محمد أفضل طباخ أصم بغزة

غزة – وكالة قدس نت للأنباء
يمضي وقته منذ الصباح الباكر في تجهيز وترتيب مطبخه في استراحة (نادي البسمة للمعاقين) على شاطئ بحر منطقة السودانية شمال قطاع غزة، ويستمتع أثناء عمله بتقديم المأكولات والمشروبات بكل أنواعها للزائرين، فيما يصفه أصدقائه بأنه " أشطر من البنت في الطبخ".

وجبة "مندي الدجاج" هي واحدة من المأكولات التي كان الأصم محمد حسين يعدها لإحدى العائلات الفلسطينية التي جاءت تصطاف على شاطئ البحر؛ فهو يفضل العمل داخل مطبخه لوحده بدون تواجد أي شخص ليتمكن من ممارسة طقوسه الخاصة لإعداد المأكولات الشهية التي أعجب الجميع فيها، في حين أنه في حالات الضغط بالعمل يختار من يساعده من زملائه الصم.

أشطر من المرأة ...
ويبين حسين لمراسل وكالة قدس نت للأنباء سلطان ناصر بحضور مترجم الإشارة (محمد شقورة) بأنه يتقن إعداد كافة المأكولات كالشاورمة والكباب والسلطات والمشويات بكافة أنواعها، إضافة إلى أنه قادر على إعداد كافة العصائر والمشروبات بشكل جيد، قائلاً " أنا أشطر من المرأة في شغل المطبخ"، مؤكداً بأنه سعيد في عمله وهو فرصة له مكنته من أن يجد نفسه بالمجتمع الذي لطالما كان يهمشه مع شرائح المعاقين الأخرى.

ويوضح بأنهم كصم عندما يتوجهوا إلى أي مكان للترفيه عن أنفسهم تكون الأسعار غالية، في حين أن هذه الاستراحة جميع العاملين فيها من الصم وتقدم خدمات جيدة لهم بأسعار مناسبة، وتمنحهم الفرصة بقضاء أوقات جميلة لا سيما وأنهم يتحدثون بلغة الإشارة، حيث يكون ذلك في الأماكن الأخرى محط أنظار للناس بينما في هذه الاستراحة يكون الأمر طبيعي لأنها مختصة بشريحتهم.

بابتسامة عريضة ...
ويستقبل الأصم علاء أبو نصر الزائرين للاستراحة بابتسامة عريضة مرحباً بهم فيظنوا للوهلة الأولى بأنه يتحدث, ويقوم بتوجيههم بلغة الإشارة إلى المكان الذي يفضلون الجلوس فيه بالاستراحة مخيرهم ما بين الجلوس على الشاطئ مباشرة أو داخل الاستراحة أو في واحدة من خيام أو أكواخ الاستراحة.

ويقول أبو نصر عبر مترجم الإشارة " بعدما يجلسوا الزائرين أتوجه لهم وأسألهم عن ما يودون تناوله أو شربه وأفهم من حركات شفاهم طلباتهم، وفي بعض الأوقات أستعين بزميلي محمود إذا واجهت صعوبة في الفهم، وثم أتوجه وأسجل الطلبات باسم الطاولة، وبعدها أطلبها من المطبخ وأتوجه بها إلى الزائرين "، مبيناً بأنه طوال فترة عمله يكون سعيد بإعجاب الزائرين بطريقة عمله هو وأصدقائه الصم .

ويوضح أبو نصر المتزوج ولديه ثلاث أطفال بأن عمله في الاستراحة أوجد له فرصة تحصيل دخل مادي تساهم في تدبير أموره الحياتية، وتمكنه من العيش بحياة كريمة وعائلته، مشيراً إلى أن معظم الصم زملائه يعانون من قلة وجود فرص عمل، متمنياً بأن تستمر الاستراحة في العمل طوال العام ويكبر المشروع ليستفيد منه باقي الصم .

أوقات سعيدة ...
ويقول عيد شقورة رئيس نادي البسمة للمعاقين إن "بناء الاستراحة جاء كاحتياج للمعاقين لاستغلال فترة الصيف من جانبين، الأول إيجاد مكان لهم كشريحة مجتمعية للاستمتاع في فصيل الصيف بقضاء أوقات سعيدة، والثاني إيجاد فرصة عمل لبعضهم داخل الاستراحة ليتمكنوا من إعالة أسرهم في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، مبيناً أن مشروع الاستراحة يخدم كافة فئات المجتمع بأسعار رمزية.

ويوضح شقورة حسب تجربته مع الصم بأنهم يتميزون بالعمل الجماعي المنظم بروح الفريق الواحد، قائلاً "في غضون عشرة أيام أصبحت الاستراحة جاهزة لاستقبال الزوار بشكل كامل، لأن الصم أنفسهم أشرفوا على بنائها وتشكيلها" مضيفاً بأنه في أيام بناء الاستراحة كان يأتي عدد من أعضاء النادي الصم الغير العاملين بالاستراحة للمساعدة . "

ويبين أن الصم الخمسة العاملين في الاستراحة أبهروا المواطنين الزائرين من طريقة عملهم وتقديم الخدمات والتواصل بشكل مميز، لا سيما وأن الزائرين أبدوا إعجابهم الشديد وأصبحوا يأتون إلى الاستراحة لمتابعة طريقة عملهم، مؤكداً أن من أبرز أهداف النادي هو توعية المواطنين بحقوق هذه الفئة على اعتبارها الأكثر تهميش من باقي فئات المعاقين.

أشخاص عادين ...
ويتابع " الصم هم أشخاص عادين وطبيعيين ولكنهم يحتاجوا إلى احتياجات خاصة، لا يعرفها المجتمع، وهذه الاستراحة فتحت مجال أمام الناس العاديين، لرؤية هؤلاء الصم، والتعامل معهم" معرباً عن تفاجئه من الطريقة التي تم اختيار فيها الصم الخمسة للعمل في الاستراحة، قائلاً "الصم عقدوا اجتماع بينهم وحددوا من سيعمل في هذه الاستراحة، والصدفة أظهرت أن كلا منهم مختص في عمل معين فمثلا ....منهم من يجيد الطهي بطريقة كتير راقية".

ويشير شقورة إلى وجود مترجم إشارة يعمل كحلقة وصل ما بين الصم والزائرين، لتسهيل عملية التواصل في بعض الأحيان، مؤكداً بأنهم يتمتعون بقدرات رائعة تمكنهم من معرفة ما يطلبه الزائرين من أطعمة أو من مشروبات، من خلال حركة شفاه الزائرين، مبيناً أن معظمهم أصبح يدرك لغة الإشارة لا سيما المتعلقة بالمأكولات والمشروبات، منوهاً بأن الأصم يساهم بتعليم لغة الإشارة إلى الأشخاص العادين.

تطوير قدرات ...
وينفي شقورة أن يكون عملهم في نادي البسمة للمعاقين كإغاثة، وإنما العمل لتطوير قدرات فئات المعاقين ليكونوا قادرين على أخذ فرصتهم في المجتمع الفلسطيني وصناعة قرار، موضحاً بأن الصم العاملين في الاستراحة لمجرد دخول أي زائر جديد يقوموا بالترحيب به وتخييره أين يفضل الجلوس، مشيراً إلى أنه يوجد داخل خيام الاستراحة أزار كهربائية موزعة وفق أعداد الخيام بمجرد الضغط عليها تضيء لمبة في المطبخ ويعرف من خلالها أن الزائرين بحاجة لأحد العاملين لطلب خدمة، في حين يتم التواصل بينهم من خلال الكشاف في مرحلة الليل.

ويقول شقورة إن "النادي تأسس في العام 2005 ليقدم خدمات لكافة فئات المعاقين في المجال الرياضة، ولدينا فرق رياضية للصم الشباب والفتيات في كرة القدم والسباحة وتنس الطاولة " مؤكداً بأن الهدف الأساسي من إنشاء النادي تفعيل رياضة المعاقين في المجتمع الفلسطيني.