لا تثقلوا ظهر الحصان بالأوهام ..ولا تقيدوا قوائم الحصان بالكلام..والحديث دائما عن فتح!

بقلم: د.يحي رباح


لأن أسئلة فتح هي نفسها أسئلة فلسطين، وأسئلة المشروع الوطني الفلسطيني، وأسئلة القضية الفلسطينية، وهي أسئلة كبرى لانتفع معها الأجوبة المنسوجة من خيوط الرعونة والوهم.

فتح حين انطلقت،

كانت ابنة زمانها، وفتح من أجل أن تنهض كما تريد يجب أن تكون ابنة زمانها أيضا، وحين انطلقت فتح قبل 54 سنة، واستوت على عودها حين أطلقت معجزة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وحين استلمت زمام القيادة، وحين أطلقت الانتفاضة، وحين أسست أو أقامت السلطة الوطنية الأولى فوق الأرض الفلسطينية، فإنها كانت ابنة زمانها بحق، تعرف ما هو التحدي، وتمتلك عناصر الاستجابة، وضمن قانون التحدي والاستجابة استطاعت أن تحضر في المشهد، وحين حضرت فغن فلسطين عادت على الفور من غيابها، واستمع الناس إلى صوتها الفلسطيني الذي كان محظورا أو مخنوقا أو مصادرا وسط صراخ الآخرين.

ولو بحثنا عن القاسم المشترك في مشيرة فتح التي جعلتها بحق تعني فلسطين، ويتعامل معها الجميع على أساس ذلك، ويكيد لها الأعداء كيدا كبيرا بسبب ذلك، لوجدنا أن القاسم المشترك هو عمق الفهم والوعي والتحليل للواقع المحيط بنا، والشجاعة الخارقة في اتخاذ القرار!!!

وهذا ما تحتاجه فتح الآن بشكل ملح، وهذا ما يدور حوله الحوار الهادئ والعميق أحيانا، والصاخب أحيانا أخرى، والزائف والمعربد والخارج عن المعقول في بعض الأحيان.

والنموذج لتلك القرارات المبنية على تحليل دقيق، وفهم عميق، واخلاص عريق، والمتسمة بالشجاعة القصوى، هو قرار إعادة هيكلة تنظيم فتح في قطاع غزة، وأعتقد أن عبقرية الصعوبة في الأمر كله ليست هي ردات الفعل التي شاهدناها في الشهر الأخير، فهي ردات فعل على صخبها وضجيجها وتعدد منابعها أقل من المتوقع، واقل مما تحتويه البحيرة الراكدة من رواسب قديمة، وأقل مما يشطح به الطموح غير المشروع!!!

الصعوبة في الأمر:

أن فتح التي تعرضت إلى هزيمة مرة في قطاع غزة، والتي عبرت عن نفسها بالانقسام أو الانقلاب أو الحسم الذي جرى في الرابع عشر من حزيران 2007، وفقدت بسبب تلك الهزيمة موقعها في السلطة، وحضورها التقليدي في قطاع غزة الذي انطلقت منه في البدايات، قد عرشت تلك الهزيمة المرة فوق رأسها، وفوق تفاصيل حياتها اليومية، وفوق المعايير التي تصاغ بموجبها الحقائق والمعادلات، أو حتى التي تخيم بموجبها الأوهام.

لقد مرت السنوات الخمس الأخيرة على فتح في قطاع غزة بطيئة وثقيلة ومليئة بالإحباط والعتمة، دون أن تخلو بطبيعة الحال من فجات الضوء الخاطف، بأن أبناء فتح قدموا نماذج مشكولة بصبرهم على المكاره، ونجاحهم الباهر في اختبار الانتماء، وأن من سقطوا لا يدخلون في مجال النسبة!!! وأن من نكصوا لا يدخلون في الحساب!!! وأن من أداروا ظهورهم سقطوا من الذاكرة!!! وهذا يحسب لفتح كصفحة ناصعة في تاريخها المشرف الكبير!!! وهو نابع في الأصل من أن فتح تشبه إلى حد التطابق شعبها الفلسطيني، ولا تشبه شيئا آخر!!! وان فتح قريبة من البديهيات التي تشكل قاعدة الإيمان العميق، وليست قائمة على المختلفات المعقدة التي تلتف حول رقاب أصحابها حين يوغلون فتشنقهم!!! ذلك أن فتح منذ لحظة ميلادها الأولى وحتى لحظة اشتباكها الأخير، تطرح على نفسها وأعضائها ومناصريها وشعبها بوجه عام، أسئلة البديهيات، أسئلة الفطرة الأولى، من يريد أن يكون فلسطينيا؟؟؟؟ وعندما ترفع الأيدي ويحصى النصاب فإنها دائما تفوز بالأغلبية الساحقة.

والشئ الذي لم يدركه أولئك الذين خرجوا من فتح ليلتحقوا بأوهامهم، وانشقوا عنها وبصقوا في وعائها الذي أكلوا منه، وقذفوها بالحجارة وأقذعوا في شتمها، إنما حكموا على أنفسهم بالانتفاء، لأنهم حين فقدوا براحها الواسع، وفضائها الشاسع، وسر محبتها الباتع، اكتشفوا أنهم فقدوا كل شئ، وبدونها لم يعودوا شيئا.

من أين يأتي هذا الشجن؟؟؟؟ من أين ينبع هذا الصراخ المجنون؟؟؟

حتما توجد مشكلة، ومن الذي ينكر ذلك؟؟؟ وفتح تبدو سهلة، فهي تقبلك ما أن تنطق بالشهادتين، وتستطيع بعد ذلك أن تنكفئ في أطراف حديقتها الواسعة، وتصبح من فرق المعطلة أو فرق المرجأة!!!! إلى أن يأتي الاختبار الكبير، وحينها يتعين على كل شخص أن يكون بالضبط من هو؟؟؟ ما هو سره الحقيقي الذي يستند إليه ؟؟؟ و حين إذ لا يمكن الاختباء وراء الظلال .

الاختبار هو هذا القرار الشجاع الذي فتح كلها في حاجة إليه , و ليس فتح في قطاع غزة وحدها , القرار الشجاع بالتغيير بالتجديد , بإلقاء حجر في البحيرة الراكدة , بتسليط ضوء شديد على الحفر المعتمة , حين إذ لا يكون هناك مفر من المصارحة و المكاشفة و المواجهة و سقوط الأقنعة , و إظهار صدق النية و بياض اليقين .

القرار كان موجودا في الحوارات قبل المؤتمر العام السادس و خلاله و بعده , القرار كان يتحدث عن التغيير التجديد , إعادة فحص الذات , إطلاق الطاقة الكامنة , اللجوء إلى الشباب , و لكن اللجوء إلى الشباب لا يعني الاحتكام إلى بطاقة الهوية , لأنه حين إذ يصبح الموضوع مضحكا و مع الأسف فإن البعض سقط في الهوة السحيقة , فالجوء إلى الشباب يعني التغيير و التجديد و البحث عن أفكار ملهمة , و جدلية المحاولات الجادة , و القدرة على القفز من فوق السياج , ذلك أن القصائد العتيقة تظل هي نفسها سواء ألقاها الشباب أو الشيوخ , و التغيير و التجديد يعني الإبداع , و ليس الفوضى , مثلما أن الولاء لا يكون بكسر العامود الفقري لكي يتناسب مع المعايير الصارمة .

نحن في حركة فتح لم نكن بحاجة إلى ربيع عربي , ذلك أن قضيتنا هي منطلق كل ربيع , و هي تفرض علينا أن نكون في حالة جاهزية , و يجب أن نمتلئ باليقين أن هناك وراء الباب ما هو أفضل و ما هو بحاجة إلى فرصة للدخول .

و أستطيع أن أتحدث بثقة كبيرة , أن هذا ما اكتشفته يوميا من خلال تعاملي المباشر مع التفاعلات التي أثارها القرار الشجاع الذي اتخذته حركة فتح بالتغير و التجديد و إعادة الهيكلة , فنحن لا نؤمن بالإقصاء , و دائما كان أدوات الإقصاء هم الذين يجدون أنفسهم معزولين و مقصيين في العراء .

لقد اكتشفت في جسم فتح العريض و الواسع و المتنوع حرارة الانتماء , و الحرص على جوهر الذات و الرغبة في الميلاد المتجدد , و أن الغالبية الساحقة من هذا الجسم الفتحوي فهموا القرار الشجاع بأنه غير قابل للتراجع و أنه يشكل هدية كبرى تقدمها فتح لنفسها و لشعبها في زمن يصعب فيه تقديم الهدايا الجميلة .

هناك متضررون , نعم , من ينكر ذلك ليس فقط بسبب هذا القرار الشجاع , و لكن قبله أيضا , و المشكلة ليس في التغيير , المشكلة بان البعض لا يرون إلا أنفسهم , و هؤلاء يقولون في المساء عكس ما أكدوا عليه في الصباح , و هذه فئة موجودة في كل عصر أو أوان , و لكن هناك متضررون لهم مظلومية عادلة , و واجبهم البقاء في فناء بيت العائلة لأنهم حين يكونون هناك لن يلحق بهم ضيم , بل هم أنفسهم ببقائهم داخل بيت العائلة يصبحون جزءا من الحل و ليس جزءا من المشكلة .

المهم أن لا نثقل ظهر الحصان الفتحوي بالأوهام و أن لا نقيد قوائم الحصان الفتحوي بحبال الكلام , دعوا الحصان ينطلق , فسوف ينقلنا معه إلى أفاق رحبة جديدة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت