غزة – وكالة قدس نت للأنباء
بعد أن أمضى اثنتي عشرة سنة من عمره داخل السجون الإسرائيلية , لم يستطيع الاحتلال أن ينال من عزيمة وإرادة الأسير المحرر محمد أبو لبدة، لكن حقد وقسوة السجان أجلسه على مقعد وحرمه من السير على قدميه لينال من جسده حتى يبقى شاهدا على ما تعرض له من تعذيب أثناء اعتقاله .
المحرر أبو لبدة, من سكان شمال قطاع غزة أفرج عنه الاحتلال الإسرائيلي في 3 تموز/يوليو الجاري بعد أن أنهى مدة محكوميته التي قضاها متنقلا بين السجون الإسرائيلية ( عسقلان، بئرالسبع، مستشفى سجن الرملة)، ولم يكتفي الاحتلال بخطف أجمل سنوات عمره بل تعدى ذلك بشل الجزء السفلي من جسده.
في تاريخ 1/7/2000م اعتقلت قوات الاحتلال أبو لبدة من على معبر بيت حانون "إيرز" شمال القطاع، واقتادته إلى موقع عسكري في مستوطنة "نتساريم" سابقا، وتم التحقيق معه بتهمة العمل في إحدى المجموعات التابعة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لينقل فيما بعد للتحقيق في سجن عسقلان داخل إسرائيل.
مكث أبو لبدة في تحقيق عسقلان قرابة شهرين تعرض خلالها للتعذيب والضرب بشدة على ظهره وعلى أنحاء متفرقة من جسده، حتى تعرض لنزيف داخلي بالقرب من الحبل الشوكي أسفل الظهر، وعلى أثر ذلك أصيب (أبو لبدة)بتليف في الدم ونزول لماء الرأس وتجمعه أسفل الظهر، مما تسبب له بالضغط على الحبل الشوكي الأمر الذي حرمه من السير على قدميه بشلل الجزء السفلي من جسده .
ويقول المحرر أبو لبدة في حديث لمراسل وكالة قدس نت للأنباء طارق الزعنون إن "معاناة السجن كانت مضاعفة بالنسبة له نتيجة الإعاقة , وأصبح لا يستطيع السير على قدميه , ولا يستطيع النوم على ظهره ليتجنب الضغط على الحبل الشوكي، حتى لا تحدث له مضاعفات ".
بعد انتهاء فترة التحقيق بعسقلان حكمت محكمة إسرائيلية على أبو لبدة بالسجن لمدة 12 عاما، دون أن تلتفت إلى ما تعرض له من تعذيب وضرب أثناء التحقيق ويقول الأسير المحرر" قمت برفع قضية على مصلحة السجون الإسرائيلية، وطالبت فيها بضرورة علاجي ، لكن الجانب الإسرائيلي رفض ".
استمرت القضية في المحاكم الإسرائيلية أربع سنوات وخاض أبو لبدة معركته القانونية ضد مصلحة السجون، وبعد طول انتظار في عام 2009 وافقت مصلحة السجون على علاجه وتم تحويله لمستشفى "اساف هروفيه ".
ويتابع الأسير المحرر أبو لبدة حديثه " عندما بدأ الأطباء بإجراء الفحوصات والأسباب التي أدت إلى إصابتي بشلل بالجزء السفلي من جسدي وتبين وجود تجمع لماء الرأس في أسفل الظهر نتيجة التعذيب وتسبب ذلك بالضغط على الحبل الشوكي".
ويكمل "تم إجراء عملية جراحية لي وبحمد لله نجحت ولكن بعد مرور 48 ساعة من العملية وجدت نفسي في السجن مرة أخرى، وتجاهلت مصلحة السجون حالتي الصحية، وكان من المفترض أن أبقى في المستشفى أكثر من عشرة أيام حسب تعليمات الأطباء، لكن قاموا بإرجاعي للسجن دون أي وازع إنساني أو أخلاقي لحالتي الصحية ".
بقى أبو لبدة جليس على مقعد متحرك في "مستشفى سجن الرملة"، واستمرت معاناته ولم تستجب إدارة مصلحة السجون لإرجاعه إلى مستشفى "اساف هروفيه" لاستكمال العلاج.
وفي أول زيارة لوالدته والتي زارته بعد أربع شهور من الاعتقال أثناء وجوده في سجن عسقلان، أخفى أبو لبدة وضعه الصحي عن والدته من شدة خوفه عليها ويقول" عندما كانت تزورني أمي في السجن كنت اجلس على كرسي عادي حتى لا تشعر بحالتي الصحية ".
ويتابع " كانت الزيارات تتم من حين لأخر، ولكن في آخر خمسة سنوات من الاعتقال تم منع الزيارات من قبل مصلحة السجون لجميع أهالي أسرى قطاع غزة , ولم التقى بعدها بوالدتي ولا والدي الذي منع من الزيارة منذ لحظة اعتقالي ولم يعلم أهلي حالتي الصحية إلا قبل خروجي بسنة واحدة، وتم إبلاغهم تمهيداً لهم بوضعي الصحي وحتى لا تحدث صدمة عندما يرونني لحظة الإفراج".
ويستذكر الأسير المحرر رفاقه داخل السجن، وقد امسك بألبوم صوره ينظر إلى أصدقائه الذين مازالوا في الأسر وبريق عيناه يقول لهم إن موعدكم مع الحرية قادم مهما طالت سنوات الاعتقال ، وقال "لقد عانقوني جميعاً وكانت الدموع تملئ أعينهم لحظة خروجي ".
ويصف لحظة خروجه وملاقاته والدته ووالده وعائلته باللحظة الممزوجة بالفرح والحزن والشك واليقين وأضاف" لقد تلاشت كل المعاناة التي عانيتها في سنوات الاعتقال عندما رأيت أهلي بخير ، وقد وجدت استقبال من أبناء شعبي كبير جداً ".
ويقول أخيه الأكبر أسامة إن "لحظة خروج محمد من السجن لحظة لا توصف لأنها تحمل أكثر من معنى , فقد يكون الأخ مسافراً سنوات طويلة لكن عندما يكون في سجون الاحتلال يختلف الأمر ".
وعن أولوياته في حياته بعد خروجه من السجن أجاب الأسير المحرر أبو لبدة بأن علاجه أهم شيء، مشيرا إلى أنه يتابع ذلك , وقد قام بعمل تصوير مغنطيسي في المستشفى الأوروبي جنوب قطاع غزة, و أخبره الأطباء بأنه من الممكن أن يعود ويسير على قدميه من جديد .
وكشف الأسير المحرر بان في عنقه رسالتين من الأسرى المرضى داخل السجون الإسرائيلية, الرسالة الأولى ، تتمثل بضرورة إيصال صوتهم إلى الجهات الرسمية في السلطة الفلسطينية لإعطائهم اهتمام كبير، وجعل ملف خاص بالأسرى المرضي وخاصة "مستشفى سجن الرملة"، والعمل بالضغط على الجانب الإسرائيلي للإفراج عنهم نظراً لحالتهم الصحية الخطيرة جدا. وقال "يوجد مئات الأسرى يعانون من أمراضا شتي, إصابتهم نتيجة ما يلاقونه من تعذيب على يد الاحتلال" .
أما الرسالة الثانية فقد دعا فيها الأسير المحرر باسم كل الأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، بضرورة الوحدة الوطنية وإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام راجيا أن يتحقق ذلك في القريب العاجل .