أزمة لم يعد استمرارها محتملا

بقلم: عبد الحليم أبوحجاج


الناظر في الخريطة السياسية يرى أن فلسطين كمجتمع سياسي قائم بذاته تكاد تنمحي من الوجود ، إذ حلت مكانها دولة إسرائيل , ودولة الأردن التي أُقيمت على أرض فلسطينية شرقي نهر الأردن سنة 1921, ثم ضمت الضفة الغربية لهذا النهر بموجب إجراءات سياسية وتشريعية معينة , أعانت حكومة الانتداب البريطاني على ضمها في ذلك الحين , بحيث أصبحت تعرف بالضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية منذ سنة 1949. وهناك قطاع غزة الذي بقي أمانة بيد الحكومة المصرية وتحت إدارتها بين سنة 1949-1967 دون أن يتمتع بطابع سياسي خاص به إلى أن احتله الإسرائيليون سنة 1967 إلى يومنا هذا .

إن وجود المجتمع السياسي الفلسطيني في بقعة من الأرض التي تعرف بفلسطين قد أثر تأثيرا جذريا في تصوُّر الصراع حول هذه الأرض , فانتقل من صراع طابعه خاص أحد طرفيه الشعب الفلسطيني إلى صراع طابعه دولي . وقد جر هذا الانطباع على الفلسطينيين خسارة سياسية فادحة , إذ استُـثـني كطرف رئيس في النزاع , ولم يعد موضع بحث للاهتمام به والنظر في مشكلته , وقد غـُيِّـب عن المؤتمرات واللقاءات الدولية , وأنابت الدولُ العربية نفسَها عنه بحجة قصوره السياسي . ويُعزِّز هذا الرأي عندما قامت الأمم المتحدة وتدخلت في هذا النزاع المستمر , وكان تدخلها على أساس وجود قضيتين منفصلتين : الأولى , نُظر إليها على أنها قضية لاجئين يحتاجون إلى رعاية وإغاثة إنسانية . وهي مشكلة ملحة تحتاج من المجتمع الدولي الإسراع في حلها حتى لا تؤثر بالسلب في استقرار المنطقة . فنُصبت الخيام لإيواء اللاجئين , وتدفق الطحين والأرز والعدس والزيت لإعاشتهم , هذا هو الحل الإنساني الذي سارعليه المجتمع الدولي لتسكين أوجاعهم وتخدير أحلامهم وتطلعاتهم . أما الثانية , فنُظر إليها على أنها نزاع قائم بين إسرائيل من جهة وبين الدول العربية ذات الجوار مع فلسطين من جهة أخرى , فساهم ذلك في تمييع القضية (المركزية !) . وبنظرة فاحصة نرى أن هذين التصوُّرين في عقل الأمم المتحدة أكدا على أن الصراع لم يعد حول فلسطين كأرض سُلبت وديار نُهبت وشرد أهلها وحلَّ محلهم أقوام غرباء عنها . وإنما هو صراع حول مشاكل معينة بين دول قائمة ذات سيادة من بينها إسرائيل , بحيث يمكن معالجة القضايا العالقة بين طرفي النزاع عن طريق القوانين الدولية التي تنطبق على تلك الدول , ولا تنطبق على فلسطين لأن الاعتراف الدولي كان مقصورا على إسرائيل التي حلت محلها . ولم تهتم الأمم المتحدة ولا الدول الكبرى بموضوع الدولة الفلسطينية ، ولم تركز على حقوق الشعب الفلسطيني في حق العودة إلى وطنه ، وحقه في تقرير مصيره بإقامة دولته كباقي شعوب الأرض . وقد يكون من نافلة القوم أن الشعب الفلسطيني لم ينسَ يوما وطنه وما غابت عنه فلسطين التي تسري في عروقه وتمتلك عقله ووجدانه , ولم يترك وسيلة ممكنة إلا استخدمها , ولم يغفل عن طريق إلا اتبعها لتأكيد هذه الحقوق الوطنية طيلة سنوات اللجوء .

فعندما قامت بعض الدول العربية بمجابهة إسرائيل إعلامياً ، ساهمت قطاعات متعددة من الشعب الفلسطيني بتأييدها عن طريق مشاركتها للحركات السياسية الهادفة إلى تحرير فلسطين , مما أكَّـد على تصوُّر الصراع بأنه في الدرجة الأولى صراع عربي- إسرائيلي , وليس فلسطينيا – صهيونيا . وهكذا يمكن أن يكون هناك تلاقٍ بين التصُّورين الدولي والعربي الرسمي لحقيقة المشكلة الفلسطينية , ونتيجة لهذا التلاقي في التصُّورين ظهرت آراء تُسوِّق حلولا مختلفة لهذه المشكلة . فهناك من رأى أنها قضية حقوق حدودية أمنية , وحرية ملاحة في الممرات المائية . وهناك من نظر إليها على أنها قضية اعتراف متبادل بين طرفي الصراع الرسميين (حكومات الدول العربية وحكومة إسرائيل ) لإحلال السلام والتعايش في المنطقة بتغييب الفلسطينيين كما حدث في اتفاقية الهدنة في " رودس " سنة 1949 . وقد كان الرابحان من نكبة فلسطين هما إسرائيل والملك عبد الله بن الحسين الذي كان له الدور الرئيس في ضياع فلسطين وتسليمها إلى الصهاينة والاعتراف بدولة إسرائيل مقابل مباركتها له بقضم الضفة الغربية وضمها لمملكته , وهذا ما كشف عنه الأستاذ أحمد الشقيري الرئيس الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية , والسيدة جولدامائير رئيسة وزراء إسرائيل السابقة . وهناك من غالى في تصوره لحل المشكلة الفلسطينية بتوطين الفلسطينيين في أرض بعيدة هنا أو هناك وقد روَّج له الأردنيون لأنه يُبعد عنهم الخطر ويطيل في عمر بقاء مملكتهم ، تماما كما يطيل في عمر بقاء إسرائيل . وقد أحدث ذلك تضارباً في الآراء واختلافاً في تحديد الأبعاد الوطنية المتعلقة بالأهداف الكبرى تجاه الشعب الفلسطيني وصراعه مع الصهيونية العالمية , فساعدت كلها على التصُّورات الخاطئه للمشكلة الفلسطينية , وكادت هذه التخبطات تؤكد على إدعاءات إسرائيل وتصديق زعمها بأنها صاحبة الأرض ، وأنها النعجة الضحية أمام هؤلاء الذئاب العربية المتوحشة .

فدوت صراخات الاستغاثة من أبواق اليهود تجلجل في فضاء الكون , وكان من نتائجها تعاطف شعوب وحكومات العالم معهم , وكان من بين المصدِّقين لادعاءاتهم عرب "مستعربون" من الأسرة الهاشمية في المشرق العربي ومغربه التي تدَّعي نسبها للرسول محمد- صلى الله عليه وسلم-: والله أعلم ! . وحينما بدأت إسرائيل بالحرب وأطلقت الرصاصة الأولى على مصر في يونيه 1967 وبادرت بالعدوان على الدول العربية المجاورة ، تململ الضمير العالمي من رقاده وتساءل : هل يمكن للنعجة الوديعة أن تتذأب ويظهر لها أنياب ومخالب تهاجم بها دولا وشعوبا مجاورة ؟ ... ما حقيقة الأمر؟.

عندما وضعت الحرب أوزارها وبانت جرائم إسرائيل باحتلالها للأراضي العربية ، وقف كثير من رؤساء وقادة العالم وقالوا يومئذ كلمتهم العادلة أمثال " ديجول " , وبالمقابل كان من تمادى في غيه وانحيازه لإسرائيل أمثال " جونسون " و" ولسون " وغيرهما من رؤساء الغرب الحاقد على الإسلام والمسلمين . وبعد أن سكتت مدافع الحرب النارية دقت طبول الحرب السياسية في ظلال الكآبة التي خلفتها الهزيمة , ونشأت على إثرها منظمات المقاومة الفلسطينية المسلحة التي كان لبطولاتها صدى عالمي , جعل الألسنة ترتفع في أرجاء المعمورة تتساءل تساؤل الذاهل : من هؤلاء الفلسطينيون ؟ ولماذا يقاتلون إسرائيل ؟ ماذا فعلت بهم ؟ وماذا يريدون منها ؟. وتفتحت هذه الأسئلة في أذهان الشعوب , فعرفوا لأول مرة أن هناك شعباً مشردًا مضطهدًا , سَلبت إسرائيل أرضه وطردته من وطنه بالتواطؤ مع انجلترا دولة الانتداب سنة 1948، وأحلت محله جماعات صهيونية جاءت من أدنى الأرض وأقاصيها , لا يربطهم ببعضهم جنس ولا عرق ولا نسب قومي ولا تاريخ مشترك إلا الانتساب إلى الدين اليهودي المتمثل في العقيدة الصهيونية التي لا تكفي وحدها أن تقيم كيانا سياسيا على أرض ليست لهم باعتراف توراتهم المقدسة . فتوالدت هذه الأسئله وراجت في عقول ووجدان كثير من شعوب العالم ، مما أكسب القضية الفلسطينية زخماً دولياً , ساعد على تدوير الصراع وتحويره من صراع عربي - إسرائيلي فقط إلى صراع فلسطيني – صهيوني .

ومرت السنون تحمل الكوارث والآلام ، ويتفاقم الكفاح الفلسطيني المسلح الذي حقق نجاحات مغموسة بدم الشهداء وأنات المصابين وآهات المعتقلين ...وكانت "أوسلو "المصيدة التي دخلها القائد المرحوم ياسرعرفات من بوابة واشنطن ، وقد شاركت بعض الأنظمة العربية المتهالكة على دفعه فيها ، وغلَّقوا وراءه الأبواب وأبقوا مغاليقها مع إسرائيل . وكانت المصيدة من زنزانتين إحداهما قطاع غزة والثانية الضفة الغربية . وكسبت إسرائيل وفريقها اللعبة الدامية بحبس المقاومة في قفص حديدي لا مجال للدفاع عن النفس من وراء قضبانه ، ولا خروج منه إلا إلى القبر , وإن أفظع السجون قهرا للسجين هو سجن بلا جدران . فقضي على المقاومة الفدائية وعلى الأحلام الوطنية للزعيم ياسر عرفات الذي يُحتمل أن تكون اليد الفلسطينية قاتلته بالسم الإسرائيلي ، فخرج من سجنه إلى القبر... وارتاحت إسرائيل والأردن وغيرهما من هذا الهم الذي اسمه " فدائي فلسطيني" .

" وفرغ القرد لمعط الجلد...", فرغ الفلسطينيون لتصفية حساباتهم من أنفسهم ، فانقسموا إلى اثني عشر حزباً ، وكانت الطامة الكبرى والضربة القاضية القاسمة يوم انقلاب حماس على السلطة ، فاستولت على قطاع غزة بعد أن هرب عسكر فتح من وجه عسكر حماس , لائذين بحصون رام الله التي تحرسها حراب الجيش الإسرائيلي ، وانحصرت دويلة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية فقط ، إذ رفعت فتح قواعدها بمشيخة عباسية في رام الله , بينما أقامت حماس إمارة حمساوية لها في قطاع غزة ، وما زلنا نحن- الفلسطينيين- مأسورين محاصرين , نعاني الأمرَّيْـن من جراء اقتتال فتح وحماس على سلطة واهية كبيت العنكبوت ، أرجعت القضية الفلسطينية إلى الوراء مئة سنة أو يزيد ؛ إلى قضية إنسانية تنحصر مطاليبه في رغيف الخبز وتوفير والأمن والعمل ، وفي الكاز والغاز والكهرباء التي تنقطع عنه بمعدل 16 ساعة في اليوم الواحد .

وارتاحت إسرائيل لهذا الانشطار، واطمأنت للرئيس عباس الذي أعلن كثيرا أمام كاميرات وسائل الإعلام أنه ينتهج المقاومة السلمية طريقا للوصول إلى حل مع إسرائيل ، يحسب نفسَه غاندي عصره ويصوِّر له وهمه أن مشكلة فلسطين يمكن حلها مع المحتلين الصهاينة مثلما حُلت مشكلة الهند مع المستعمرالإنجليزي ، وكان يردد دائما في مناسبات عـديدة أنه ضد المقاومة العسكرية المسلحة ، وكان يتباهي بكونه رجلا متحضرا ديمقراطيا ، ينتهج السياسة أسلوبا في حل المنازعات . ويتفاخر بكونه لم يحمل يوما مسدسا ولم يطلق يوما رصاصة من مسدس ، وابتهجت إسرائيل بهذا الرجل صاحب العبقرية الفـذة ، وعرفت كوامن الضعـف فيه ، فتجاهلته ولم تُعِـر مطالبه أي اهتمام , فزاد في عهده الاستيطان ، وبُنى الجدار العنصري الذي ابتلع الأرض ومزق الأهل والأقرباء . واتسعت رقعة الأرض المنهوبة ، وكثر عدد المحاسيم ( نقاط التفتيش) بين قرية وقرية ، ومن مدينة إلى مدينة بحيث يتعذر على عروس أن تصل إلى بيت عروسها (عريسها ) إن كان خارج حدود المدينة أو القرية إلا بتنسيق أمني ، وقد يُرفض طلبها وتعود أدراجها إلى بيت أبيها . وقد تلد امرأة على أحد المحاسيم وهي تنتظر وصول الموافقة الأمنية لدخولها مدينة قريبة من قريتها لدخول مستشفى للولادة فيها .

وغالبا يموت المولود وتحدث مشاكل صحية للوالدة نتيجة التلوث وعدم وجود رعاية صحية في الخلاء الحدودي . ولقد جرَّت هذه المحاسيم كثيرا من الويلات والتعطيلات على طلاب الجامعات والتجار وقاصدي الاستشفاء بالطب الخارجي . وليس هناك وصف للضفة الغربية وقطاع غزة أصدق من كونهما زنزانتين في سجن كبير بلا جدران ، يُحبس فيه الشعب الفلسطيني ذليلا منقوص الحقوق الإنسانية التي يمنحها العالم – الذي يدعى التحضر والتمدين – إلى الكلاب . ولكن الانقسام الفلسطيني أضعفَ من حضورالقضية الفلسطينية على الساحة الإقليمية والدولية ، وسوَّغ للأباعد والأقارب من عرب وعجم وأجانب أن يتنصلوا من مسؤلياتهم ويتذرعوا بالانقسام ؛ خاصة المتخاذلين المتصهينين أمثال نظام مبارك الهالك والنظام الهاشمي المنبوذ عربيا وإسلاميا ؛ وأخذوا ( يتحدَّقون ) بالكلام ويتساءلون بلسان إسرائيلي مبين : مَن يمثل الشعب الفلسطيني ، هل هي سلطة فتح عباس أم سلطة حماس ؟ وسؤال آخر : مع مَن يكون الحديث عن القضية الفلسطينية ، مع سلطة فتح عباس أم سلطة حماس ؟ . ولقد كان لهذا الانقسام كبير الأثر في يأس الشعب وإحباطه وانغلاقه على نفسه وراء الأبواب في حجرات سجن معتم . وراجت فكرة المصالحة بعد حدوث الانقسام سنة 2007 ، ويا للخزي ! ويا للعار! أن يرتضى فرقاء الشعب الفلسطيني الانتقال إلى خارج فلسطين للحوار والمفاوضة من أجل تثبيت دعائم المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني ، فاجتمعوا بجوار مكة المكرمة , وفي اليمن وفي قطر، ثم الرجوع للاجتماعات في مصرعلى مدى خمس سنوات دون أدنى نجاح في أي من الملفات التي تشبه الملفات التفاوضية مع إسرائيل .

والغريب العجيب أن الخلاف محصور بين فصيلين كبيرين هما : فتح وحماس ، فما بال زعامة سلطة رام الله وحكومة غزة تصران على حضور أكثر من عشرين فصيلا ، ولا يقل عدد أعضاء كل فصيل عن خمسة أعضاء مابين عضو مكتب سياسي وعضو لجنة مركزية وعضو لجنة تنفيذية وعضو مجلس وطني وعضو مجلس تشريعي وعدد من المستشارين لكل فريق وضيوف شرف وكلهم مصمودون مصفوفون في قاعة كبيرة على شكل مستطيل ينتظرون كاميرات التصوير .. وكل منهم يدلي برأيه الذي يمليه عليه حزبه بأيديولوجيته السياسية التي تعرقل سير المصالحة . فلماذا كل هذا العدد الحزبي الذي يفوق عدد الأحزاب في الوطن العربي ؟ ، مع أن بعض الفصائل بلا وزن وبلا حجم وبلا تأثير في الساحة ، إذ لا يتعدى أعضاؤه عشرة أفراد أو كما يقول المثل حمولة ( ميكروباس هونداي ) . لهذا فشلت المفاوضات وفشلت المصالحة لأن كثرة الطباخين تجعل الطبخة تشيط . وهناك سبب آخر وراء هذا الفشل وهو وجود رجال في سلطة رام الله تحالفوا على إفشال المصالحة ، فهم في دويلتهم نبلاء ولوردات ، وهنا في سلطة حماس رجال لا يريدون المصالحة ويعملون على تخريبها ، فهم في إمارتهم أمراء وسلاطين ، والحسرة على سائر الشعب الذي يحترق في مقلى يوليه وأغسطس ، وما أشد سواد أيامه ، وما أكثر ظالميه وما أكثر المنتفعين بالانقسام الذين اغتنوا وأثروا ثراء فاحشا سواء في الضفة أوالقطاع ، فصار لدى كثير منهم ملايين الدولارات وعشرات الدونمات وقصور فارهة ومنتجعات سياحية جميلة ، ولا ينقصهم إلا عمر بن الخطاب يسألهم : من أين لكم هذا ؟ . ولعلي لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن أخطر رجل تولى ملف القضية الفلسطينية هو محمود عباس ، وخطره هذا ينعكس بالهزيمة المتجددة التي ما فتئت تحل بالويلات على رأس الشعب الفلسطيني الذي يعض الأنامل ندما على انتخابه رئيسا .

وتكمن خطورته في رفع شعار المقاومة السلمية وكأن الكلمة أو الادعاء بالحق في المحافل الدولية يعيد لنا شبرا من أرض سليبة أو يهدم حجرا في جدار الفصل العنصري . وسيسجل التاريخ بأقذر أقلامه أن عباس أضاع القضية التي رفع دعائمها القائد ياسرعرفات بالبندقية ، وخذل قطاع غزة وأهله بهروبه منه وبتخليه عنه لحماس . وسيسجل التاريخ أيضا أن عباس استمرأ الرئاسة وأعجبته كلمات الإطراء المخدرة من هنا وهناك التي تشيد بديمقراطيته وبعقلانيته وبفلسفته الواقعية الاستسلامية . كذلك سيسجل التاريخ بأوسخ أقلامه أن حماس تسعى إلى السلطة والزعامة والإمارة تاركة وراءها النشاط العسكري والدبلوماسي مكتفية بإقامة الأعراس الجماعية والاحتفالات الجامعية وبالأفراح الخاصة بها ، وباستقبال " جالوي " ذي الزيارات المكوكية ، فتحتفي به حكومة غزة وبغيره من أفواج الزائرين المتضامنين مع أهل قطاع غزة ... فماذا فعلت هذه الأفواج الزائرة ؟ هل جاءت بالسولار لتوليد الكهرباء التي تنقطع ليل نهار؟ . هل فتحت معبر رفح الذي أغلقه مبارك بمشاركة عباس ؟ هل أخرجت طلابا إلى جامعاتهم ومرضى لعلاجهم في الخارج ؟ هل أخرجت أصحاب الإقامات للالتحاق بأسرهم في الخارج ؟ فماذا جلبوا معهم ؟. إني أقول للقارئ ماذا جلبوا : إنهم جاءونا بالسَّواد ، فعندما يُعلن عن اقتراب مجيء هذا الفوج المتضامن إلى غزة تزيد ظلمة سماء غزة ونبيت في ظلام دامس حتى يصل الزائرون ويروا غزة بلا ملامح وهي تغرق في بحر من الظلمات ، فتكشف لهم حكومة غزة الغطاء عن همومنا ، ثم تستجديهم العواطف وتتوسل منهم المال والعطايا ، ولا ينتفع الشعب من ذلك بشيء ، حتى الهبات العينية التي تأتي لتوزيعها على الناس تباع في الأسواق بمبالغ باهظة ، فتتكدس الأموال وتنتفخ الكروش . والحقيقة.... الحقيقة أننا محاصرون فعلا ؛ ولكن يشترك في حصارنا سلطة رام الله وحماس غزة مع إسرائيل . فإلى متى يبقى عباس رئيسا يمسك بيديه كل مقدرات السلطة والمنظمة والجيش والأمن وحركة فتح والصندوق القومي ؟ . إلى متى يظل عباس يتمادى في تنازلاته لإسرائيل وصمته عن جرائمها ؟ .. إلى متى يظل عباس رئيسا وقد انتهت مدة رئاسته وانتهت مدة صلاحيته وصلاحية الكهنة الذي حف نفسه بهم من أجل استمرار بقائه على سدة الحكم ؟. إلى متى تظل حماس تقتطع لنفسها قطاع غزة إمارة مسلوخة من الجسد الفلسطيني الكبير ؟ . إلى متى يظل أهل غزة في حصارهم ومعاناتهم اليومية بلا ماء صالح للشرب ولا كهرباء تخفف عنهم لظى الحر في الصيف وتقيهم من لسع البرد في الشتاء ؟ إلى متى يظل أهل القطاع رهينة الجوع والبطالة وانعدام الوظائف للخريجين إلا لمن رضي عنه وزكاه المسجد القائم في حيِّه ؟ . تماما كما كان الأمن الوقائي قبل الانقلاب يرشِّح المتقدمين ويزكيهم للوظائف الحكومية . إلى متى يظل الخلاف قائما بين الطرفين الخصمين على من يتسلم الأموال ويتولى إعادة الإعمار في قطاع غزة بعد حرب الرصاص المصبوب في ديسمبر 2008 و يناير 2009 ؟ وهل يرضيكم أن يبقى أفراد الأسر مبعثرين في العراء يلتحفون السماء ويفترشون الأرض ولا يجدون ما يسترون به أنفسهم إلا بعض حجارة من بيت هدمته طائرة f16 ؟ . إلى متى يظل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفي قطاع غزة جبانا يرتضي بذل عباس وهوان حماس؟.

إلى متى يظل قطاع غزة حديقة حيوان لفرجة السائحين أمثال " جالوي" وأفواجه السياحية ؟ . يقول حكيم في كتاب قرأته " إن قوة المستبد تكمن في ضعف الشعب الذي يرزح تحت نير الاستبداد " وأقول أنا : " هناك ثلاثة أنواع من الشعوب : الأول : شعب سيد نفسه ، حياته قائمة على استعباد الآخرين وتسخيرهم ونهب خيراتهم . الثاني شعب يأبى الظلم ويرفض العبودية ويضحي من أجل الحرية والسيادة . والثالث : شعب يستمرئ العبودية وتطيب حياته بالتبعية ، غير قادر على حكم نفسه بنفسه ، لهذا فهو يخشى الحرية ويفزع من الديمقراطية ، فكلما حاول المستبد أوالمحتل أن يتَركه ، تعلق به ليعيده " دخيلك ارجع ".
ترى عزيزي القارئ الفلسطيني : لأي أنواع الشعوب الثلاثة ينتمي شعبنا الفلسطيني ؟ وهل تنتظر منه ربيعا عربيا يطيح بالعروش ويحاسب أصحاب الكروش الذين ( كوَّشوا ) على كل شىء في حياتنا ؟ أما أنا فلا أرتضي لهم ربيعا عربيا بل أريده صيفا حارا حارقا ، مصحوبا بإعصار فيه نار وبزلزال يجلب الدمار وبركان تطهِّر حممه كل فساد وكل تلوث . عسى ربنا أن يخلصنا من حكومة حماس ومن حكومة فتح عباس ، وأن يرحمنا من سائر الأحزاب التي تجلب الخراب على البلاد والعباد . وقد صدق الله العظيم فينا " يخربون بيوتهم بأيديهم .*

للكاتب الصحفي / عبد الحليم أبوحجَّاج

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت