الفلسطينيون ولعبة الأواني المستطرقة

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج


ابتهج الفلسطينيون وجلهم من الطبقة الحاكمة في غزة والبعض من أتباعهم في أنحاء الأرض، واحتفلوا في غزة بفوز الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي احتفالاً صاخباً ومصحوباً بإطلاق الرصاص، وكانت الفرحة بادية على وجوههم أكثر مما هي على وجوه الإخوة المصريين. وحالهم كحال البعثيين الفلسطينيين الذين ابتهجوا قديماً وصفقوا وهتفوا لاستيلاء حزب البعث على السلطة في كل من سوريا والعراق، وكحال كل المهللين للإنقلابات في الأنظمة العربية، فهرولوا الى الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي ينشدون الخلاص، وهرولوا الى الرئيس السوداني الراحل جعفر نميري، وهرولوا وهرولوا الى.......وغيرهم. مصدقين شعارات المنقلبين على الحكم في الدول العربية "من أجلك يا فلسطين انقلبنا" و" تحريرك يا فلسطين هدفنا" و "الوحدة العربية طريقنا". وكأنهم أي الفلسطينيون لمحوا ضوءاً في آخر النفق، وانفتحت أمامهم طاقات الأمل بالتحرير القريب. وانطلقوا يركضون نحو أحضان المنقلبين على الحكم، فيحتضنونهم في البداية، ويقدمون اليهم الجزرة، ويفرشون لهم البساط الأحمر مهللين للأشقاء من فلسطين الحبيبة، ولما يحكم المنقلبون قبضتهم على السلطة، يأسرون من هرول اليهم من الفلسطينيين رهناً لمصالحهم الشخصية، ولتصفية حساباتهم مع معارضيهم ومع نظرائهم المناهضين لفكرهم من الدول العربية الأخرى. ثم يشهرون لهم العصا الغليظة، ويسحبون من تحت أرجلهم البساط ، فيستفيدون منهم حيث يستخدمونهم ويسخرونهم في أغراضهم الشخصية، ولما ينتهوا من تحقيق أهدافهم الشخصية، يلقون بهم على الأرض ويدوسونهم بأقدامهم كعقب السيجارة بعد أن يستنشقها المدخن بشراهة ويحرقها حتى آخر قشة تبغ فيها. وعلاوة على ذلك ينقسم الفلسطينيون تبعاً لولاآتهم العربية، فهنالك البعثي السوري عدوٌ للبعثي العراقي، والقومي الناصري عدو للأخ المسلم والتحريري، والتحريري والأخ المسلم عدو للعلماني بكل أطيافه،....وهكذا. فتفرقوا شيعاً وتشتت قواهم وطاقاتهم، وابتعدوا عن الهدف وزادوا بعداً عنه، ولم تكن انجازاتهم بمستوى عطائهم وتضحياتهم حيث طغت الفردية في أعمالهم على الجماعية، وتنافرت طاقاتهم ومجالاتهم المغناطيسية داخل الإطار الوطني.

اعتقد الطيف الفلسطيني المحتفل في غزة بفوز الرئيس مرسي أنهم اقتربوا من النصر، وهم يدركون تماماً أن النصر من وجهة نظر واقعية بعيد عن المنال في واقع الحال، الا بتدخل وإرادة من الله سبحانه وتعالى لا يعلم بها وبموعدها الا هو وتبقى في علم الغيب، ولا يعول على علم الغيب بأمر من الله الذي أمرنا أن نغير ما بأنفسنا وأن نتفكر ونعمل ونسعى ونجد ونجتهد لتغيير الواقع المر السيء الى واقع حسن أو أقل منه سوءاً أضعف الإيمان. والمعنى المبطن للنصر هنا عند المحتفلين مغاير للمعني الظاهر والذي يختمر في العقل الوطني الفلسطيني. وحقيقة فرحتهم في غزة بفوز مرسي لا تنبع من المشاعر الوطنية الجغرافية، وإنما كانت نابعة من المشاعر الحزبية الفئوية الضيقة والمحلقة في مجال لا يقع في مجال المصالح الوطنية. وتغرد خارج السرب الوطني. وقد غلفوا هذه الفرحة الفئوية بغلاف وطني لكي تنطلي على عامة الناس، حيث صرح أحد زعاماتهم، بأن فوز الرئيس الدكتور محمد مرسي هو مقدمة للخلافة الإسلامية التي ستوصلنا الى تحرير القدس وفلسطين ونتمنى من الله أن يسمع منه ولكن الله لا يسمع من قاعد ومختلف مع نفسه ومع شقيقه. إنه الوهم والخيال الجامح من وجهة نظر وطنية فلسطينية عركتها التجارب والأحداث واعتبرت منها. وربما كان صورة مزيفة للحقيقة من وجهة نظر لا تؤمن بالأرض والجغرافيا وطناً، إنما موطنها الجنة محلقة في سماء العقيدة ومجالاتها دون النزول الى الأرض، لتختط وتعبد الطريق الى الآخرة وحسن الخاتمة، وهذا مغاير لسنة الله في خلقه، ومنافٍ للهدف من نزول سيد البشر آدم وزوجته حواء الى الأرض لكي يسعوا فيها ويعمروها.

يفر الفلسطيني هرباً من واقعه المؤلم هروباً الى الأمام، فيتجه مكشوفاً للأعداء نحو الأعلى ليستوي منسوبه مع منسوب غيره من الشعوب، تماماً كالماء في الأواني المستطرقة، لعله يلامس هدفه في تحرير فلسطين وبستعيد وطنه السليب وهويته الضائعة المضيعة، مثله كمثل الباحث عن الإبرة في كومة من القش. في حين كان يتوجب عليه أن يكر ويفر وينزل للأرض مقاوماً مستتراً ليقي نفسه من التهلكة ويؤلم الظالم ويقلقه في منامه لكي يردعه عن ظلمه. فلا يعطي العدو الفرصة في النيل منه ولا يفرض على نفسه معركة يتفوق فيها العدو بأدواته فيكون فيها من الخاسرين.

لم يستفد الفلسطينيون من الدرس الذي تكرر معهم مع كل انقلاب أو تغيير في حكم عربي، ولدغوا من الجحر مرات ومرات، وربما يُلتمس لهم العذر في بداية المشوار، لكن أن يستمر هذا الهروب الى الأمام لأحضان المتسلطين من العرب حتى يومنا هذا، فذلك دلالة على غياب الوعي والحكمة واستمرار التعامل مع القضية بالعواطف وردات الفعل، والإنبهار بالشعارات البراقة. في حين أن قضيتنا المعقدة بحاجة الى التعامل معها بالعقل الواعي والصبر والثبات ووحدة الموقف.

يجب على الفلسطينيين مهما قسا عليهم الزمن وتكالبت عليهم المحن أن يكفوا عن لعبة الأواني المستطرقة، ويجب أن يتوقفوا عن الهروب المكشوف الى الأمام بأحضان الضعفاء والباحثين عن مصالحهم الشخصية. وأن يكفوا عن التشرذم تبعاً للولاآت والمحاور، ولن ينفعهم الاّ حضن الجد والجدة، والأم والأب (الوطن) وحضن الأخ وابن العم والعم والخال وابن الخال والأخت والزوجة والعمة والخالة والجار (الشعب). ولن يعلي كلمتهم ويقربهم من هدفهم الا الوحدة الوطنية والإلتفاف على هدف وطني وبرنامج وطني واحد وموحد.

عودوا الى رشدكم أيها المحتفلون والمصفقون والمهللون للرئيس المصري بمشاعر طاغية فاقت في تعبيرها المشاعر الوطنية المصرية، وتعاملوا مع الأمور بروية وتعقل واتزان، واعتبروا من الماضي والعثرات والكبوات وطعنات الخناجر من الأقربين. فالرئيس المصري لديه تركة وطنية مصرية ثقيلة، تستحق وتتطلب منه العمل ليلاً ونهاراً طيلة فترة حكمه ولن ينتهي منها، ولن يترك الوطن المصري ويقفز عن حاجز عالٍ لن يستطيع اجتيازه حياً لكي يصل الى الهدف الفلسطيني من أجل عيون طائفة احتفلت لفوزه في غزة ويترك العيون المصرية الشاخصة نحو واقع اقتصادي افضل. ركزوا جهودكم على الهدف الفلسطيني الوطني بقلوب مجتمعة لا متفرقة لكي تتقدموا خطوات نحو تحقيق المصلحة الوطنية العليا.

للوطن (وأي وطن) بوصلة أو قبلة وطنية واحدة يتجه اليها ويسير بهديها أبناء هذا الوطن مهما اختلفت اتجاهاتهم، تماماً كالمسلمين في صلاتهم يتوجهون لوجهة واحدة مهما تعددت اتجاهاتهم. وإن تعددت البوصلات الوطنية، تنافرت الجهود والطاقات وكانت الهزيمة هي المآل.

فتقدموا أيها المحتفلون نحو الوحدة الوطنية الفلسطينية بصدور رحبة ونيات خالصة، قبل التهليل والإحتفال بفوز رئيس أو أمير عربي، فهي الأولوية الآولى في الأجندة الوطنية الفلسطينية، ومن شذ وحرف عنها الى أولويات أخرى فهو بعيد كل البعد عن الوطنية الفلسطينية ، ويحملها شعاراً عارياً من لياس التطبيق وتصديق القول بالعمل. ومهما تكن نواياه متعمداً أو مخدوعاً فهو يعمل ضد المصلحة الوطنية الفلسطينية ولن يرحمه التاريخ.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت