ما وراء طرح فكرة الشراكة السياسية في الحالة الفلسطينية

بقلم: إبراهيم أبراش


الشراكة السياسية Political partnership مصطلح جديد بدأ يروج في العالم العربي خلال العقد الأخير من طرف جماعات الإسلام السياسي ثم انتقل إلى الساحة الفلسطينية،الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول مفهوم الشراكة السياسية وما الفرق بينه والمشاركة السياسية Political participation ؟ ولماذا تستعمله جماعات الإسلام السياسي أكثر من غيرها؟ وهل تصلح الشراكة السياسية في الحالة الفلسطينية؟وإن كان كذلك فهل هي بديل عن البرنامج الوطني المشترك ؟.

أولا: تعريف الشراكة السياسية وملابسات ظهور المصطلح

أسئلة كثيرة يطرحها مصطلح الشراكة السياسية وتوقيت ظهوره،فمصطلح الشراكة partnership بشكل عام ظهر بداية في العقد الأخير من القرن العشرين كنهج جديد في التعامل الدولي وخصوصا الاقتصادي،مثلا الحديث عن الشراكة الأورومتوسطية والشراكة بين التكتلات الاقتصادية الكبرى الخ.إذن هو اتفاق بين عدد من الأطراف لتحقيق هدف أو أهداف من خلال القيام بعمل أو أعمال مشتركة تخدم جميع الأطراف الشريكة دون إلغاء خصوصية كل طرف أو حقه بفض الشراكة إن شعر أنها تتعارض مع مصالحه.

فيما بعد دخل مصطلح الشراكة السياسية القاموس السياسي كوصف لشكل أو ترتيب سياسي تتوافق فيه قوى وكيانات سياسية على محاصصة أو توزيع مناصب ومغانم السلطة السياسية مع احتفاظ كل حزب أو جماعة سياسية ببرنامجها وأيديولوجيتها ،وكان بداية ظهور وتطبيق الشراكة السياسية في العراق بعد انتخابات 2006 حيث فشلت الانتخابات في حسم الخلافات العميقة بين المكونات السياسية العراقية وخصوصا بين قائمة العلاوي وقائمة ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي،الأمر الذي أدى لشراكة سياسية بين كل المكونات السياسية ،وبالتالي تجاوز مبدأ أغلبية تحكم وأقلية تعارض.

يمكن فهم لجوء القوى السياسية العراقية للشراكة السياسية بالمفهوم المشار إليه،لأن المشهد السياسي العراقي تتنازعه قوى سياسية طائفية واثنية بينها صراعات وخلافات كبيرة وعاشت حالة من الحرب الأهلية،الأمر الذي يجعل توافقها على برنامج وطني مشترك أمرا صعبا بسبب انعدام الثقة والتوزيع الطائفي والاثني والجغرافي ،فتم اللجوء إلى الشراكة التي تمنح لكل جماعة وبالتالي لكل طائفة نصيب في المناصب والامتيازات وفي اتخاذ القرار ،مع احتفاظ كل تكتل أو جماعة سياسية ببرنامجها وصفتها التمثيلية.فالشراكة في هذا السياق أقرب لمفهوم المحاصصة وهو أمر يتعارض مع المواطنة وإرادة الأمة والانتماء الوطني المشترك ،وعليه لاحظنا أن المشاركة في العراق لم تلغ الطائفية والإثنية بل عززتهما، كما أنها لم تعمل على الدمج الاجتماعي والجغرافي بل شجعت على الجهوية الانفصالية،وكل ذلك تساوق مع استمرار العنف ثم أزمة تهدد اليوم استقرار العراق ووحدته.

ما بعد العراق أخذت جماعات الإسلام السياسي وخصوصا الإخوان المسلمون يروجون له بحيث غطى على مفردات الديمقراطية والمشاركة السياسية والوحدة الوطنية والمشروع والبرنامج الوطني المشترك.،ففي تونس مثلا كان لتطبيق الشراكة السياسية سياقا مختلفا نسبيا،فمع أنه لا توجد في تونس صراعات طائفية واثنية ولكن يوجد تيار إسلامي قوي وتيارات ليبرالية وعلمانية،وجميعها شارك في الثورة وكلها تطالب بنصيب في النظام السياسي ما بعد الثورة ولا يقبل طرف تسليم مقاليد الأمور لطرف ثاني حتى وإن كان هذا الأخير يمثل الأغلبية. وهكذا ما بعد الانتخابات التي منحت حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي أغلبية الأصوات أعلنت القوى السياسية الثورية عن ولادة الشراكة السياسية بين أهم مكوناتها السياسية حتى لا ينفرد حزب بالسلطة ،حيث تم التفاهم على شراكة سياسية مكونة من حزب النهضة والذي احتل المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية وأوكل له تشكيل الحكومة، و حزب المؤتمر من اجل الجمهورية والذي تولى رئاسة البرلمان، و حزب العمل من اجل الحريات والذي أوكل إليه منصب رئاسة الجمهورية ممثلة بمنصف المرزوقي.

بالإضافة إلى هاتين الدولتين تم تداول مصطلح الشراكة السياسية في السودان واليمن وأخيرا في مصر بعد الثورة عندما احتدم نقاش بين دعاة الدولة المدنية ودعاة الدولة الدينية،وفي جميع الحالات كانت جماعة الإخوان المسلمين الجهة المروجة لهذا المصطلح .وأخيرا انتقل المصطلح إلى الساحة الفلسطينية حيث تحدث عنه بداية مسئولون من حركة حماس وخصوصا الدكتور احمد يوسف وكانت له مقالة مهمة بهذا الشأن،وخلال اللقاء الصحفي الذي عقده الرئيس أبو مازن والسيد خالد مشعل يوم 24 -11-2011 تحدثا عن الشراكة وأنهم شركاء،وإن كنت اعتقد أن ما كان يقصده السيد خالد مشعل من الشراكة السياسية ليس ما يقصده الرئيس أبو مازن .

نلاحظ مما سبق أن مصطلح الشراكة السياسية وإن كان يتقاطع مع الديمقراطية والمشاركة السياسية في بعض العناصر كاللجوء إلى الانتخابات وعدم إقصاء طرف لبقية الأطراف والاحتكام للقانون وللوثائق الدستورية المؤقتة ،إلا أنه يختلف عنهما من حيث عدم التزامه بمبدأ حكم الأغلبية وضعف الالتزام بالمواطنة حيث تغليب الانتماء للطائفة أو الجهة أقوى من الانتماء للوطن،كما أن الشراكة السياسية تتناسب مع ظروف مجتمعات منقسمة أيديولوجيا أو طائفيا بشكل حاد وخرجت من مرحلة حرب أهلية أو ثورة وغير متوافقة على مرجعيات وثوابت المشروع الوطني والنظام السياسي المستقبلي،فترتئي القوى السياسية الشراكة في الحالة السياسية مؤقتا مع احتفاظ كل منها ببرنامجها حتى وإن كان متناقضا مع بقية البرامج الأخرى.

إلا أن ما هو خطير في الأمر أن المروجين لمفهوم الشراكة السياسية يخفون حقيقة عدم رغبتهم في التنازل عن برنامجهم الذي يعبر عن مصالح طائفية أو اثنية لصالح برنامج وطني مشترك ،وانعدام ثقتهم ببقية الأطراف الأخرى،أيضا يخفون عدم ثقتهم وإيمانهم بثوابت ومرجعيات الأمة والدولة كما رسخت عبر السنين .عندما تقول جماعات الإسلام السياسي بالشراكة السياسية فكأنها تقول نحن لنا برنامجنا الإسلامي الذي لا يمكن أن يذوب أو يتوحد مع المشاريع الوطنية أو العلمانية أو القومية،وبالتالي فإن نقاط الالتقاء لن تكون أكثر من محاصصة تقاسم السلطة أو المسؤوليات مؤقتا إلى حين توفر الظروف المناسبة للسيطرة المطلقة على المجتمع والنظام السياسي .

ثانيا:التباس مفهوم الشراكة السياسية في الحالة الفلسطينية

هناك ما هو مشترك مع الحالة العربية وما هو خاص بفلسطين كدولة تحت الاحتلال.المشترك هو الانقسام المجتمعي والسياسي بين تيار وطني ليبرالي علماني وتيار إسلامي،وحالة التناقض والتباعد غير القابلة للتجسير بينهما من وجهة نظر التيار الإسلامي خصوصا حركة حماس.أما الخاص في الحالة الفلسطينية فهو الاحتلال الإسرائيلي ،فإذا كان مفهوما ومقبولا إعمال مبدأ الشراكة بين مكونات سياسية في أنظمة سياسية مستقلة يتم من خلاله احتفاظ كل حزب أو مكون ببرنامجه وإستراتيجيته للعمل وبشبكة علاقاته وتحالفاته الخارجية، ففي الحالة الفلسطينية يتطلب الأمر اتفاق على مشروع وطني أو برنامج وطني مشترك يتم من خلاله توحيد الأهداف واستراتيجيات العمل،حيث لا يجوز مواجهة الاحتلال ببرامج متعارضة إحداها يقول بالتسوية والسلام والاعتراف بإسرائيل وآخر يقول بالمقاومة ورفض التسوية السلمية وعدم الاعتراف بإسرائيل،وأصحاب كل برنامج يخونون أو يكفرون أصحاب البرنامج الثاني.لا يمكن تأسيس شراكة سياسية نضالية في ظل احتفاظ كل حزب بميليشياته وأسلحته وبتحالفاته الخارجية وبحيز جغرافي يستبد في بالسلطة دون الآخرين.

إن أخشى ما نخشاه أن طرح مفهوم الشراكة السياسية محاولة من حركة حماس للتهرب من المصالحة الحقيقية التي تؤسَس على استحقاق الوحدة الوطنية والمشروع الوطني المشترك .هذا لا يعني مطالبة حركة حماس بأن تتخلى عن مواقفها لتتماها مع مواقف منظمة التحرير أو تتخلى عن رؤيتها الإسلامية،بل المطلوب التوصل لبرنامج عمل مشترك في إطار رؤية وطنية مع إرادة لتنفيذ هذا البرنامج ،وقد سبقتنا شعوب خاضت تجربة مقارعة الاحتلال في التوصل لهذا النوع من الشراكة السياسية مثل جبهة التحرير الفيتنامية وجبهة التحرير الجزائرية الخ .في ظل الاحتلال يجب أن تتراجع البرامج الحزبية والأيديولوجية لصالح برنامج وطني مقاوم مشترك .

يمكن التعرف على رؤية حركة حماس للشراكة السياسية من خلال كلمة ألقاها الدكتور محمود الزهار في ندوة نظمها منتدى الأمة للتنمية يوم 23 يونيو 2012 حول الشراكة الوطنية،حيث قال إن الشراكة لا تعني أن يتنازل أي حزب عن برنامجه أو تندمج برامج الأحزاب في برنامج وطني واحد ،بل يحتفظ كل حزب ببرنامجه ،وبالتالي فإذا كانت حماس تقول بأنها لا تعترف بإسرائيل ولا تعترف بدولة فلسطينية على حدود 67 وتتبنى نهج المقاومة المسلحة فهذا من حقها ولا يجب أن يُطلب منها تغيير برنامجها،ويواصل القول وبالنسبة لفتح فإذا كانت تقول بالتسوية السياسية ورفض المقاومة المسلحة وتعترف بإسرائيل وتقبل بدولة على حدود 67 فهذا من حقها ،والشراكة في نظرية احتفاظ كل حزب ببرنامجه.

ولا نعرف كيف يمكن أن تقوم شراكة سياسية بين قوى وأحزاب لشعب تحت الاحتلال إن لم تكن شراكة في إطار رؤية واحدة للهدف الوطني ولإستراتيجية الوصول للهدف . كيف يمكن مواجهة الاحتلال في ظل تعارض البرامج والاستراتيجيات ؟ إن خطورة مفهوم الشراكة عند حماس أنه يبرر المحاصصة وتقاسم المواقع والمناصب في منظمة التحرير في ظل الاحتلال ويمهد الطريق لإدارة الانقسام فقط ،الشراكة التي يتم الترويج لها في الساحة الفلسطينية في ظل الانقسام لن تؤدي إلا لشراكة كيانات سياسية أو شراكة إدارة الانقسام.وما يبرر تخوفاتنا ويعزز شكوكنا الإفشال المتعمد لكل الحوارات والتفاهمات التي تؤسس لبرنامج وطني مشترك كوثيقة الوفاق الوطني واتفاق مكة والورقة المصرية للمصالحة وأخيرا اتفاق الدوحة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت