بوابة رفح استنزافٌ مالي وعناءٌ جسدي

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي


لم تتغير أشكال وألوان المعاناة والتعب التي يواجهها المسافرون من وإلى قطاع غزة في بوابة العبور المصرية الفلسطينية المسماة بوابة رفح، التي أصبحت بحجم المعاناة فيها علماً دولياً وبوابة يعرفها العالم كله، فلا شئ تغير ولا إجراءاتٍ تبدلت، ولا عقباتٍ أزيلت، ولا تحسيناتٍ جرت، رغم كل المساعي الفلسطينية التي بذلت، والزيارات التي تمت، والاتصالات التي جرت لتذليل العقبات وتسهيل الإجراءات، إلا أن شيئاً من التحسينات الموعودة لم تحدث، وبقيت الوعود المصرية مجرد كلام، ومحاولات تطمينٍ بلا رصيد، وتصريحاتٌ يقصد بها كل شئٍ غير مصداقية التطبيق، وأمانة التنفيذ، فهي سرابٌ ووهم، وآمالٌ وخيالاتٌ أقرب إلى أضغاث الأحلام، فما زال المصريون يحتفظون على جانبهم من المعبر بذات التعقيدات التي كانت، رغم نجاح الثورة، وتولي مرسي، وتغير المزاج المصري العام.

يتهيأ المسافر من وإلى غزة لخوض رحلةٍ عسيرة، وتكبد معاناةِ سفرٍ مرير، ويوطن نفسه على انتظارٍ طويل، ويتهيأ لاحتمالات العودة والرد من حيث أتى، إذ لا شئ مضمونٌ أو مكفول على الجانب المصري من المعبر، فكل الاحتمالات واردة، تسهيلٌ أو تعقيد، سماحٌ أو منع، استجوابٌ أو حجز، شتمٌ أو ركل، سبابٌ أو إهانة، تحقيرٌ أو إساءة، معاملةٌ مهينة أو خطابٌ شائن، علماً أن المسافة من القاهرة إلى المعبر تستغرق سبعة ساعاتٍ من السفر المتواصل، أو ساعاتٍ أطول وانتظارٍ أصعب منذ ساعات الصباح الباكر للمسافرين من غزة.

لعله من المتعارف عليه عالمياً أن عناصر الأمن العام والموظفين الإداريين في المعابر والمطارات، يختارون بعناية، وينتقون باهتمامٍ كبير، فيختارون من ذوي الوجوه الحسنة، والهندام الجميل، والمظهر الأنيق، واللسان اللبق، ممن يتميزون باللباقة وحسن التعامل مع المسافرين، إذ أنهم واجهة الدولة، وبوابة العبور إليها، فينبغي أن يكون مظهرهم لائقاً، ولسانهم عذباً، ومفرداتهم جميلة، ومعاملتهم رقيقة، ليكون الانطباع الأول الذي يحمله المسافرون والوافدون عن البلد جميلاً وطيباً، فيقومون بالمساعدة في تعبئة البطاقات وتوجيه المسافرين، وتسهيل إجراءات دخولهم أو خروجهم، فلا ازدحام على كوة، ولا تمييز بين المسافرين، ولا إساءة إلى أحد.

ولكن الحال مع المشرفين على معبر رفح مختلف، والواقع فيه مغاير، فالقائمون على متابعة إجراءات السفر تدقيقاً وتوثيقاً وتوقيعاً، يتعمدون الإساءة، ويتقصدون الإهانة، ويحرصون على المعاملة الخشنة، فيدفعون المسافرين بأيديهم، ويرفعون الصوت في وجوههم بكلامٍ لا يليق، قد يستهدف أشخاصهم بعينها، وقد يطال وطنهم وقطاعهم، بإهانةٍ عامة، وتصعيرٍ مقصود، وتصدر منهم كلماتٌ نابية، ومفرداتٌ فاحشة، وأوصافٌ ونعوت يربأ بها الإنسان، ويتعالى عنها المتحضرون، بما يخدش الحياء ويمس الكرامة، ويحط من القدر، ولا تمييز في المعاملة الخشنة بين المسافرين، إذ لا تقدير لكبيرٍ في السن، ولا رحمة لطفلٍ صغير أو امرأةٍ ضعيفة، ولا يجد المسافرون وسيلةً للرد غير الصمت وتلقي الإهانات، إذ أن الثورة تعني المنع، والاعتراض يعني التأخير والتعطيل، والمحاججة تستوجب المزيد من الإساءة.

يظن المسافرون في معبر رفح أنهم يعيشون في العصور السحيقة والعهود الماضية، حيث لم تكن سيارات ولا وسائل نقل، ولا آليات خدمة وتسهيل انتقال، مما يجبر المسافرين على الاستعانة في سفرهم بالدواب والعربات، لنقل متاعهم، وحمل صغيرهم وضعيفهم، فضلاً عن المشي على الأقدام، وجر الأمتعة والحقائب، وحمل الأطفال واتكاء المرضى على الأصحاء لاجتياز المسافة، والوصول من نقطة النهاية إلى الصالة المصرية ومنها إلى الصالة الفلسطينية، حيث لا يسمح للسيارات بالخدمة، ولا يجيز القانون أسوةً بكل معابر الدنيا أن يبقى المسافرون في سياراتهم وصولاً إلى الجانب الآخر أو مواصلةً للرحلة، ما يعني نقل المتاع أربعة مراتٍ، بما فيها من مشقةٍ وعناء، وتلفٍ وخرابٍ وتكسيرٍ وضياع.

يلزم المسافرين في معبر رفح أن تكون جيوبهم عامرة، وأيديهم سخية، ونفوسهم كريمة، إذ لا خطوة دون دفع، ولا انتقال دون أداء، ولا تجاوز دون تسهيلٍ وبذل، فكل شئٍ له ثمنٌ وأجر، ومن أخطأ التقدير تعطل، ومن امتنع تأخر، ومن اعترض يتعلم لغيرها ويتوب عن تكرارها، والكلفة المالية رسميةٌ مضنيةٌ جداً، رسومٌ للمغادرة، وأخرى للجوازات، وأجورٌ للانتقال وأخرى للمواصلات، وغيرها جديدٌ مما يتفتق عنه ذهن القائمين على المعبر، علماً أن أكثر المسافرين من عامة المواطنين من المرضى والمعتمرين والحجاج والطلاب والعائدين، ممن يعانون من الفقر، ويقاسون من الفاقة والحاجة، وقد كان حرياً بالسلطات المصرية دعماً لهم وحرصاً عليهم، ومساهمةً منها في صمودهم وثباتهم، أن تعفيهم من كل رسوم، وأن تيسر لهم كل إجراء، وتزيل من أمامهم كل العقبات.

ونفقاتٌ أخرى غيرها لازمةٌ بلا رحمة، وضرورية بلا شفقة، يجبر المسافرون على دفعها، ويكره العابرون على أدائها، والعاملون في المكان يستغلون الظرف ويستفيدون من الحال، فيتعاونون على المسافرين ليحصلوا منهم تباعاً على أكبر قدرٍ من المال، ويوزعون أدوارهم كسباق التتابع، كلٌ يسلم الآخر، وما تدفعه للأول لا يغني عن الثاني، وأن امتنع مسافر عن الأداء عاقبه حمالٌ أو موظفٌ، فالمال المجموع عليه ضريبةٌ تؤدى، ومنه نسبةٌ تجبى، ومن لا يدفع يحرم ويطرد، والقيمة المستوفاة كالضريبة معروفة القيمة ومحددة القدر، وعلى العاملين حمالين وغيرهم جبايتها من المسافرين، وجمعها من العابرين، أما من اضطر لقضاء حاجته، أو الدخول إلى الحمام للوضوء أو غسل وجه، فإن عليه أن يدفع ثمن الماء والمكان، رغم أنه لا نظافة ولا رعاية، ولا اهتمام ولا تنظيم.

لا شئ تغير في معبر رفح، فكلُ شئٍ على حاله وأشد، ولا يبدو أن هناك نية جادة في التغيير والتبديل، تحسيناً وإجادة، تيسيراً وتسهيلاً، إذ أن بعض التغيير فوريٌ وآنيٌ، يلزمه قرار ويحققه توجيه، فلا يتطلب تنفيذه عدةً أو آلياتٍ ووسائل، مما يستوجب التأخر للإعداد والتجهيز، ولكن الأمل يحدو المواطنين في قطاع غزة، أن الأيام القادمة ستحمل معها تغييراً جديداً وتحسيناتٍ حقيقية، فقد أصبح لمصر رئيسٌ من شعبها ومن عامة أهلها، يعرف ألمهم ويدرك معاناتهم، ويحس بجرح جيرانهم، وقد عين رئيساً للحكومة، ومشرفاً على السلطة التنفيذية فيها، وإن يلزمه بعض الوقت للتغيير والتعديل، فإننا نسأل الله له النجاح والتوفيق، فنحن جزءٌ من أهله، وبقيةٌ من شعبه.
غزة في 28/7/2012

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت