ليرتعب الناس من كلام عباس طالما ظل الرجل هو المتصرف الوحيد بالقضية الفلسطينية، وطالما ظل صاحب القرار الذي لا يجرؤ على مناقشته أحد، لقد تجلى ذلك في لقائه مع القناة الثانية الإسرائيلية، حين تجاوز السيد عباس كل الخطوط الحمراء الفاصلة بين الثوابت الوطنية وبين التفريط بالقضية، وقال بلغة "الأنا" الكلام التالي: 1ـ أنا من قاد المفاوضات منذ أوسلو إلى يومنا هذا. 2ـ أنا أمد يدي للسلام وأريد السلام ومقتنع بالسلام، وأقول: إنه الآن وقت السلام وليس غداً، لأن غداً لا احد يدري ماذا يجري في المنطقة؟. 3ـ إنني جاهز للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتانياهو"، والحوار معه، ولكن أريد أن أطلب منه طلبين، وهما: إطلاق سراح الأسرى، وتزويدنا بالمعدات الخاصة بالشرطة وهذه أمور متفق عليها أكثر من مرة". 4ـ خيارنا الأول والثاني والثالث هي المفاوضات للوصول إلى سلام. 5ـ سنذهب إلى الأمم المتحدة للحصول على دولة، ولكن ليس لدينا مواعيد محددة. 6ـ أنا لا أعطي إنذارات لأحد، وإنما أطالب بالشرعية الدولية، وأطالب بتطبيق الاتفاقات المعقودة بيننا وبين الإسرائيليين" 7ـ أنا لم أرفض العرض الذي قدمه "أولمرت"، ولكن المفاوضات توقف بسبب سقوطه في الانتخابات، وقد اعترف "أولمرت" بأنني لم أرفض مقترحاته للسلام. 8ـ أنا لم أقل لوزيرة الخارجية الأمريكية: إنه لا يمكنني إخبار 4 ملايين لاجئ فلسطيني بأن العرض الذي قدمه "أولمرت" يقضي بعودة 5 ألاف لاجئ فقط. 9ـ أنا لا أوافق على مبدأ دولة واحدة، ولكن على إسرائيل أن تفهم أن ما تقوم فيه هو ضد حل الدولتين. 10ـ أنا لا أقبل العودة لانتفاضة أخرى مسلحة، وأقول بثقة أن الكل متفق معي بما في ذلك حركة حماس على تبني المقاومة الشعبية السلمية. 11ـ أنا رئيس كل الفلسطينيين، وقابلت الأسيرة المحررة "آمنة منى" بعد أن عفوتم عنها، وبعد أن حوكمت، وعوقبت على ما قامت فيه من عمل ضد الإسرائيليين. انتهى كلام السيد عباس، ولا جديد إلا إفصاحه العلني عن قلقه على مصير المفاوضات العبثية مما يجري في المنطقة، ولكن الغريب أن الرجل تجاهل بشكل متعمد صفقة وفاء الأحرار التي كانت السبب في الإفراج عن الأسيرة المحررة "آمنه منى"، لقد أصر عباس على أنها قد حصلت على عفو من الإسرائيليون، بعد أن حكموا عليها، وعاقبوها. لقد أكثر عباس من استخدام لفظة "أنا"، وفي ذلك دلالة على أن الرجل لا يريد أن يرى الناس إلا ما يراه هو، لأنه لا يرى إلا نفسه، ولا يحسب حساباً للرأي الآخر، وأنه ماضٍ في مفاوضاته التي مارسها منذ عشرين سنة، دون أن يعطي مؤيديه ورقة تين، يسترون فيها عورة حديثهم الممجوج عن القائد عباس الذي يسير على خطى الشهيد أبي عمار.