الإعلام بين الفئوية والمصلحة الوطنية

بقلم: رمزي صادق شاهين


مما لا شك فيه أن الإعلام يلعب الدور الهام في وقتنا الحالي ، فيعتبر من الأركان الأساسية للمجتمعات وهو لغة التخاطب السريع بين البشر ، وقد أثبت أنه أداه مهمة في عملية البناء والهدم على حد سواء ، كيف ولا وهو الذي رافق يوميات الربيع العربي الذي انطلق من تونس ، وقام بأكبر عملية تعبئة للرأي العام ضد نظام حسني مبارك ، فكان له الدور في إسقاط نظام تمكن من حُكم مصر لأكثر من ربع قرن .

وتكمن أهمية الإعلام في عملية التأثير المباشر في المجتمعات التي تتابع اليوم التكنولوجيا وسرعة نقل المعلومات عبر الفضائيات والإنترنت ، وأصبح يخاطب الجماهير بشكل مباشر دون وسطاء ، وتمكن من تغيير العديد من الآراء وساهم في تعميق ثقافات محددة ، كما أنه لعب دور كبير في عملية التأثير السلبي في العديد من القضايا ، وهذا بفضل وجود خطط تم تنفيذها بشكل دقيق من قبل من استخدموا الإعلام في تشويه الصورة وقلب الحقائق بعيداً عن الأمانة المهنية والمصداقية في نقل الخبر أو المعلومة .

ولعلنا نرى في المقارنة بين الإعلام العربي والإعلام الإسرائيلي ، هذا الإعلام الذي تستخدمه دولة الإحتلال في صناعة الخبر بما يتوافق مع سياساتها ، مما غير الكثير من الرؤى في الدول التي تتابع الأوضاع في منطقتنا ، واستطاع الإعلام الإسرائيلي التغلغل في المجتمعات الغربية وبعض المجتمعات العربية نظراً لضعف تأثير الإعلام العربي على هذه المجتمعات ، وكذلك انحصار الإعلام فيها لخدمة أهداف الحكومات والأنظمة .

وإذا نظرنا للإعلام الفلسطيني ، فإننا نرى المصيبة الكبرى ، حيث تغيرت قواعد العمل الإعلامي بشكل كبير ، وأصبح الإعلام عبارة عن حلبة صراع بين فريقين ، فريق يقول بأنه على صواب والآخر كذلك ، وفريق يتابع ويتأثر بشكل سلبي ، والمقصود هنا هو المواطن ، فالمواطن أصبح مقتنعاً أن الإعلام في فلسطين عبارة عن أداة فصائلية وحزبية ، هذا الإعلام يعمل بشكل كبير على نقل رأي الفصيل بشكل حصري دون الانتباه للرأي الآخر ، إضافة لاستخدامه كوسيلة للتحريض والتخوين والقذف والتشويه ، وهذا ما حرمه ميثاق الشرف الصحفي وكُل أخلاقيات العمل الإعلامي .

من هنا بدأت المشكلة الفلسطينية مع الإعلام ، حيث فقد المتلقي المصداقية فيه ، كما أنه كان سبباً مباشراً في تعميق الأزمة الفلسطينية الداخلية ، وساعد الكثيرين في استخدامه كوسيلة لتصفية الحسابات السياسية والشخصية ، في صورة أظهرت ضعف كُل القوانين واللوائح التي تُنظم عمل الإعلام ، وهذا بالتأكيد ما جعل المهتمين يتساءلون عن مستقبل هذا الإعلام ، وهل هو بالفعل يستطيع أن ينتقل من مربع الإصطفافات الحزبية إلى مربع المصلحة الوطنية العليا ، وهل من الممكن أن نصل يوماً إلى لغة خطاب واحدة نستطيع من خلالها الاستمرار في مشروعنا الأكبر وهو التخلص من الإحتلال .

بالتأكيد الإجابة على هذه التساؤلات صعبة ، وهي تحتاج إلى عمل جاد ودءوب من قبل النخبة الإعلامية ، من أجل إعادة تقييم شاملة ، وتصويب الأمور وان تتولى هذه النخبة عملية الإصلاح حتى نصل إلى الهدف المنشود بإعلام حر ومستقل قادر على مواجهة التحديات خاصة ونحن أمام احتلال إسرائيلي يسرق الأرض ويهدم المقدسات ويقتل الإنسان .

ويجب علينا أن نضع خطة واضحة الأهداف ومرنة التنفيذ مع مراعاة الأولويات كما يجب علينا أن نستثمر كل الوسائل الإعلامية المتطورة والتكنولوجيا الحديثة لخدمة أهدافنا الوطنية المتعلقة باستعادة حقوقنا المشروعة وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة ، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار تعميق ثقافة التسامح بين أطياف المجتمع الواحد ، والعمل على نبذ كُل الثقافات التي أصبحت تغزو مجتمعنا وتُسيطر على شبابنا ومستقبلهم ، وكذلك العمل على زرع مفاهيم العطاء للوطن .

&&&&&&&

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت