة الناس وهنا للسلطتين رغبة في ذلك ولكن حماس في وضع الحاجة أكثر بعد فوز مرسي بالرئاسة.
3- تفريغ حالة الاحتقان نحو إحداث انتفاضة على الاحتلال وهنا الرغبة من السلطتين أيضا بمقياس الحالة رقم (2).
4- الهدف الكبير هو تأجيل الانتخابات لأبعد زمن ممكن حتى تستعيد حماس شعبيتها في الشارع الفلسطيني وخاصة أن الرغبة أصبحت جامحة لديهم للفوز بالرئاسة بجوار مصر وهذا له مدلول واضح وهام.
5- الأخطر والأهم لكي تصل حماس للهدف الكبير في الرقم (4)، هو تصورهم بأن شريط الجزيرة هو الضربة القاضية لقيادات التيار المركزي في منظمة التحرير وهي حركة فتح وهم في حالة ضعف ووهن وخلافات تشقهم أفقيا وعموديا، فيصبح كل قادة فتح في دائرة الشك طوال سنتين من مناقشات وأخذ ورد على أسباب موت عرفات والمتسببين، وهم يعرفون أن لا إجابات قاطعة سوف تحدث.
6- بانهيار شعبية قادة فتح وحركة فتح بالتشكيك في قياداتها تتراجع شعبيتهم جميعا ولن يستطيعوا المنافسة على الرئاسة وستسترجع حماس جزء من شعبيتها وعندها توافق حماس على الانتخابات.
7- سيمنى تيار الوطنية الفلسطينية بهزيمة ساحقة ويصبحوا فلولا مثل الحزب الوطني في مصر وتتقدم حركة حماس والإخوان المسلمون سدة الحكم في فلسطين.

الذي لم تحسبه حماس والإخوان المسلمون في زنقتهم أمام المسؤولية عن التفويض الشعبي، أن الظروف في فلسطين تختلف عن باقي دول الربيع العربي بانكشاف الحالة السلطوية لهم أمام الجمهور، فقد مضى على حكم حماس خمس سنوات كانت مقنعة للفلسطينيين بعدم الرضا عنهم، وعدم انتخابهم مرة أخرى، ولن يكون لهم ما أرادوا، وسيتوقف المد ألإخواني عند فلسطين التي سبقتهم بالتجربة، وتوقفت المقاومة، التي انتخبها الشعب على أساسها، وكما أقنعوا الجمهور بأن وجودهم في الحكم سيقوي ويصلح المقاومة في وجه من تركوا المقاومة، ولم ينتخبها الجمهور لتكون بالسلطة والحكم لتعيد تجربة المفاوضات وتتحكم في رقاب الناس وتستحوذ على المقدرات كما فعل الذين قبلها، وكأنها رحلة لتوظيف أعضاء الأحزاب والتسلط، وليست رحلة لتحرير فلسطين.

ملاحظة: انتكاس التجربة الإسلامية في فلسطين سيعيد إلى المنطقة توازنها العربي بالتأكيد، وباعتقادي أن حماس ستدفع فاتورة عدم استجابتها للمصالحة مبكرا إن لم يكن ثمن انقلابها حيث رسخ في ذهن الجمهور الغزي على أنها هي سبب المعاناة التي أطاحت بهم، وانكشاف أنانيتها للمغانم دون المغارم.

8/7/2012م

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت