من مهازل القدر، أن أي مرشح للرئاسة الأميركية وكي يزيد أسهمه ويجمع التبرعات لحملته الانتخابية، عليه الحج أولاً إلى إسرائيل ليحظى بمباركتها، وهذا ما فعله المرشح الجمهوري "ميت رومني" الذي زار إسرائيل والتقى بقادتها مغدقاً الوعود والعهود، معرباً عن التزامه العميق بإسرائيل، واعترافه بأهمية الشعب اليهودي، وبيهودية الدولة، بل تجرأ على خرق ما هو محرم والإعلان بأن القدس هي عاصمة إسرائيل، وكل هذا لتعزيز مكانته في الساحتين الأميركية والدولية والوصول إلى البيت الأبيض، واجتذاب أصوات اليهود حاملي الجنسية المزدوجة من بين الإسرائيليين، والذين يعدون عشرات الآلاف، والأهم اجتذاب أصوات يهود أميركا، والناخبين الأميركان من "الإنجيليين" المؤيدين لإسرائيل، وبالطبع اجتذاب تبرعاتهم المالية لحملته الانتخابية، مع إظهار التناقض في المواقف بينه وبين الرئيس "باراك أوباما"، مستغلاً فتور علاقة "أوباما" مع "نتنياهو"، وعدم تقارب المواقف بينهما، فـ "رومني" -الذي يعتبر من أكثر الأميركان تشدداً- أراد افتتاح معركته الانتخابية من إسرائيل للهدف ذاته، مؤيداً الموقف الإسرائيلي من ضرب إيران، وعمل على نشر الوعود لإسرائيل دون حسيب أو رقيب، واعداً بنقل السفارة الأميركية من تل-أبيب إلى القدس، وسبقه في مثل هذا الوعد مرشحون آخرون مثل "جورج بوش" وغيره، دون التمكن من تنفيذ وعودهم، فإن التوجه اليميني في إسرائيل-وعلى رأسهم نتنياهو دون أن يجاهر بذلك- يؤيد المرشح الجمهوري، فقد شاهدنا في العقود الماضية أن الدول التي تحتاج إلى رضا الولايات المتحدة، والاستفادة من دعمها، خاصة من الدول الآسيوية والإفريقية، عليها أن تمر بإسرائيل، والحصول على بركتها كي ترضى وتحصل على دعم أميركا، بينما أصدقاء الولايات المتحدة والداعمين من الدول العربية لا دور وتأثير لهم في السياسة الأميركية.
المرشح الجمهوري "رومني" أغضب الفلسطينيين حين أعلن أن الحضارة اليهودية جعلت اليهود أكثر نجاحاً من جيرانهم العرب، وقد اعتبر الفلسطينيون هذا التصريح عنصرياً، وكرر ذات الخطأ عندما تخطى المعقول وأعلن أن القدس بشقيها عاصمة إسرائيل الأزلية، وفي جميع مواقفه وأقواله وكأنه كان يردد مواقف وأقوال "نتنياهو"، فقد استقبل "رومني" بحفاوة غير مسبوقة، مدعياً بأن الحلف الأميركي- الإسرائيلي مبني على القيم، فأثناء خطابه في القدس مع شرائح إسرائيلية بينهم قادة المستوطنين، هاجم الرئيس "أوباما"، وأغرق الحضور بوعوده، فاليمين الإسرائيلي يعتبره جيداً لليهود، وداعماً لإسرائيل ضد إيران.
وفي المحصلة المرشحان "رومني" و "أوباما" يتنافسان على إرضاء إسرائيل ويهود أميركا، فالطريق للبيت الأبيض، كما أسلفنا تمر بإسرائيل، وإذا استمر هذا الوضع، فإنه سيأتي يوم لا يتجرأ أحد في الولايات المتحدة بانتقاد إسرائيل.
"أوباما" الذي حج إلى إسرائيل عشية الانتخابات الأميركية السابقة قبل أربع سنوات، ومن أجل إعادة انتخابه لولاية ثانية، ولإبطال وعود المرشح الجمهوري سلك طريقاً آخر حيث بادر إلى سن قانون لتوسيع حجم التعاون العسكري مع إسرائيل، وقدم هبة إضافية بمبلغ (70) مليون دولار لتمويل شبكة الدفاع الإسرائيلية "القبة الحديدية"، فتوقيع الرئيس "أوباما" على القانون- "27-7-2012" حسب الجنرال "عاموس جلعاد" رئيس الهيئة السياسية في وزارة الدفاع- يشكل علامة فارقة في العلاقات الأمنية بين البلدين، وينص هذا القانون، الذي حظي بتشريع من مجلس الشيوخ والنواب الأميركيين، على منح إسرائيل وللمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين، إمكانية الحصول على طائرات أميركية من طراز 135-KC القادرة على تزويد المقاتلات الجوية بالوقود جواً، بينما الإدارة الأميركية الحالية والإدارية التي سبقتها، امتنعتا عن تزويد إسرائيل بهذه الطائرات، إلا أن منح إسرائيل طائرات التزود بالوقود جواً، سيحسن كثيراً من قدرة سلاح الجو الإسرائيلي لتوجيه ضربة لإيران، لكن أهمية إقرار هذا القانون الجديد، هو التأكيد على التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، وبالحفاظ على التفوق النوعي الإسرائيلي، وتمكين إسرائيل من الحصول على قنابل تخترق الملاجئ المحصنة التي امتنعت إدارة "بوش" في حينه من تزويد إسرائيل بها، ورغم استجابات الرئيس "أوباما" السخية للمطالب الإسرائيلية، وبكل ما يتعلق بتفوقها التسليحي، فإن القيادة السياسية الإسرائيلية غير مرتاحة للرئيس "أوباما"، فهي تخشى أن يعاقبها في ولايته الثانية والأخيرة، وتزعم أن الفضل لدعمها يعود للكونغرس وليس لـ "أوباما"، بينما يعتبرونه في إسرائيل مؤيداً للفلسطينيين دون المجاهرة بذلك، فيما يجاهر المستوطنون وقوى اليمين بذلك، وبأن "أوباما" يدير ظهره لإسرائيل في عدد من القضايا.
هناك تناقض أميركي، فمن جهة تُسلح إسرائيل وتعدها لضرب إيران ، ومن الجهة الأخرى تضغط عليها للامتناع عن ضرب إيران، وبخاصة قبل الانتخابات الأميركية، التي ستجري في شهر تشرين ثاني القادم، فالإدارة الأميركية توفد المسؤولين لإسرائيل للضغط عليها، ولا يكاد يمر أسبوع دون مثل هذه الزيارات، نذكر منها مستشار الأمن القومي الأميركي، ووزيرة الخارجية "هيلاري كلينتون"، وأخيراً وزير الدفاع "ليون بانيتا"، لإقناعها بعدم القيام بعمل عسكري ضد إيران، فالولايات المتحدة تعارض ضرب إيران قبل الانتخابات الأميركية، لكنها منسجمة مع إسرائيل بعدم تمكين إيران بأن تصبح دولة نووية، والرؤيا الأميركية تعتبر أن إيران بحاجة إلى سنة أو سنة ونصف للحصول على السلاح النووي، وعليه الاستمرار بالجهود الدبلوماسية لثني إيران، وبالمزيد من العقوبات الاقتصادية عليها.
لكن "نتنياهو" يتحدى الموقف الأميركي، ففي مقابلة تلفزيونية مع القناة الإسرائيلية العاشرة بتاريخ 31-7-2012، قال: أن المستوى السياسي "أي الحكومة"هو صاحب قرار الحرب، وأن على المستوى العسكري التنفيذ، وهذا طبيعي بالنسبة لنظام الحكم في إسرائيل، فلماذا يطرح نتنياهو الآن ما هو معروف، ويبدو أن هناك هدفين من أقواله: الأول: رداً على رسالة رؤساء الأجهزة الأمنية أي قادة الجيش، وقائد سلاح الجو، ورؤساء الأجهزة الأمنية "الشاباك"، الموساد"، "شعبة الاستخبارات"، الذين وجهوا رسالة لـ "نتنياهو" معربين عن معارضتهم لهذه الضربة على إيران والثانية للأميركان حيث يقول "نتنياهو": أن أحداً لن يستطيع منع إسرائيل من توجيه ضربة عسكرية لإيران، وأن إسرائيل ستبقى الوحيدة صاحبة القرار في كل ما يتعلق بأمنها، ويأخذ من رئيس الوزراء السابق "مناحيم بيغن" مثلاً، لقيامه بضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981، رغم معارضة الجيش للضربة، وحسب "بانيتا" فإن أحداً لا يستطيع ثني إسرائيل من توجيه الضربة، وأن الولايات المتحدة لن تدير ظهرها لإسرائيل، في حال أقدمت على تنفيذ الضربة، لكنها تعارضها قبل الانتخابات الأميركية، وتنصح إسرائيل بالتروي وعدم العمل من طرف واحد الذي ستعتبره اجتياز خط لن تطيقه أميركا، وتحذر إسرائيل من عواقب النتائج، فالخلاف الأميركي الإسرائيلي على التوقيت، وليس على العدوان.
إن "نتنياهو" مستعجل على الضربة، لتعزيز شعبيته الآخذة بالتراجع، رغم مخاطرتها ومعارضة إسرائيلية سياسية وعسكرية لها، لا يسعنا سوى الانتظار إذا كان سيفعلها، وماذا ستكون نتائجها على إسرائيل وعلى المنطقة بشكل عام.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت