في احدى المناسبات كنت اتحدث مع مجموعة من الشباب حول معنى القيادة وأهمية أن يكون كل انسان قائد في مهامه وموقعه وموقفه وتأثيرة .. فاجأني احد الشباب بسؤال وهو : " كيف أعرف أن هذا الشخص يحمل شخصية قيادية ..؟! "
لقد توقفت لبرهة قبل أن أجيبه على السؤال وسالته مباشرة : ما هو تخصصك ، فقال لي " ادارة " .. فقلت له عليك ان تعرف أن هناك فرق أولا بين المدير والقائد ، كي لا تتداخل معك المسميات وبالتالي نفقد فرصة الوصول الى اتفاق حول الاجابة وكي لا نخدل في جدل نحن في غنى عنه ..
واستأذنت المجموعة في توضيح الفرق بأنه عندما يكون هناك شخص " مدير " فان نجاحه يكون من خلال قدرته الادارية في ادارة نشاطات المؤسسة التي هو " على رأسها " .. اذن هو مدير تنفيذي اساسا تصل له الخطط والتوجيهات .. وهو يلتزم بمركزه الوظيفي .. أما القائد فهو صانع الأفكار ويحمل ويصنع رؤية استيراتيجية مع مجموعة أهداف وخطط قصيرة " تكتيك " .. وعليه مسؤولية قيادية في قراءة المتغيرات واحداث التغيير ومواكبة التطورات المختلفة داخليا وخارجيا ... لهذا نجد دائما ان سلوك القائد يختلف عن اسلوب المدير .. فالمدير غالبا يتم سلوكه بتبعية لتقديره الذاتي واجتهادات ورغبات شخصية يبني من خلالها اسلوبه في التحكم والتصرف مع المرؤوسين المسؤول عنهم .. أما القائد فإن الجانب الشخصي والرغبات غالبا ما تذوب ولا تظهر للمرؤوسين لأن القيادة تعتمد على المشاركة الفاعلة والقيادة الجماعية مع وجود الالهام والزخم وبما يمثل الحوافز وتنشيط ملكات الفكر والعصف الذهني وقراءة المستقبل .. وهنا يبرز القائد بتميزه ونجاحه وقدرته على التأثير واحداث التأثير في مجريات الأمور سلبا وايجابا .. فربما هناك تصريح صارخ صدر من قائد ، لكنه في حقيقة الأمر أن هذا التصريح لا يكون رغبة منه أو تنفيسا لما داخله ، بل أن هذا رؤية متقدمة لقراءة الأحداث المطلع عليها ويعرف تفاصيلها وبداياتها ومساراتها وتشعباتها وبالتالي فهو يتصرف من خلال موقف قيادي وليس رأي شخصي خاص ، لهذا يتفاجأ البعض من تصرفات أو تصريحات القائد لأنهم يرسمون له شخصية بما تعودوا عليه ، فعنصر المفاجأة هنا تعتبر نجاح قيادي ونقطة فارقة وتصويبيبة ... ان الاحساس وممارسة المسؤولية مطلوب وكما ان التوجيه و الحزم في وقته وايضا التجاوز عن الخطأ يجب أن يتوفر في الشخصية القيادية .
وهنا بدأ الشباب في التجهز لطرح العشرات من الأسئلة وقراءة الواقع والأحداث واسقاطها على حديثي .. فاستأذنتهم في أن أكمل الاجابة لأعود الى السؤال كي تتضح الفكرة دون الدخول في جدل واسئلة تضييع الفائدة ..
قلت لهم وباختصار : إن الشخصية القيادية هل هي القادرة على إحداث التأثير في مجريات الأمور سلباً وإيجاباً وبالتالي هي القادرة على السيطرة على انفعالاتها ومشاعرها وكلماتها وطاقاتها وتوظيفها لصالح الرؤية والخطة التكتيكية أو المسار الخاص بوضع الحلول للأزمات الواقعة .. كما أن الشخصية القيادية تعالج خيالات المرؤوسين وافكارهم المتعددة المسارات لينتقل بهم من حيز التخيل الى حيز الواقع .. وربما احداث الصدمة عامل ايجابي وليس سلبي .. القائد هو من يصنع الفرص فوق جسر الرؤية ... وكلما كان القائد يملك المهارات والخبرات السابقة في مجال قيادته ، كلما كان تأثيره أقوى واسرع ..
عدت وانهيت النقاش بقولي : أن كل مسؤول هو قائد في مكانه ، وهو من يقرر هل سيكون مؤثرا أم غير ذلك .. ولهذا على من يكون في موقع القائد أو القيادة أن يتمتع بمكونات القوة القيادية بما يؤهله لأن يصبح قائدا موهوبا أو ملهما .. وربما نحتاج الى بناء جيل قادر أن يكون كل منه مؤهلا لأن يكون بالفعل قائد في مكانه .. في البيت وفي الشارع وفي المؤسسة وفي تنظيمه وفي حواره مع الغير .. نحتاج الى صنع التغيير الايجابي وبناء واقع يؤهلنا للبقاء بقوة التماسك والوحدة والاشتراك في حل مشكلاتنا المزمنة واحيانا المتزامنة مع بعضها البعض ...
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت