الفلسطينيين ليسوا طرفاً في اي صراع عربي

بقلم: عباس الجمعة


امام التطورات الراهنة في سوريا ، وما يعانيه الشعب الفلسطيني في هذا البلد الشقيق اكدنا مرارا على حيادية الموقف الفلسطيني وعدم التدخل بالشأن الداخلي السوري ، لان المصلحة الفلسطينية تقضي بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي قطر عربي .

لا بد من القول ان سوريا التي احتضنت الوجود الفلسطيني منذ النكبة وحصل فيها على صفة "بحكم المواطن" جعلت من حياة الفلسطينيين انعكاساً لكل ما يعيشه المواطن السوري على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويزيد من شدة تأثير هذه الظروف كون مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا هي مخيمات مختلطة إلى أبعد الحدود يعيش فيها الفلسطينيون إلى جانب أشقائهم السوريين بل وأكثر من ذلك فإن المخيمات لا حدود فاصلة بينها وبين المحيط، ما جعل شدة الاندماج بين الفلسطينيين والسوريين أكثر منها في باقي دول اللجوء، لذلك فقد كان من الطبيعي أن تعيش مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على المستوى الشعبي ظروف المناطق المحيطة بها، وأن يتفاوت تأثير الأزمة السورية عليها وفقاً لتفاوت شدة هذه الأزمة على المناطق المحيطة في المخيمات ويتناسب معها.

ان الشعب الفلسطيني وقيادته وفصائله يريدون لسوريا الامن والاستقرار والحياة الكريمة ، ورفض التدخل الخارجي في شؤون سوريا ، فالمصلحة الفلسطينية تقتضي بحيادية الموقف باعتبار ان شعبنا شعب ضيف ولاجئ ، وهو يتطلع الى الهدف الاسمى من اجل استعادة ارضه ووطنه وحقه بالعودة الى دياره .
ان ما تعرض له الشعب الفلسطيني في عدة مخيمات في سوريا من اعتداءات وكان اخرها جريمة اغتيال ضباط وعناصر جيش التحرير الفلسطيني واغتيال ثلاثة فلسطينيين في مخيم اليرموك كان هدفها رسائل إلى كل الفلسطينيين ، أن يحددوا موقفهم مما يجري في سورية.

ولكن رغم كل الرسائل من الواجب علينا أن نحافظ على حيادية الموقف الفلسطيني على أرض سورية ، وهذا ما تقوم به فصائل منظمة التحرير المتواجدة في المخيمات الفلسطينية في كل أنحاء سورية ، حيث تعمل بشكل جاد على تجسيد موقفها الحيادي في كل المخيمات ، والقاضي بعدم التدخل بالشأن الداخلي السوري ، المبني على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي قطر عربي ، وموقفنا الفلسطيني هو أنه لا يمكن لنا أن نكون أداة في يد أحد ، ولا يمكن أن يجرنا كائن من كان إلى مكان ليس مكاننا ، وإلى قتال ليس قتالنا ، فلن يصبح الفلسطينيون تحت أية ذريعة جزءاً من الأزمة السورية ، لأننا نريد لسورية الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار .
فقد حرصت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وكافة القوى والفصائل دائما على "عدم التدخل" في الشأن الداخلي العربي بقدر حرصها على "استقلالية" قرارها، وحرصت كذلك على تأكيد أنها ليست بديلا عن الشعب العربي المعني بالتغيير أو بعدم التغيير، بغض النظر عما إذا كانت سياسات النظام القائم تخدم أو لا تخدم القضية الفلسطينية، واكدت رفضها لاي تدخل في شؤون الدول وخاصة ان الشعب الفلسطيني تعرض للكثير من المجازر ويكفي ما يرتكب بحقه على الارض الفلسطينية من تهويد للارض وعدوان متواصل يطال الشجر والحجر والبشر .

فمثل هذه الصور التي تختزنها الذاكرة الوطنية الفلسطينية تؤكد أهمية الموقف الفلسطيني في عدم استعداء هذا البلد او تلك، وعلى هذه الارضية كان اختيار الحياد في الصراعات الداخلية في الأقطار العربية على حد سواء.
صحيح في الحالة السورية، فإن "الحياد" هو أضعف الايمان الفلسطيني في الدفاع عن البلد العربي الوحيد الذي لا يزال في حالة حرب فعلية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي سيقود انفراده دون الفلسطينيين بالصلح معها إلى إحكام الحصار على الشعب الفلسطيني وحرمان مفاوضيه من آخر أوراقهم العربية التفاوضية وتوجيه ضربة قاصمة الى النضال الفلسطيني باعتبار سورية آخر حاضنة عربية لها.
ان محاولات تهجير شعبنا لا يبدو احتمالا واقعيا نظرا لعدم وجود أي "جوار" عربي على استعداد لاستضافتهم، فإن استمرار تصعيد العنف في الأزمة السورية مقرونا باستمرار الضغط عليهم للانحياز فيها ينطوي على احتمال واقعي تماما بتعرضهم لمجازر تضاف إلى سلسلة المجازر في تاريخهم الوطني.

ان ما تقوم به بعض الفصائل ، التي لا تتمتع عادة بصدقية عالية أو بنفوذ في أوساط شعبها أو فصائلها، هذه قوى ثانوية لا تعبر عن التيار الرئيس في صفوف الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية ، ولا يجوز بحال أن يؤخذ الشعب الفلسطيني بمجمله، بجريرة هذه الأطراف الهامشية ، فموقفنا واضح لا نريد للفلسطينيين أن يُهجروا عدة مرات ،يكفيهم ما يزيد من ستة عقود من الشتات والمنافي،لذا يتعين على الجميع الإسراع في العودة إلى سياسة "النأي بالمخيمات" عن الدخول في الصراع والالتزام بتوجه فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في سوريا ، فالحرص على سوريا يكون بالوفوف من اجل حقن الدماء في سوريا بعد ان دخلت فعلا في مرحلة طويلة ومعقدة من نزف داخلي.

واعتقد انه اصبح من الضروري ان يكون هناك تحرك فلسطيني، من اجل توفير الحماية لشعبنا في مخيمات سوريا ، وفرض موقف فلسطيني على الكل الفلسطيني في الأراضي السورية، بالعمل من اجل تطبيق قرارات القيادة الفلسطينية بحيادية الموقف ، واعتبار المساس بأمن المخيمات من المحرمات، والعمل على تحصين المخيمات ضد من يحاولون استخدامها لصالح طرف من الأطراف، وبكل تأكيد نحن نقدر دور سوريا واحتضانها لابناء شعبنا على أراضيها.

على الذين يمارسون اسلوب القتل بحق اهلنا في سوريا أن يعوا جيداً بأن طريقهم إلى ما يصبون إليه لا يمر عبر الدم الفلسطيني، لأن الدم الفلسطيني يأبى أن يكون ورقة للمساومة في يد أي طرف من أطراف الأزمة السورية، وإنّ المحافظة على حيادية الموقف الفلسطيني هو في مصلحة الكل السوري .
صحيح إن ما يخطط للمنطقة هو شيئ خطير ويتضمن وفق الرؤية الامريكية الصهيونية الاستعمارية إعادة تشكيل منظومة الدول العربية على شكل نظام جديد تابع وملتصق بالمصالح الأمريكية الاستعمارية يتطلب تفكيك أو إضعاف وتجويف الدول العربية ، خصوصاً المحورية منها ، وإرجاعها إلى مكوناتها الأساسية سواء الطائفية أو العرقية أو الإثنين معاً إلى الحد الذي يصبح فيه ما كان متعارفاً عليه من عالم عربي عبارة عن تشكيلات واسعة من دويلات صغيرة أو كيانات مجوفة لا حول لها و لا قوة.

ومن هنا نرى اي نظام جديد قد يُخلق بإرادة أمريكية لن يسْمَح له بتكريس الرابطة القومية العربية أو العروبة مما يعني إلغاء الدولة الوطنية ذات الهوية العربية وتفكيكها أوتجويفها أو تحويلها إلى كيانات أخرى ذات هوية عرقية أو طائفية وإلغاء أي رابطة بين تلك الكيانات بهدف تشتيتها واستعداء بعضها على بعض .
إن أمريكا لن تتردد في خوض حرب دفاعاً عن مصالحها في الشرق الأوسط، وبالتحديد دفاعاً عن وجود إسرائيل ، ودفاعاً عن علاقتها ومصالحها ، وكل من يظن أن أمريكا سوف تقدم للانظمة الجديدة طبق من ذهب لا يفقه في السياسة شيئاً، ونحن على يقين أن الأزمة السورية ستكشف مؤامرات ووقائع أفظع مما شهده العراق، فقط هي مسألة وقت لا أكثر .

ان التحدي واضح أمام المجتمع العربي الذي تقع عليه مسؤولية التصدي لحماية مستقبل الوطن من قوى داخلية وخارجية قد تختلف في وسائلها ولكنها قد تلتقي في هدف إضعاف الهوية العربية أو إلغائها، وتفتيت الدولة الوطنية وتحويلها إلى دويلات أو إلحاقها بعالم إسلامي يكتنف هويته الغموض ويبحث عن شرعيته في أعماق التاريخ، لا أحد يعرف من أين أتى حاضره وإلى أين سينتهي مستقبله ، وهنا لا بد من الإشارة، إلى أن روسيا هي اللاعب الأكثر امكانية لحل هذه الأزمة السورية ، ويبدو ذلك جليا من خلال قدرتها مع حليفتها الصين، على تعطيل كل المبادرات التي قدمت من قبل الغرب وحلفائهم وعدم السماح بالتدخل الخارجي .

وانطلاقاًً من خطورة الوضع المستجد ومن ازدياد احتمالات التدخل العسكري الإمبريالي- الإسرائيلي- الاستعماري، نتطلع الى جميع القوى في سوريا بان يقفوا وقفة تاريخية امام ما تتعرض له سوريا عبر وقف الحلول الأمنية والعنف، ورفض التدخل الخارجي والشروع فورا في تحصين الوضع الداخلي السوري عبر وقف دورة العنف والقتل والاعتقال والقمع، وتنفيذ البنود الاصلاحية المطلوبة، بدءا بالإسهام في وضع حد فوري لاراقة الدماء، وفي إطلاق سراح المعتقلين، ومواجهة كل أشكال العدوان الخارجي والفتنة الداخلية التي تتجه باتجاه الحرب الأهلية المذهبية، ووضع برنامج عملي لتنفيذ التغيير الديمقراطي الجذري المطلوب.

وامام ما يجري اراد شعبنا في مخيمات سوريا وعلى وجه التحديد مخيم اليرموك ان يؤكد على الهدف المشترك بالإضافة الى وحدة الدم دوما التي جمعت بين الشعبين السوري والفلسطيني ، فالسوريين لم يقفوا يوما حائلا امام الحدود الجغرافية بينهم وبين أخوتهم الفلسطينيين وهذا التاريخ لم يبدأ منذ النكبة في العام 1948 بل ممتد الى عشرات السنين ان لم نقل أكثر ، وما يقوم به ابناء مخيم اليرموك والمخيمات الاخرى الا اقل واجب امام استقبال اخوانهم النازحيين السوريين حيث شكلوا فرقا أهلية لاستقبال اخوانهم و تشكيل فرق طبية لتقديم العون للجرحى والمصابين ، كما قام الاهالي بتقديم كل اشكال المساعدات من مأكل وملبس ومستلزمات للمبيت والنوم وتقاسم الغذاء واللباس والماء والدواء مع إخوتهم في المصير المشترك.

ختاما : ان الشعب الفلسطيني في سوريا ومعه المناضلون السوريين قدموا تضحيات جسام في مسار القضية الفلسطينية والثورة الفلسطينية المعاصرة ، حيث كان الشهداء يرسمون عناوين فلسطين وانوارها الساطعة. فشجرة الثورة والصمود والمقاومة كانت تسقيها على الدوام دماء الشهداء، فضلا عن عرق المقاتلين والمناضلين ، حيث شكلت هذه التضحيات الجسام شعلة النضال بمواجهة كافة المؤامرات المتواصلة على شعبنا ، وما زالت راية فلسطين خفاقة بإنتظار اشراقة شمس الحرية واستعادة الحقوق الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت