مما لا شك فيه أن شريحة الشباب في المجتمع الفلسطيني تشكل نسبة تعدت الـ 40% من مجموع عام الشعب الفلسطيني كانت وما زالت القوة الضاربة في مختلف المراحل النضالية التي مر بها شعبنا الفلسطيني بداية منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية ومرورا بتفجير الانتفاضة الأولى والثانية التي تنم عن وعي الشباب الفلسطيني بقضيته وإصراره للانخراط في العمل الوطني النضالي دفاعاً عن قضية شعبه وحقوقه المشروعة بشكل منظم من خلال الحركة الشبابية والطلابية والأحزاب السياسية، والمساهمة في تأسيس السلطة الوطنية على أرض الوطن وحمايتها والدفاع عنها، وامتلاك روح المبادرة في تكوين مؤسسات المجتمع المدني وتدعيم فكرة المقاومة الشعبية على الأرض في الضفة وغزة، والمناداة بحق العودة للاجئين وتنظيم مسيرات العودة والحملات الشبابية والحراك الشعبي للمطالبة بإنهاء الانقسام الفلسطيني والوحدة والتلاحم لمواجهة التحديات، والوقوف بجانب القيادة في استحقاق أيلول والتوجه العام لإعلان الدولة في الأمم المتحدة.
ومع ذلك نرى أن هذا الدور الريادي والمتقدم للشباب الفلسطيني مر بمنعطفات عديدة وخاصة بعد توقيع اتفاق أوسلو، حيث تأثر الشباب بالمسار السياسي الذي مرت به القضية الفلسطينية، ويعاني تهميشاً مزدوجاً، تارة بوصفهم جزءً من الشعب الفلسطيني الرازح تحت نير احتلال استيطاني، وتارة بوصفهم فئة اجتماعية في مجتمع لا يولهِم أي اهتمام، وعانى من حالة اليأس والإحباط والركود في العديد من الأحيان وذلك نتيجة للنظرة السلبية التي كان ينظر إليها للشباب على أنه متلقن للمعلومة والأوامر من القادة والساسة دون حق المشاركة وإبداء الرأي والقمع والرقابة أدى إلى تحويل المشاركة السياسية للشباب تنحصر في أشكال محددة، كما تقيد روح الإبداع لديهم، ووقوع معظم الشباب ضحايا صراع القيم والمرجعيات الثقافية والأيديولوجية والسياسية وتجاذباتها، وبالتالي تقزيم دور الشباب واستغلالهم لخدمة طموحات وتطلعات كبار القادة والساسة لتحقيق أهدافهم الشخصية على حساب الشباب أنفسهم وأمالهم وتطلعاتهم المستقبلية، حتي أن معظم من يرفعون شعار حقوق الشباب هم أول من يهدرون حقوق الشباب ويبعدونهم عن الخارطة السياسية والمجتمعية لغرض في نفس يعقوب، والأمر الغريب العجيب ترى أن الوفود الشبابية التى من المفترض أن تكون من الشباب تشكل من كبار السن من الصفوف القيادية الأولي على أنهم شباب وأعمارهم تزيد فوق الخمسين عاما يشاركون في المؤتمرات الدولية تعبيرا عن الشباب وهذا أمر يراد به الالتفاف على روح الشباب ومنحهم التقاعد المبكر.
كيف لا واليوم يعيش الشباب حالة من التقييد والمراوحة في أماكنهم، خاصة حينما ينظر إلى الحراك الشبابي العربي، وما حققته هذه الثوراث على أرض الواقع من انجازات ملموسة بفعل حراكها الشبابي، الأمر الذي أدي الى الحصرة في قلوب شباب فلسطين, بفعل القيود التي تكبل دور وقدره الشباب على العطاء، مما يجد نفسه اليوم أسير الحالة الفلسطينية العقيمة على كافة المستويات وفي حالة تقاعد مبكر، فالانقسام ما يزال يراوح مكانه بسبب منافع سلطوية ومصالح حزبية وفئوية, بعيدة كل هموم الوطن والمواطن، وحالة التشرذم الداخلية بين المد والجزر، وجمود العملية السلمية وغياب الرؤية لمستقبل النظام السياسي الفلسطيني.
وإذا كان الشباب يتمايزون بالدينامكية والمثابرة والتطلع إلى المستقبل عبر تبوء مراكز قيادية بالمجتمع على المستويات المؤسسات والوظيفية والسياسية والنقابية والاجتماعية المختلفة، فلا بد من الإدراك الحسي والعقلي لمجموع ما يواجهه الشباب من تحديات التي تحتاج أولا إلى القناعة من الشباب أنفسهم بأن لهم حقوقا لابد من انتزاعها فالحق ينتزع ولا يوهب، وإمكانيات التغيير تحتاج إلى مزيدا من العمل وتعاضد وتوحيد الطاقات في مواجهة هذا الواقع السيئ الذي يهدد مستقبل الوطن برمته ومنهم الشباب، وأن تقفوا في وجه كل من يريد لكم التقاعد المبكر والنضال لصيانة مكتسباتكم ومنع الانقضاض عليها كخطوة هامة باتجاه العمل على تحقيق حقوق الشباب العريضة على المستويات المختلفة بما يضمن مشاركتكم في التأثير الإيجابي في صناعة القرار السياسي الفلسطيني وصيانة الثوابت السياسية ويدعم من مقومات الصمود لشبابنا ولشعبنا.
بقلم / أ.رمزي النجار
باحث وكاتب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت