العدّو يقاوم بنا احتلالنا لأرضه

بقلم: صلاح صبحية


لماذا نهرب من واقعنا ، ونغطي عيوبنا بغربال ، ونسمي أنفسنا بملائكة هذا الزمان ، وكلنا عيوب وأدران ، وإن كانت لنا بعض الحسان ، فلسنا في فلسطين بمنأى عن أي ربيع عربي أو فلسطيني ، بل في الحقيقة لسنا بمنأى عن أي خريف فلسطيني يكشف كل عوراتنا التي أصبحت تـُرى من خلال ملابسنا البالية ، فلم تعد الأمور بحاجة إلى من يقول أننا في فلسطين لسنا جزءاً مما يجري في عالمنا العربي ، ولم يعد أحدٌ قادر أن يقول أننا في فلسطين نعيش الحرية والديمقراطية المفقودة في الدول العربية ، كلامُ فلسطيني لم يعد مقبولاً ، وفعلٌ فلسطيني رسمي لم يعد مقبولاً ، ولا سيما أنّ كلامنا وفعلنا الرسمي تجاوز كل حدود المنطق الوطني الفلسطيني ، وديمقراطية البنادق التي كنا نتغنى بها في الشتات وخاصة في جمهورية الفاكهاني لم يعد لها وجود ومعنى في جمهورية رام الله اليوم ، وأصبح الحال الفلسطيني سيئاً للدرجة التي نسينا فيها من نحن ، وما هو حالنا ، وكيف أصبحنا أداة في يد الاحتلال يفعل بنا ما نشاء .

نلوذ بضعفنا الفلسطيني إلى جامعة الدول العربية ولجنة متابعتها اللتان لا حول ولا قوة لهما ، ونتطلع غرباً إلى عدونا الأمريكي نستصرخه أن ينجينا مما نحن فيه ، فلا يجيب لنا دعوة ، ولا يهتم لأمرنا ألا بقدر تنازلنا عن حقوقنا ، فمنذ كان لنا هجوم سياسي باتجاه الأمم المتحدة من أجل نيل العضوية الكاملة في الجمعية العامة ولم ننجح بالحصول عليها ، وقلنا يومها إذا كنا خسرنا معركة علينا ألا نخسر الحرب ، وإذا لم نتمكن من الدخول إلى الجمعية العامة عبر مجلس الأمن الباب الرئيسي لها ، علينا أن ندخل من الأبواب الفرعية ، مثلما دخلنا إلى اليونسكو ، كان ممكن لنا أن نخوض معركة الدخول إلى كافة منظمات الأمم المتحدة ، ولكن رغم أننا شمرنا عن سواعدنا لندق أبواب تلك المنظمات الدولية باباً باباً إلا أننا تلكأنا وتقهقرنا إلى الوراء ، لماذا ، لأنّ عدونا الأمريكي لا يريد لنا ذلك ، وهنا الطامة الكبرى التي هي من صنع يدنا الفلسطينية ، لأنه عندما لجأنا إلى الجامعة العربية ولجنة المتابعة فإذا بنا نصطدم بالموقف الأمريكي من داخل لجنة المتابعة العربية ، فالأمريكيون مشغولون بالانتخابات الرئاسية ولن يشغلوا بالهم بأي قضية أخرى ، هي لعبة العدّو الأمريكي دائماً وأبداً ، الانتخابات الأمريكية الورقة الحمراء المرفوعة أبداً في وجهنا أمريكياً وعربياً ، وبين الانتخابات والانتخابات نراهن على خطاب الرئيس الأمريكي ، فيأتي الخطاب الرئاسي الأمريكي مخيباً للآمال ومحبطاً للهمم ، لتتكرر خطب الرئيس الأمريكي ، فتكون وعوده كاذبة ، يضحك علينا بكلامه المعسول ، ونحن ننتشي فرحاً وطرباً لما يقوله الرئيس الأمريكي في بيته الأبيض ، أو في أي مكان يختاره ليوجه أكاذيبه إلى أنظمة تعيش على الكذب فتصدقه ، فالكذب الأمريكي حلاوة الحاكم العربي والسراب الخادع للقيادة الفلسطينية ، ويمضي العرب عامة والفلسطينيون خاصة يـُلدغون من الجحر الأمريكي صباح مساء ، وكأنهم أصبحوا لا يعرفون طعم الحياة وطعم السياسة إلا من خلال المخدّر الأمريكي .

ومن المؤسف حقاً أن لا ترى القيادة الفلسطينية ما يجري في الشارع العربي ، بل الحقيقة هي ترى ما يجري وتستفيد منه سلباً وليس إيجاباً ، وهي تفكر في حقيقة وجودها كسلطة لم تحقق لشعبها أي شيء ، ولكنها بدل أن تعترف بتقصيرها وتقاعسها راحت تعمل على حماية عرشها في رام الله وغزة ، فلا مقاومة للاحتلال ، والاعتقال هو جزاء من يدعي بأن الصهاينة هم أعداء الشعب الفلسطيني ، لأنّ الصهاينة هم أهلنا ، هم جيراننا ، هم أصدقاؤنا ، ويجب علينا أن نحترم حقوق الأهل والجيران والأصدقاء ، فلا نشتمهم ولا نغتابهم ، ولا نسيء إليهم بأي كلام فاحش ، وحتى لا يكون خريف فلسطيني يعرينا جميعاً ، فإنّ القيادة الفلسطينية تصد ريح الخريف بأجهزتها الأمنية التي لا تعرف من الأمن إلا امن العدّو الصهيوني على أرض فلسطين ، فليأتنا موفاز قاتل أطفالنا ، وقاتل قائدنا عرفات ، وليضع رجله على قبر أبو عمار ويقول له : ها نحن عدنا ثانية إلى المقاطعة يا عرفات ، وكيف لا يكون لنتنياهو وليبرمان وباراك وموفاز ما يريدون ، ونحن غير عابئين بالاستيطان الذي يأكل من أرضنا الأخضر واليابس ، وسلاحنا في مقاومته الشجب والاستنكار ، ألسنا اليوم بحاجة إلى خريف فلسطيني يعرينا .

يخطب الرئيس الفلسطيني في كل زمان وكل مكان ، مشدداً على المقاومة الشعبية ، المقاومة الشعبية ضد الاحتلال وضد الاستيطان ، وهذا ما قاله أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 23/9/2011 (إن شعبنا سيواصل مقاومته الشعبية السلمية للاحتلال الإسرائيلي ولسياسات الاستيطان والابرتهايد وبناء جدار الفصل العنصري، وهو يحظى في مقاومته المتوافقة مع القانون الدولي الإنساني والمواثيق الدولية بدعم نشطاء السلام المتضامنين من إسرائيل ومن مختلف دول العالم مقدماً بذلك نموذجاً مبهراً وملهماً وشجاعاً لقوة الشعب الأعزل إلا من حلمه وشجاعته وأمله وهتافاته في مواجهة الرصاص والمدرعات وقنابل الغاز والجرافات. ) ولكن هل مارسنا هذه المقاومة الشعبية حقاً ، ربما في نعلين وبلعين والمعصرة والنبي صالح وغيرهم ، ولكن ليس في كل الوطن الفلسطيني ، ففلسطين المحتلة أرضها ليست فلسطين المحتلة أرضها بعد صلاة الجمعة فقط ، والمقاومة الشعبية ليس عمادها المتضامنون الأجانب ، المقاومة الشعبية الحقيقية ، هي المقاومة الشعبية الفلسطينية ، حيث أنّ الشعب الفلسطيني هو عماد المقاومة وليس نشطاء السلام ، الفصائل الفلسطينية وفي المقدمة منهم حركة " فتح " هم عماد المقاومة الشعبية ، أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء المجلس الثوري في حركة " فتح " هم طليعة المقاومة الشعبية إذا أرادت " فتح " المقاومة الشعبية ، والمقاومة الشعبية لا تمارس في ساحة المنارة في رام الله ، إنما تمارس المقاومة الشعبية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال ، في مواجهة الاستيطان ، وفي أنحاء الوطن المحتل وليست داخل رام الله ، المقاومة الشعبية الفلسطينية هي التي ترفض أن يكون شعبنا أداة في يد الاحتلال ، ولا يمكن لشعبنا أن يقاوم الاحتلال مقاومة شعبية والتنسيق الأمني الفلسطيني قائم على قدم وساق بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وبين قوات الاحتلال ، فأي كلام عن المقاومة الشعبية السلمية من قبل الرئيس الفلسطيني هو لذر الرماد في العيون ، وذلك في ظل التنسيق الأمني ، وعدم سماح الرئيس بتعرض المقاومة الشعبية لحواجز الاحتلال ، فكيف للرئيس أن يتحدث عن المقاومة الشعبية بينما هو على الأرض يرفض هذه المقاومة الشعبية ، كيف نأسى ونحزن على تألم مستوطن صهيوني واحد ، بينما لا نأسى ولا نحزن ونحن نتقاعس في الدفاع عن القدس وعن الأقصى ، وكيف لا نهتم لبيوتنا التي تهدم ، ولأشجار زيتوننا التي تقلع لتصبح زينة في بيوت الصهاينة في فلسطين المحتلة عام 1948 ، وكيف تكون المقاومة الشعبية التي يريدها السيد الرئيس .

أننا نعيش في فلسطين سواء في الضفة أو القطاع أسوأ حالات النظام العربي ، نقمع كل من يفكر بإنهاء الاحتلال ، نقمع كل من يفكر بإسقاط النظام الأمني الذي هو أكثر سوءاً من الأنظمة العربية الأمنية ، لا تختلف في ذلك رام الله عن غزة ، وإنّ آخر ما تفكر فيه القيادات الفلسطينية هو مقاومة الاحتلال وخاصة في القدس التي باتت جميعها في قبضة الاحتلال ، فكيف لهذه القيادات أن تبدع هجوماً سياسياً فلسطينياً على الجبهة العالمية وهي تعيش ذهنية النظام الأمني العربي ، فلا تفكر إلا في قمع من يسيء إلى النظام الفلسطيني ، الذي قفز أخيراً قفزة عالية وهو يستدعي أفراد أمن أوربيين لحماية السيد الدكتور سلام فياض ، وممن تكون حمايته ، من ثورة الموظفين الذين لا يستلمون رواتبهم إلا بالذل والهوان ، أم من ثورة الشباب العاطلين عن العمل ، وكم هي كلفة الحماية الأمنية للدكتور سلام فياض ، فكيف لا يبارك الاحتلال تقاعسنا عن مقاومته ، كل ذلك نتيجة الرهان في حل قضايانا عل العدوّ الأمريكي ، متناسين قدرة شعبنا في مقاومة الاحتلال إذا ما وجد القائد الحقيقي والقيادة الحقيقية ، فلينعم الاحتلال باحتلاله أرضنا ، بل أن العدّو الصهيوني هو الذي يقاومنا اليوم لأننا نحتل أرضه ، لأننا نحتل يهودا والسامرة ، فلتستر القيادات الفلسطينية عوراتها وهي تساعد العدّو الصهيوني على تحرير أرضه من الاحتلال الفلسطيني بالذهاب كل يوم إلى لجنة المتابعة العربية التي تعمل على إلغاء الوجود الفلسطيني من الخارطة الفلسطينية ، إنه واقع فلسطيني مرير حيث فـُقدت الثقة بين القيادة والشعب إن كانت توجد قيادة للشعب ، وأصبح الشعب الفلسطيني بحاجة إلى ثورة حقيقية ضد واقعه المأساوي ليخوض حرب الحرية والاستقلال .

25/7/2011 صلاح صبحية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت